الرؤى الملكية في العهد الملكي الرابع //الدكتور عارف الجبور
=
تتعدد الرؤى الملكية السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه في كافة المجلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والتنموية لمواكبة المتغيرات ،وروح العصر والانفتاح على العالم الخارجي ومواكبة التطور العلمي والتقني والتكنولوجي ومسايرة روح العصر والثورة المعرفية ، ومن هنا يكمن اهتمام صاحب الجلالة بالتعليم والمعرفة وادخالها الى المدارس والجامعات والمراكز العلمية والبحثية ، والتدريب على المعرفة وتوطينها والبحث عنها وانتاجها وتطبيقها لمواجهة المشكلات التي تجابه المجتمع الاردني ، وهذا ينطلق من رؤية جلالته لتطوير والتحديث الشامل في كافة جوانب الحياة الأردنية في الريف والحضر والبادية ، حتى غدا الاردن قبلة الزائرين ومحط المستثمرين ومحج المتعلمين ورغبة الكثيرين في العيش به والاستقرار بفضل الامن والراحة والدعة والأمان . وسوف نسلط الضوء على الرؤى الملكية السامية لجلالة الملك في سعيه نحو الازدهار وتحقيق النهضة.
يؤكد صاحب الجلالة على أن الاردن تأسس على مبادئ الدفاع عن حقوق أمته العربية والإسلامية وقضاياها العادلة، وسيظل، بعون الله وتوفيقه، نموذجا في اعتداله وانفتاحه. وعلى الحكومات الاستمرار في تعميق علاقاتنا الإقليمية والدولية، والحفاظ والبناء عليها وتنميتها، وعمل كل ما يلزم من أجل تعزيز التضامن العربي من خلال اعتماد أعلى درجات التشاور، وتنسيق المواقف بما يلبي تطلعات أمتنا في الرفاه والازدهار والمستقبل الأفضل. وستبقى القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، وإيجاد حل عادل ودائم لهذه القضية المركزية أمر أساسي لأمن واستقرار المنطقة. ونحن ماضون في دعم أشقائنا الفلسطينيين، لاستعادة حقوقهم التاريخية والشرعية، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني. كما يجب أن يكون في مقدمة أولويات الحكومة الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والدفاع عنها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ومحاولات تهويد المدينة المقدسة وتهجير سكانها العرب، المسلمين والمسيحيين. تدريب وتشغيل الشباب وأعلن جلالته عن إطلاق برنامج استخدام مدنيين في القوات المسلحة الأردنية للعمل في قطاع الإنشاءات بهدف إعداد وتدريب قوى عاملة أردنية ذات مهارات وكفاءات عالية للحد من الفقر والبطالة، وتعزيز روح الانتماء الوطني والانضباط والالتزام لدى جميع المشاركين في المشروع . كما لوحظ عزوف العمالة المحلية عن هذا القطاع وسيطرة العمالة الوافدة عليه في الوقت الذي تدر بعض المهن الإنشائية دخولا مرتفعة على أصحابها مع نقص في المعروض منها في السوق، وهذه المهن والاختصاصات هي التي يركز عليها المشروع.. ويعتبر المشروع نموذجا حقيقيا للشراكة الوطنية بين القطاع العام والقوات المسلحة من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى، ويسهم في مأسسة عملية التدريب المهني لحل جزء من مشكلة البطالة من خلال ربط جميع برامجه التدريبية بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل . ومن منطلق سعي جلالة الملك عبدالله الثاني لتحقيق مبدأ “العدل أساس الحكم” تشكلت اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي ، التي عملت على تطويره وتحديثه وفق استراتيجية تطوير القضاء. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى تجاوز منعطفات تقليدية كانت تحول دون تمكنه من الانطلاق والدخول إلى عالم العصرنة والحداثة والإصلاح القانوني والقضائي الذي يريده جلالته، وسط قناعات ملكية أن “لا تنمية سياسية وإدارية وتعليمية واقتصادية من دون إصلاحات جذرية” تطاول جميع محاور عملية التقاضي التي من شأنها تكريس الأمن والاستقرار والشعور بالطمأنينة وتعزز المكاسب الاستثمارية في الدولة. مثل هذه الإصلاحات كان لها أبعادها الدولية، خصوصا أن سمعة أي دولة ومدى تقدمها أو تراجعها هو انعكاس لمدى التزام الجهاز القضائي بمراقبة تطبيق الأنظمة والقوانين وتأكيد سيادتها انسجاما مع رؤية دولة المؤسسات