تطوير الخدمات في التحديث الإداري
د.عبدالله محمد القضاة
–
بقلم // د.عبدالله محمد القضاه
أحسن رئيس الوزراء د.بشر الخصاونة صنعا في إناطة ملف تحديث القطاع العام بنائب رئيس الوزراء ووزير دولة لتحديث القطاع العام، وهذا مؤشر على جدية الحكومة في المضي قدما في تحديث هذا القطاع الهام ، ومن محاور هذا التحديث تحسين الخدمات المقدمة للمواطن، على إعتبار أن تقديم الخدمات العامة بجودة عالية يعد واحدا من التحديات الداخلية التي تؤثر على الإبداع والإبتكارفي المؤسسات العامة.
تواجه أجهزة الإدارة العامة في جميع أنحاء العالم تحدي الاستجابة للعديد من ضغوط المواطنين في انجاح تقديم الخدمات العامة بصورة كافية وعادلة وبجودة عالية، بالاعتماد على موارد قليلة وقدرات تنفيذية محدودة، ونحن في الأردن؛ سعينا عبر الحكومات السابقة إلى تحسين نوعية الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين وتبسيط الاجراءات وأتمتتها وبالتالي محاربة الفساد والمحسوبية، غير أن مؤشرات الحوكمة العالمية حسب قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2020 ، تشيرإلى أنّه؛ بالرغم من تحسّن مرتبة الأردن في بعض المؤشرات إلا أن هناك تراجعا بمستوى جودة الخدمات العامة وفي مؤشر “السيطرة على الفساد” ومدى استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، وجاء أداء الأردن في مؤشر “تنمية الحكومة الإلكترونية” متوسطاً، حيث احتل الأردن المرتبة 117 من بين 193 دولة بدرجة بلغت 53.1/ 100 في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية عام 2020. هذه الحكومة؛ ومن خلال لجنة التحديث الإداري، تبنت مجموعة من الأهداف الخاصة بمحور الخدمات؛ ولعل أهمها” خدمات حكومية متكاملة ومترابطة تمتاز بسهولة الوصول إليها، وسرعة تنفيذها وسهولة إجراءاتها، ثقافة مؤسسية محورها خدمة المواطن وتجربته في الحصول على الخدمات، تعتمد على التدريب والتأهيل والمحاسبة والمساءلة والمكافاة والتحفيز، التحول الرقمي الكامل للخدمات الحكومية إدامة التحديث والتحسين المستمرين على مستوى الخدمات، ومن أهم الأهداف التي تضمنها محور الإجراءات والرقمنة ” هندسة إجراءات العمليات الحكومية لتبسيطها وترشيقها وأتمتة ما أمكن منها داخل المؤسسات وفيما بينها،تمكين الجهات الحكومية ذات الخدمات المشتركة القائمة لتوفير المرونة ورفع مستوى الجودة وتحسين رضا المتعاملين وتحقيق خفض التكلفة، رقمنة العمليات الحكومية لتعزيز عمل إدارة القطاع العام كوحدة واحدة تخدم المواطن بشمولية وتكاملية من النافذة المتاحة له، إضافة الى تحديد وتصميم خدمات حكومية مشتركة جديدة، تحقق قيمة لمتعامليها وتمتاز بالمرونة وتوحد الإجراءات وتقلل التكاليف. لا نختلف مع لجنة التحديث في تشخيص التحديات الرئيسة لمحور الخدمات المقدمة، وأتفق الى حد بعيد مع التوصيات التي وضعت كأهداف لمحوري الخدمات والإجراءات والرقمنة، غير أن المبادرات التي وضعت والحلول المقترحة لم تعالج الأسباب الجذرية في حال تطبيقها كونها إجرائية تعالج الأعراض ولا تعالج الأسباب لتراجع مستوى تقديم الخدمات المقدمة، ومن يعود لمبادرات برنامج