ما بين اللصوص الشرفاء وعديمي الشرف !
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
بداية لا شك في أن السرقة محرمة تحريما قطعيا ومرفوضة بالمطلق ونحن هنا
لا نؤيد اللصوصية وان كانت على نحو شريف على حد زعم البعض ولكنها مقارنة
لواقع مرير في زمن مقارنة السيء بالأسواء
لقد جرت العادة أن نسمع عن لص ذكي فوق العادة أو لص غبي بزيادة أوعن لص
ظريف ومتهور لكن من غير الطبيعي أن نسمع عن لص طيب أو عنده ضمير او ان
بعضهم لديه مبادئ وعواطف صادقة وقد نستغرب أكثر حينما يكون أحدهم شريفا
ونبيلة ويشعر بالإنسانية فليس كل اللصوص بالضرورة آثمين ومجرمين ونواياهم
سيئة وقد يكونوا ضحايا لمسيرة حياة صعبة مما يدعونا الى السؤال هل هناك
لصوص شرفاء وآخرون غير شرفاء ؟ جوابي هو وبالخط العريض نعم
ولو أردت أن آتي بنموذج من شخصية اللص الشريف فلن أجد أفضل من روبن هود
( شخصية أسطورية إنجليزية ترجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي ) اضافة
الى جماعة الصعاليك المرحة الذين سرقوا الأغنياء ليعطوا الفقراء وقد
استحقوا الثناء من البعض فيما نسجت حولهم الكثير من الروايات الشعبية
والأشعار والمسرحيات والأفلام السينمائية وهنالك العديد من اللصوص في
العالم لاقوا من المجد والشهرة في التاريخ ما لم يلقاه أبطالٌ عظام
ومشاهير السياسة والحرب
ما دعاني ولفت نظري للكتابة حول هذا الموضوع ما نشر مؤخرا في مقطع فيديو
على وسائل التواصل حول أعاد لصوص في بريطانيا اموال سرقوها بعد أن علموا
أنها كانت تبرعات لمسجد وبعد موجة الغضب المتزايد والاستياء الشعبي
الشديد بين البريطانيين حيث يظهر الفيديو لصا ملثما يقول ( لن نسرق أبدا
من مسجد ) ويلقي باللوم في تنفيذهم للسرقة على معلومات كانت كاذبة ويضيف
وهو يعتذر ( أنا هنا لإعادة الأموال واننا لم نكن نعرف أنها مال مسجد )
البعض علق ساخرا اعتقد ان اللصوص مسلمين
ومن قصص العصر الحديث التي قرأت باهتمام حكاية لصوص سرقوا سيارة امرأة
مريضة قعيدة تدعى ” ماريا إيلينا تبلغ ” 56 عامً من موقف للسيارات
بمستشفى إيطالي حيث قامت بنشر إعلان استغاثة عن سرقة سيارتها موضحة
حالتها الصحية ومؤكدة بأن هذه السيارة تمثّل جناحيها ( ساقيها ) ووسيلتها
الوحيدة لتشعر بالحرية أكسبها الإعلان تعاطفًا من الكثيرين ومنهم ضمير
اللصوص فقرروا إعادة السيارة إليها وكتبوا اعتذار لها ( لدينا قلب
ونعتذر لك ولم نكن نعلم بوضعك الصحي ) الغريب أن ماريا شكرت اللصوص وقالت
( أنا ممتنة للصوص الذين أعادوا السيارة ) ولم تتقدم بشكوى
نعم هناك لصوص شرفاء وذوي ضمير يستحقون بالفعل الشكر والشد على أياديهم
إذا لزم الأمر وسوف أستعرض لكم بعضا منهم لعل من كانت لديه نزعة لصوصية
شريرة واثمة أن يقتدي بهم
في الولايات المتحدة الأمريكية قام لص بسرقة كاميرا من سيارة لكنه أعادها
بعد أن عرف أن صاحبتها مريضة بالسرطان وهي تقوم بأخذ صور لنفسها بهذه
الكاميرا لأطفالها حتى يتذكروها بعد مماتها
وفي السويد ترك أستاذ جامعي سويدي حقيبته دون رقابة وبداخلها كمبيوتره