وسيادة القانون وتطبيقا لمبادىء العدالة والمساواة والشفافية وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، ليحتل الأردن المرتبة 23 بين 102 دولة في العالم من حيث استقلالية جهازه القضائي، وفقا لتقرير التنافسية العالمية عام 2005. و إرادة جلالة الملك السياسية وجديتها في إحداث الإصلاح القضائي، دفع الأطراف المعنية بالقضاء، خصوصا وزارة العدل والمجلس القضائي، إلى تطوير أدوات العمل وأساليبه بصورة نوعية تنسجم والتطلعات الملكية في التعامل مع الملف القضائي وصولا لعدالة ناجزة وسريعة، وسط إدراك وقناعة تامة لدى تلك الأطراف بألاّ رجعة عن الإصلاح والتغيير والتحديث في هذا الجهاز أسوة ببقية أجهزة الدولة ومؤسساتها وقطاعاتها وبحلول نهاية عام 2008، تمَّ إصلاح وتعديل العديد من القوانين، وإيجاد نظام جديد للتفتيش لضمان تقيّد القضاة بقواعد الممارسة والإجراءات، كما تم الوصل بواسطة أنظمة الكمبيوتر بين المحاكم الجزائية ومكاتب الإدّعاء الأربع والسبعين في المملكة وبين وزارة العدل. وستحمل السنوات القادمة بشائر المزيد من التقدّم، مع قيام نظام طموح جريء للإصلاح بتحديث البُنى التحتية المادية لنظام المحاكم والطاقة التنظيمية لأعضائه . وربما كانت أهم شهادة على نجاح الإصلاحات التي قام بها في هذا المجال تلك الثقة العامة المتجدّدة في نزاهة وعدالة وكفاءة النظام القضائي. ووفقاً لدراسة حديثة قام بها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فإن 74 في المائة من الأردنيين يثقون في النظام القضائي ويرون أن الجهود المبذولة لتحسينه ناجحة. إن خبرة بلدنا في الإصلاح القضائي غدت نموذجاً إقليمياً يُحتذى للحاكمية الرشيدة. والمنظمات الدولية تنظر إلى الإصلاح القضائي لدينا باعتباره قصة نجاح، وقد عملت بعض الوكالات مثل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي على نقل تجربة الأردن في الإصلاح القضائي إلى بلدان عربية أخرى.ويؤكد جلالته علينا أن نضع نصب أعيننا حقيقة أن الديمقراطية في جوهرها لا تعني أنه يوجد رابح أو خاسر، كما لا يوجد أجوبة صحيحة بالمطلق. فقوتنا تكمن في قدرتنا على التعامل مع المتغيرات من حولنا، ولقد كان شعبنا على امتداد تاريخنا مثالاً في إثبات القدرة على التعامل مع الظروف المستجدة من حوله. وكونوا على ثقة بأننا جميعاً سنربح مع استمرارنا في التواصل والمضي إلى الأمام على مسار الإصلاح والتنمية الشاملة، مع ضرورة أن يكون الجميع شركاء في بذل التضحيات وحصد المكاسب ، ويؤكد جلالته على اهمية إدامة الحوار البناء لبناء الوطن في كافة الصعد.
كما وتنطلق الرؤى الملكية بدعوة المواطنين والمواطنات من أبناء وبنات شعبنا العزيز لتبني المبادئ والممارسات الديمقراطية التي عرضتها للتو، فهي تشكل اجتهادا لترسيخ سلوكيات المواطنة الصالحة، المؤمنة بالديمقراطية نهج حياة. وأحث الجميع على استثمار هذه الفرصة التاريخية لممارسة حقوقهم ومسؤولياتهم، خصوصاً في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة التي كرست مكانة الشعب شريكاً حقيقياً في صناعة القرار، وأن يتحملوا واجباتهم الوطنية بانتخاب مجلس نواب كفء قادر على خدمة الصالح العام وضمان مستقبل أفضل لأردننا الحبيب. وبين جلالته أهمية التركيز على العملية التربوية أولوية ،و يجب توفير كل الإمكانات اللازمة لخدمتها، من خلال تطوير المناهج، وتحسين البيئة المدرسية، والعناية بالمعلمين الذين يشكلون محور العملية التربوية. ويجب أيضاً إجراء مراجعة شاملة لإدارة عملية التعليم العالي والجامعي، لضمان عودة جامعاتنا منارات علم وإبداع واسعة الرحاب الفكرية، تبني الهوية الوطنية، وتصقل شخصيات الشباب على قيم الانفتاح والتعددية والتفكير النقدي الخلاق، وتنهي ظاهرة العنف التي أخذت تتمدد في أوساطها. ويجب في هذا السياق تبني السياسات التي تزيل مشاعر الإحباط المنتشرة بين جيل الشباب، نتيجة شعورهم بغياب المساواة في الفرص وانتشار الواسطة والمحسوبية. أما برامجنا الاقتصادية المستهدفة توفير أفضل سبل العيش لمواطنينا، عبر زيادة إنتاجية الاقتصاد الوطني، وضمان