اصلاح القطاع العام 2004-2009 يعرف ما الذي أقصده بالضبط. وبما أن الحكومة الحالية لجأت للحوار لسماع رأي الخبراء كإستجابة منها لأهم الملاحظات التي أوردوها على مخرجات اللجنة، ووافقت على توصية كنت قدمتها ضمن دراسة سابقة للمجلس الإقتصادي والإجتماعي ؛ بتسمية نائب رئيس وزراء وزير دولة لتحديث القطاع العام؛ كما هو معمول به في بريطانيا “ونأمل أن يبقى هذا الموقع على هيكل الحكومات بشكل دائم”، أقدم مختصرا لبرنامج عملي يرمي لتحقيق الأهداف الحكومية في تحسين مستوى جودة الخدمات وبالتالي تحقيق رضا متلقي هذه الخدمات: أولا: تبني إستراتيجية التطوير الذاتي لمؤسسات الدولة ، وبموجبها يتم إعادة تأهيل وبناء وحدات التطوير المؤسسي في هذه المؤسسات ورفدها بأفضل الكوادر البشرية المختصة ومنحها الصلاحيات الكافية بما يمكنها من احداث التطوير والتغيير المستجيب للأهداف الوطنية. ثانيا : تفعيل دور معهد الادارة العامة ليتولى تأهيل كافة العاملين بهذه الوحدات ضمن مسار تدريبي يتطلب من كل موظف اجتيازه لإستمرار عمله في هذه الوحدات وبشكل إلزامي، وتلتزم الحكومة بتقديم الدعم المالي الكافي للمعهد لإنجاز هذا المشروع الضخم . ثالثا : أن تلتزم وحدات التطوير المؤسسي في كافة مؤسسات الدولة بتقديم خطة تنفيذية بتحسين الخدمات المقدمة لتعتمد من ديوان الخدمة/ هيئة الخدمة والإدارة العامة لاحقا؛ ضمن مستهدفات قابلة للقياس واطر زمنية محددة وتتولى الهيئة متابعة تنفيذها بشكل دوري . رابعا: أن يكون مستوى الأداء المؤسسي، والذي من ضمن مؤشراته مستوى تقديم الخدمة ورضا متلقيها، الأساس في تقديم الحوافز الفردية ومنح فرص الترقية والتقدم الوظيفي للعاملين في هذه المؤسسات، بحيث يعطى الموظف ميزة نسبية في علامات الترقية الوظيفية والحوافز المادية والمعنوية. خامسا : الإسراع بدعم مركز الملك عبدالله الثاني للتميزماليا لتمكينه من مواصلة عمله بفاعلية لما لذلك من أثر في تعزيز ثقافة التميز وخلق الدافعية والتنافسية بين مؤسسات القطاع العام وموظفيها، وتوفير الدعم المالي للمجلس الإقتصادي والإجتماعي الذي يقوم بدور حيوي في تقديم افضل الدراسات والإستشارات النوعية للحكومة. سادسا: تشكيل لجنة وطنية لمراجعة مشروع الحكومة الإلكترونية والوقوف على الأسباب الحقيقية “الهيكلية والفنية” لعدم قدرة المشروع على تحقيق أهدافه بفاعلية رغم مرور أكثر من عقدين على إطلاقه والملايين التي تم هدرها بسببه، مع ضرورة مساءلة كل من ساهم بتعثر هذا المشروع، وضرورة عدم التسرع في الذهاب لأتمتة أي خدمة قبل التحقق من هندستها بشكل سليم. لا شك؛ أن هناك الكثير من الأفكار، لكننا نريد التدرج بعملية التحسين ؛ لخلق ثقافة مؤسسية داعمة لعملية التغيير المنشود، وهذا بالتأكيد يتطلب جهود حثيثة من الحكومة ، ونتطلع بتفائل لقيادة معالي نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة لتحديث القطاع العام؛ الذي لديه الخبرة الكافية والقدرة الأكيدة على إنجاح هذا التحديث المنشود والسعي لإستقطاب الكفاءات الوطنية .*امين عام وزارة تطوير القطاع العام / مدير عام معهد الإدارة العامة سابقا
abdqudah@gmail.com