ليسرق الأمر الذي أحزن الأستاذ لأن الكمبيوتر يحتوي على أبحاثه ومحاضراته
خلال 10 سنوات لكنه فوجئ بأن اللص أرسل إليه فلاش ميموري يحتوي على جميع
الأبحاث والمحاضرات
وفي ألمانيا اقتحم لص بيتا من أجل سرقته ليجد بداخلة طفلين أرغمها على
السكوت مستخدما سلاحه وفور رؤيتهما يعرضان عليه مصروفهما حتي لا يؤذيهما
استفزه ضميره الحي وانسحب من البيت خجولا من نفسة دون ارتكابه السرقة
وفي أستراليا قام لص بسرقة سيارة مفتوحة النوافذ وكانت غنيمته عبارة عن
هاتف جوال ومحفظة وعندما فتح اللص الهاتف الجوال وجد فيه صور تحرش بأطفال
الأمر الذي أثار غضبه وهو ما دفعه إلى تسليم نفسه للشرطة معترفا بسرقة
الجوال وذلك من أجل القبض على صاحبه الذي تبين أنه في الـ 46 من عمره وقد
انتهى به الأمر بعد التحقيقات في السجن ( لص لكنه يعرف قيمة الشرف )
وفي الدنمارك هرب لص فزعا لدى عثوره على جثة امرأة في منزل اقتحمه في
لاهاي واتصل برقم الطوارئ للتبليغ عنها وفي روسيا ايضا سرق لصوص مجموعة
علب من دون التأكد من محتواها لكنهم أعادوها إلى الجمعيات الخيرية عندما
اكتشفوا أنها تحتوي على ( هدايا عيد الميلاد لأطفال يتامى )
وفي قصة طريفة قام لص بسرقة سيارة لكنه سرعان ما أعادها بعد اكتشافه أن
هناك طفلا بداخلها فقد عاد بالسيارة إلى المكان الذي سرقها منه ليجد
الوالدين مذعورين فوبخهما على ترك طفلهما دون رقابة ثم هرب
وفي حادثة أخرى تمكن مراهق أميركي بمساعدة بعض أصدقائه من اختراق البريد
الإلكتروني الشخصي لمدير الاستخبارات المركزية الأميركية ” سي آي أيه ”
وقام بالكشف عن معلومات حساسة وجدها فيه وحينما سأله عن المقابل المادي
الذي يرغب لإعادة حسابه أكد له أنه يريد فقط أن تتوقف بلاده عن قتل
الأبرياء وأن يبعدوا أيديهم عن فلسطين
وفي عام 2018 أعاد لصوص للعازفة الفرنسية المعروفة أوفيلي جاير آلة ”
تشيلو ” فريدة من نوعها ولها لحن متميز جدا ومصنوعة في القرن الثامن
وتبلغ قيمتها 1.3 مليون يورو بعد سرقتها من منزلها في ضاحية باريس حيث
قالت انها ” تلقيت مكالمة من مجهول ذكر فيها أن الآلة الموسيقية موجود في
سيارة مركونة بالقرب من منزلها ”
ولا أريد أن أسترسل بسرد المزيد من هذه النماذج اللطيفة لأن الكلمات
معدودة ومحسوبة علي
وفي المقابل هنالك لصوص كبار وقطط سمان في لدينا سرقوا بلد بكامله ولقمة
عيش الشعب وقوت الفقراء والأرامل واليتامى وأكلوا الأخضر واليابس ولم
يعيدوا شيئا بل ويتباهون بما اغتصبوا ولازالوا يعتبرون انفسهم عنوان
للشرف والوطنية وهم يعيشون في قصور فخمة ويركبون السيارات الفارهة
ويرتدون البدلات الانيقة ويجلسون في مكاتب وثيرة ويعيشون حياة منعمة وفي
أي محاولة لوصول يد التحقيق والقضاء اليهم تسنفر عشائرهم بعصبية نتنة
لحمايتهم والهتاف بأسمائهم والمطالبة بمنحهم اوسمة الشجاعة والشرف بدلاً
من محاكمتهم والزج بهم في السجون
ايها الاحبة اللصوصية التي نعنيها هنا ليست فقط تجرئ طفل على قن دجاج
الجيران ليسرق منه بيضة وقد تجاوز مفهوم اللصوصية في الممارسة العملية
حرامية الشوارع والليل الى درجات مختلفة حيث اصبحت اللصوصية مدرسة لها