نموه، ورفع تنافسيته، وتعظيم قدرته على جذب الاستثمار، وإيجاد فرص العمل، فأنت تدركها جيداً. وعليكم الاستمرار في العمل في إطار النهج الاقتصادي الإصلاحي، عبر البرامج والخطط التي تضمن أفضل أداء ممكن لاقتصادنا الوطني وتبني الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، وتحقق التوزيع العادل لمكتسبات التنمية، وتوسع الطبقة الوسطى، وتحمي الشرائح الفقيرة. ولا بد هنا من التأكيد على ضرورة تقوية البنية المؤسسية اللازمة لمحاربة كل أشكال الفساد، واتخاذ أقصى الإجراءات القانونية بحق من يثبت تورطه فيه. إن أمن الأردن واستقراره نعمة لا تنمية ولا إنجاز ولا تقدم من دونها. وإن الحفاظ على هذه النعمة مسؤولية لا تهاون فيها، ويجب على الجميع حمايتها من خلال العدالة الاجتماعية التي تصون كرامة جميع الأردنيين، ومن خلال سيادة القانون على الجميع، وعبر تماسكنا المجتمعي ووحدتنا الوطنية، التي ستظل صخرة تتكسر عليها كل محاولات العابثين والمفسدين. وفي هذا السياق لا بد من الاستمرار في دعم السلطة القضائية، وتوفير كل ما هو متاح من إمكانيات لتطوير أدائها. وإن قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية هي سياج الوطن وحامي مسيرته وأمنه وديمقراطيته. وستبقى كما كانت دوما محط رعايتنا واهتمامنا. وعلى الحكومة أن تستمر في تقديم كل ما تحتاجه من دعم وأن تبذل كل جهد ممكن لتلبية متطلبات العيش الكريم لمنتسبيها من نشامى الوطن.. وتنطلق الرؤى الملكية حيث يؤكد جلالته دوما أن على الدول العربية العمل لضمان وحدة وعروبة العراق، وعلى دعم الشعب العراقي وقياداته السياسية، لإحباط كل المخططات الهادفة إلى النيل من وحدتهم وعيشهم المشترك وسيادة بلدهم، ورفض أية مشاريع تهدد وحدة الأراضي العراقية، وأن العراقيين أنفسهم هم الأقدر على صياغة مستقبلهم. وفي مجالات أخرى، حافظ جلالة الملك على انفتاح الأردن نحو جيرانه وأصدقائه، وتصدر الدعوة إلى ضرورة الوقوف بحزم، وبصورة حاسمة، في وجه التطرف والإرهاب. ووقع الأردن، منذ عام 1999م، سبع معاهدات للتصدي للإرهاب الدولي، إضافة إلى ذلك يقوم الأردن بدور مهم في حل النزاعات على المستوى الدولي، ويشارك بنشاط في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ففي كل عام ينضم مئات العسكريين الأردنيين إلى القوات الدولية للقيام بالمهمات الموكولة لها في حفظ السلام في البقاع المضطربة، وفي الاستجابة لدعوات معالجة الأزمات الإنسانية، وفي توفير المساعدات الطارئة لدى حدوث الكوارث الطبيعية . . وأولى جلالة الملك عبدالله الثاني تعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة وحمايتهما جلّ عنايته. ولتحقيق رؤية جلالته في هذا المجال أمر في عام 2000 بتشكيل هيئة ملكية تعمل على تعزيز حالة حقوق الإنسان في الأردن. وتأسس المركز الوطني لحقوق الإنسان عام 2002، بموجب قانون، ليعمل على تحقيق الرؤية الملكية لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة في الأردن وتعزيزهما ارتكازا على رسالة الإسلام السمحة وما تضمنه التراث العربي والإسلامي من قيم، وما نص عليه الدستور من حقوق، وما أكدته العهود والمواثيق الدولية من مبادىء.. وتضمنت استراتيجية المركز العمل على تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة ضمن محاور، أبرزها: التربية والتعليم لإدماج مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج التعليمية. وتعزيز العدالة وتطوير التشريعات لحماية حقوق الإنسان المكفولة بموجب التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية. وتوفير الدعم والحماية للفئات الاكثر عُرضة للانتهاكات لتمكينهم من ممارسة حقوقهم الأساسية، وتعزيز مرتكزات التنمية السياسية والديمقراطية لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار ومراقبة تنفيذه، وتكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتعزيز قدرة المواطنين على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا للمعايير الدولية . *اكاديمية الامير حسين للحماية المدنية / لواء الموقر
التعليقات مغلقة.