تأسيس حزب امريكي ثالث هل يغير المعادلة الانتخابية ؟
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد اللهوفقا لمصادر إخبارية متواترة أعلن العشرات من المسؤولين الجمهوريين والديمقراطيين السابقين يوم 27 تموز 2022 عن تأسيس حزب سياسي ثالث بهدف جذب ملايين الناخبين الذين يقولون إنهم مستاؤون مما يرون أنه نظام الحزبين المختل في أمريكا ومن المأمول أن يصبح الحزب الجديد بديلاً فعالاً للحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين يهيمنان على السياسة الأمريكية
في البداية سيترأس الحزب الجديد الذي اختاروا له اسم ( إلى الأمام ) المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة أندرو يانج وكريستين تود ويتمان الحاكمة الجمهورية السابقة لولاية نيوجيرسي وسيعقد قادة الحزب سلسلة من الفعاليات في أكثر من عشرين مدينة في الخريف المقبل لإطلاق برنامجه وجذب الدعم كما سيقيمون حفل إشهار رسمياً في هيوستن يوم 24 أيلول الجاري تمهيدا لأول مؤتمر وطني عام للحزب يعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن الصيف المقبل
حزب الى الامام جاء بعد اندماج ثلاث مجموعات سياسية ظهرت في السنوات الأخيرة كرد فعل على النظام السياسي الأمريكي الذي أصبح يزداد استقطاب وانغلاق حيث شمل الاندماج حركة تجديد أمريكا رينيو أمريكا التي أسست عام 2021 من عشرات المسؤولين السابقين في الإدارات الجمهورية لرونالد ريغان وجورج بوش وجورج دبليو بوش ودونالد ترامب وهذا الحزب الذي أسسه يانج الذي ترك الحزب الديمقراطي في عام 2021 بعدما أصبح مستقلاً بالتعاون مع حركة خدمة أمريكا ( سيرف أمريكا ) وهي مجموعة من الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين أسسها عضو الكونغرس الجمهوري السابق ديفيد جولي
يسعى قادة الحزب الجديد بخطى حثيثة للتسجيل رسمياً وخوض الانتخابات في 30 ولاية بحلول نهاية عام 2023 وفي جميع الولايات الخمسين بحلول أواخر عام 2024 أي ضمن الوقت المناسب للمشاركة في انتخابات 2024 الرئاسية
من بعض الأهداف والتطلعات العامة التي قد ترد في برنامج حزب الى الامام محاولة تنشيط اقتصاد عادل ومزدهر وإعطاء الأمريكيين المزيد من الخيارات في الانتخابات والرأي والثقة بالمستقبل وحتى الساعة لم يتضح بعد كيف يمكن أن يؤثر هذا الحزب على التوقعات الانتخابية لأي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في بلد شديد الاستقطاب فيما يشكك العديد من المحللون السياسيون في امكانية نجاحه أو منافسته
منذ الخمسينيات من القرن التاسع عشر يهيمن على الحياة السياسية في الولايات المتحدة الامريكية حزبان رئيسيان حيث يتفوق الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على الأحزاب الأخرى كما يستند نظام الحزبين على القوانين والمواثيق الحزبية والأعراف السائدة أما الأحزاب الثانوية الصغيرة فتأتي وتذهب وأحيانا تفوز بمناصب رئيسة على مستوى الولايات
كثير من العلماء والمؤرخون السياسيون قسموا تطور نظام الحزبين في أمريكا إلى خمسة عصور حيث بدأ نظام الحزبين الأول من الحزب الفيدرالي الذي أيد التصديق على الدستور ثم ظهر الحزب الجمهوري الديمقراطي أو الحزب المعارض للإدارة ( المعارض للفيدراليين ) آنذاك الذي عارض الحكومة المركزية القوية من بين آخرين بشأن التصديق على الدستور الذي دخل حيز التنفيذ في عام 1789
في الواقع هنالك عدة أحزاب ثالثة متعددة الاهداف تعمل في الولايات المتحدة في خلفية المشهد من وقت لآخر تنتخب شخص ما لمنصب محلي ومع ذلك غالبا ما تكون المناصب المحلية بدون صبغة حزبية حيث يعتقد بان أكبر حزب ثالث منذ الثمانينيات من القرن العشرين هو الحزب الليبرتاري إلى جانب الحزب الدستوري والأخضر والليبرالي وهناك العديد من الأحزاب السياسية الأخرى التي تحظى بالحد الأدنى من التأييد ولا تظهر إلا عند الاقتراع في ولاية واحدة أو في بضع ولايات
في استطلاع سابق لقياس الرأي أجرته مؤسسة غالوب العام الماضي يقدر هامش الخطأ فيه بأربع نقاط مئوية جسدت خلاله غالبية الآراء السياسية للأمريكيين وأوردت ملخص عن نتائجه صحيفة ذا هيل الأمريكية أظهر ان تطلعات ما يقرب من ثلثي الأمريكيين ترى إن البلاد بحاجة لوجود حزب سياسي ثالث لأن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يقومان بعمل ضعيف في تمثيلهما للشعب في حين قال 33% فقط إن الحزبين الرئيسيين الحاليين يقومان بعمل مناسب وفقًا للاستطلاع المذكور
