“طعمة الموسم”.. عادات الخير تتوارثها الأجيال لتعزز قيم التكافل والعونة
“طعمة موسم”، تلك العادة الاجتماعية الطيبة والتي ترسخ مفهوم التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، حيث تتوارثها الأجيال، وتناقلتها العائلات على اختلاف مناطق تواجدها، وغالبا ما تنشط في مواسم الزيت والزيتون والعنب.
فمع بدء هطول أمطار الخير التي ترتبط بحلول موسم قطاف الزيتون، بادرت أسر تمتلك مزارع لهذه الشجرة المباركة، بإهداء “طعمة” للجيران والأهل والأصدقاء من رصيع الزيتون وعصير الزيت.
فنرى مرطبانات الزيت والزيتون والمقدوس وغيره من المخللات تتصدر الأرفف في المطبخ، وتكون هذه طعمات من الأهل والأصدقاء والجيران، لتشكل مفهوما حقيقيا للتكافل الاجتماعي.
تشكيلة متنوعة تزين أرفف مطبخ عائلة أم ياسين، التي تلقت عددا من مرطبانات الزيتون المخلل بنوعيه الأسود والأخضر، ليحمل كل منها نكهة وطعما مميزا وتوليفة مختلفة من الفلفل والليمون.
ليست المرة الأولى التي تستقبل بها أم ياسين مرطبانات الزيتون، حيث اعتادت في كل موسم للزيتون والزيت أن تستقبل “طعمة الموسم من الحبايب”، وفق قولها حتى أنها لم تضطر في إحدى سنوات من شراء مخلل الزيتون.
وتوافقها الرأي أم عبدالله التي تصف طعمة الجيران، بأنها أجمل الهدايا الموسمية التي تصلها إلى المنزل.
وتقول أم عبدالله، “طوال فترة الصيف ونحن نستقبل هدايا من العنب والتين والخبيصة والزبيب وغيرها الكثير مما تجود به الأرض ويتذكرنا بهالأقارب والجيران”، وتلفت إلى أنها في كثير من المواسم لا تضطر لشراء كثير من الأصناف التي يهديها إياها الجيران.
وتضيف، مازال التاريخ يعيد ذاته، مستذكرة أيام طفولتها عند ارسال “الطعمة” لبيت عائلتها، وكأن كل عائلة لها نصيب وحصة في ما يملكه الجيران والأقارب من أصحاب الأراضي والمزارع.
ليس موسم الزيتون وحده الذي تكثر به “الطعمات” والمرطبانات الجوالة بين البيوت، كذلك المقدوس والسماق وحواجة المنسف والمربيات التي تقبل الأسر على تحضيرها في نهاية موسم الصيف، حيث يتزين المطبخ بالعديد من الأصناف الغذائية البلدية من خيرات البلاد بحسب ربة البيت فداء الطويل.
يتمتع المجتمع الاردني بحسب خبير التراث الأردني نايف النوايسه، بصفات وأخلاق عالية جدا، وهذه الأخلاق تكثر في المواسم سواء كانت زراعية أو متعلقة بالأغنام، وهي أيضا بنظام الفزعة والعونة الذي يتميز به هذا المجتمع.
ففي موسم حصاد القمح يقوم صاحب الحقل بعد جمع حبوبة بإعطاء من حوله من الاقارب والجيران من خيرات الارض بمسميات معروفة “مسمد الخليل”، وهذا يدل على مدى التدين بالمجتمع وعلاقته بالأرض الفلسطينية، وفق النوايسة.
وكذلك “المنوحة” أصحاب الأغنام الكثيرة يرون أن جيرانهم من حولهم بحاجة إلى مساعدة، ولا يريدون إحراجهم بالصدقة والحسنة وفق النوايسة، وإنما اهدائهم من الغنم للاستفادة من خيرها ولبنها ولحمها وصوفها، وأن يعيد هذه الشاه إلى صاحبها نهاية الموسم وبذلك يستطيع مشاركة الآخرين بنتاج الأغنام.
ويضيف، أما أصحاب المزروعات والمثمرة يتبادلون الثمار ويقدمون للفقراء منها ما استطاعوا سواء كان ثمرا أو مربيات.
ومن جهة أخرى يلفت النوايسة إلى أن ما كان يخرج ويتدلى من الأشجار خارج البستان، فيترك ما يتدلى منه سبيلا للمارين في الطرقات، ومثل هذه المواسم فرصة للتواصل بين الناس، وهي نوع من التواصل والتكافل الاجتماعي وهو يتم بوجوه كثيرة سواء من خلال الطبخ والتي تكثر في البيوت القروية والمحافظات ذات الابنية المتلاصقة، خصوصا في المناسبات العائلية الكبيرة.
ويوضح أسباب التكافل، حتى لا تترك عائلة فقيرة جائعة أو أرملة أو سيدة وحيدة، وإنما يتفقدها الجميع، وكذلك الأطفال الصغار الأيتام أو الفقراء، فكانوا يجدون من العناية والتكافل والاهتمام ما يكفي ويسد حاجتهم، مؤكدا أن المجتمع الذي يقوم على التكافل الاجتماعي لا يموت، والذي يتقيد بهذا النوع من التكافل والاهتمام.
خبير علم الأجتماع الدكتور حسين الخزاعي قال إنها من العادات النبيلة التي يتبعها أبناء المجتمع الاردني منذ سنوات طويلة، ولم تتلاش مع السنين، خصوصا لدى العائلات التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع الأقارب والجيران والمعارف وعلاقات العمل والنسب.
الجميل في هذه العادات وتبادل الطعمات فيما بين العائلات والتي ترتكز على الغذاء المرتبط بالمواسم، تقوي العلاقات بين الأسر وتخلق نوعا من الألفة فضلا عن المنفعة الاقتصادية التي قد تحققها للأسر التي لا تملك هذا الصنف الغذائي وفق الخزاعي.
ويضيف، كما تقرّب هذه العادة الناس من بعضهم البعض، وتقضي على الحسد والغيرة، وتدعم التآلف والمشاركة الاجتماعية في كل المناسبات.
الجميل في هدية المواسم حداثتها وتزامنها مع الموسم مثل، القمح والرمان والسماق والتمر والزيتون والمزروعات التي تشتهر مواسمها وفي بعض القرى يتبادل أصحاب المزارع خيرات أراضيهم التي لم يزرعها جاره أو قريبه. وفق الخزاعي
“أول قطفة”، “أول تلقيطة” دائما ما يحرص الناس على توزيعها على الجيران والأعزاء الذين يرغب صاحب الأرض بإطعامهم والناس الذين لا يملكون زراعة، وفق الخزاعي، وربما يهدون هذه الطعمات بأطباق من الحلويات التقليدية وآكلات موسمية في بعض الأحيان.
ويختم، أهم ما فيها بأنها ترسخ قواعد المحبة وتنقلها من الأجداد إلى الأحفاد، كما تبقي التواصل دائما بين الأسر، وفي كثير من الأحيان تكون عابرة للحدود في دول الخليج ومصر، هذا يؤكد قيمة الأرض وخيراتها التي هي سبب أيضا في توطيد العلاقات الاجتماعية وزرع المحبة بين الناس.
منى أبوحمور/ الغد
التعليقات مغلقة.