فروع ومناهج وأخطرها اليوم هي ” اللصوصية السياسية ” التي مارستها ولا
زالت تمارسها طبقة متنفذة ومقربة ومسنودة لم ترقب فينا إلاّ ولا ذمة
وذهبت بعيدا عن كل ما يخدم الوطن وأهله وما يطور حياتهم حين دمرا بشكل
منظم الاقتصاد الوطني وافتتحوا فروعا جديدة لمؤسسة الفساد التي استباحت
جيوب المواطنين بقوانين وأنظمة وسياسات فاشلة جدا كما هم أصحابها لا زلنا
نعاني من تبعاتها مرضا وجوعا وفقرا وتخلف حتى الساعة فهم السبب المباشر
في كل ما وصلنا اليه كما انهم المهندسون الذين خططوا المراحل كلها
لإيصالنا الى بر الضياع وشواطئ الدمار بزلاتهم الكبيرة والكثيرة التي
تجاوزت حجم ألقابهم وكراسيهم وشعاراتهم وهواجسهم
فعلى مر سنوات طويلة كانوا يضعون خططهم الترويجية لعرض الوطن وما فيه
للبيع وتسليع الولاء والانتماء وجر شعب بأكمله الى مجتمع الاستهلاك
المفرط ومنعهم من الإنتاجية الأساسية لأبسط سلعهم ناهيك عما اقترفت
أيديهم وأرجلهم القذرة من موبقات وكبائر ومؤامرات سياسية واقتصادية
واجتماعية واعلامية كاذبة لوت أعناق الحقائق وزرعت بذور الفرقة والتشكيك
بين مختلف أوساط المجتمع الاردني وها قد حل بنا شهر رمضان المبارك من
جديد وآلاف العائلات الأردنية تعض على الحديد وانياب الضيق والفاقة تنهش
قلوبهم واجسادهم المعتلة وهم لا يجدون قوت يومهم وستر عيالهم
هؤلاء هم لصوص بلادي غير الشرفاء وقطاع الطرق والإرهابيون الاقتصاديون
الصالحون لكل المراحل اصحاب سياسة الخصخصة ورهن الشعب والوطن لصندوق
النقد الدولي يتقلبون في العيش الرغيد بعدما سرقوا الفقراء ليمتعوا
أنفسهم و” الأرادنة البؤساء ” اصبحوا أشبه بالخراف يقودونها الى المسالخ
ويجب عليها ان تثغي لهم بطول العمر نراهم رأي العين سيماهم في وجوههم
وأيديهم من أثر( الفساد والسرقات والخيانات ) وملامحهم توحي بانهم باعوا
تراب الوطن ومكتسباته باخس الاثمان بعدما حولوه الى خردة وجبينهم يقطر
خسه ونذالة
هل تذكرون ايها الأحبة لصوص البادية الوسطى الذين قاموا بسرقة صناديق
الاقتراع والعبث بها بعدما أخرجوها الى مكان آمن ومن ثم أعادوها الى
مكانها ولكن في النهاية سرقوا واحدا منها ولم يرجع ابدا
من المعروف ان اللصوص لدينا دائما يرتدون أثواب ” حراس الشرف والفضيلة ”
ويدعون القيم والمثل والمواطنة الصالحة والحرص على دوام الولاء والانتماء
حتى وايديهم تمتد الى خزائن الوطن ومدخراته فهم لا يترددون في خيانته
وطعنه وتدنيس كرامته والمتاجرة به ونهب لحمه ومص دماءه بعدما وجدوا
أنفسهم في ” مأمن ” بعيداً عن المسائلة والمحاسبة ”
نقول لكل لصوص بلدنا الجريح غير الشرفاء بالطبع أنتم آثمون وتباً لكم ما
أنتنكم ولن تطهركم اموالكم المغصوبة وستزدانون عفونه وقبح ولن تنفعكم
الملاذات الامنة للمال الحرام وسياتي اليوم الذي يحاسبكم فيه الشعب
المكلوم مهما طال الزمن أو قصر واختم قولي بما قاله الفيلسوف الفرنسي
العظيم جان جاك روسو ( أعطني قليلا من الشرفاء وأنا أحطم لك جيشا من
اللصوص والمفسدين والخونة والعملاء ) وكل سرقة غير شريفة وانتم بخير
mahdimubarak@gmail.com