بحسب موقع ذا هيل هذه كانت أعلى نسبة من المواطنين الأمريكيين تعبر عن حاجة البلد لحزب ثالث منذ فترة بعيدة كما اشار الاستطلاع أيضا إلى انها ثاني أقل نسبة مئوية من الأشخاص الذين قالوا إن الأحزاب الحالية كافية لان معظم الأمريكيين في العادة ينظرون إلى الحزب الديمقراطي بشكل إيجابي في حين تتقلص تلك الرؤية بالنسبة للحزب الجمهوري حيث يقول 4 من كل 10 جمهوريين إنهم يريدون أن يصبح حزبهم أكثر محافظة مما كان عليه الحال خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب أما الديمقراطيون فهم أكثر انقسام حيث يريد العديد منهم أن يتحول حزبهم إلى اليسار ويريد البعض أن يظل الحزب كما هو في حين يريد اخرون أن يتحول إلى اليمين
من قراءتنا التحليلية للمشهد السياسي العام يبدو لنا ان أمريكا تنزلق باتجاه أزمة مسارات سياسية قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وقبل عامين من انتخابات رئاسية ستكون مفصلية في تاريخ الأمة الأمريكية مع حال غالبية المواطنين الأمريكيين الذين يعيشون أزمة اختيار بين حزبين أحلاهما مر وكلاهما أعرج وهو السبب الذي جعلهم في عام 2016 يختارون المرشح ترامب الذي كانت سيرته في ذلك الوقت خالية من أي عمل حزبي أو مشاركة سياسية حقيقية حيث كان الاختيار فقط من باب المكايدة السياسية للمرشحة هيلاري كلنتون الآتية من دهاليز الحزب الديمقراطي المعروف جيدا لدى الناخب العادي الأمريكي
المأزق الخطير الذي ينتظره الأمريكيون في الانتخابات الرئاسية القادمة التي يتحسب لها الجميع الآن وهم يرفضون بايدن بسبب اخفاقاته وارتفاع معدلات التضخم وزيادة نسب الجريمة وانتشار الحكم الفوضوي عند الحدود الجنوبية والتعامل الكارثي مع الملف الأفغاني وردات الفعل بسبب القرارات المتخبطة تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية وبالقدر نفسه وفي ذات الوقت لا يقبلون ترامب نظرا لسياساته الخرقاء وعدم امتلاكه والجمهوريون حلا سحريا لإنقاذ البلاد من خيبات الديمقراطيين ولا زال كثير من الأمريكيين يتذكرون نهار السادس من كانون أول 2021 حين حاولت الجموع اليمينية الغاضبة المؤيدة لترامب إجبار الكونجرس على تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية بالقوة المفرطة
حالة الاضطراب السياسي المجتمعي الأمريكي باتت لافتة للنظر خاصة على صعيد الشقاق المستمر بين الحزبين الكبيرين وتبادلهما الأدوار غير المرضية للشعب فعلى سبيل المثال وقبل عام كان الديمقراطيون يتقدمون على الجمهوريين بست نقاط فيما اليوم وعلى عتبات إعادة تشكيل الكونجرس يسبق الجمهوريون الديمقراطيين بأربع نقاط فهل يعني ذلك ضمان هيمنة الجمهوريين على المدى الطويل حتى 2024 وبما يظهر إمكانية عودة ترامب مرة أخرى الى سدة الحكم
من خلال التدقيق والتحليل الطويل نلاحظ ان غالبية الناخبين الأمريكيين لا يريدون أن يترشح جو بايدن أو دونالد ترامب لانتخابات عام 2024 وهم غير متحمسون لأي من الحزبين ويتطلعون الى تغيير وجوه المرشحين السياسيين ولكن التساؤل الذي نود التوقف عنده هنا بموضوعية وتجرد هل أزمة الداخل الأمريكي تصل الى أبعد من مجرد البحث عن رئيس دولة وهل هي أزمة أحزاب وبحث عن قيادة جديدة أم هي ( إشكالية هوية وتركيبة اجتماعية ) باتت مقلقة ومضطربة بشكل أصبح يؤثر على مجمل العملية السياسية والانتخابية
في الواقع لا بد من الاعتراف بان هنالك مجموعة أخطاء حدثت في عهود سابقة في زمن الرئيسان بوش الابن وباراك أوباما أدت إلى فقدان اميركا قدرتها على بلورة رؤية استراتيجية طويلة المدى وان المغامرات العشوائية ومغادرة مواقع النفود والصراعات بطريقة انهزامية كما حدث في أفغانستان والعراق وغيرهما إضافة الى العجز المتواصل عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية كلها جعلت أمريكا الداخل في أزمة وقلق يمكن ان يصل إلى ما هو أبعد واخطر
أخيرا ومرة أخرى نتساءل هل سيكون لهذا الحزب الجديد ثقل انتخابي حقيقي يغير معادلة الحزبين الانتخابية القائمة منذ زمن طويل ويصنع التغيير السياسي المنشود لغالبية الأمريكيين أم انه سيبقى مجرد ديكور تجميلي فاشل ومحارب من قبل رجالات الدولة الأمريكية العميقة القوية والمسيطرة على جميع مجريات وتطورات الداخل الأمريكي
mahdimubarak@gmail.com