السوق العتيق بجرش.. هل تنقذه الاستثمارات من تحوله لخرابة؟

جرش – حال نقص المخصصات المالية، ورفض تجار استثمار المحال والبيوت التراثية والتاريخية، في سوق جرش العتيق وسط المدينة، دون الاستفادة منه، رغم ما يمكن أن يشكله من إضافة للمنتج السياحي بجرش، في وقت حولت سنوات الإهمال، جانبا من “السوق” إلى مكب للنفايات وملتقى للعابثين مع بدء انهيار وتصدع أجزاء كبيرة منه.
وما يزال السوق العتيق خارج دائرة المشاريع السياحية لغاية الآن، رغم أن أهميته لا تقل عن المدينة الأثرية وباقي المواقع الأثرية في محافظة جرش.
وتحولت بيوت ومحال السوق التي تصنف أنها تراثية وتاريخية وتعود للعهد العثماني، ومنها بيوت ما تزال تستخدم وعمرها لا يقل عن 200 عام، إلى 3 فئات، منها بيوت مهجورة وتعرضت للانهيار والتصدع وتحولت إلى مكبات للنفايات وملجأ للعابثين، ومنها بيوت مؤجرة وأخرى ما يزال يقطنها ويعمل فيها أصحابها الأصليون الذين ورثوها عن أجدادهم.
ويدير التجار محالهم التجارية منذ عشرات السنين، وهي على حالها، وأغلبها مقاه ومحال أحذية ومفروشات وملابس، ومختلف المهن التي يعتاش منها المواطنون، وهم متمسكون فيها نظرا لانخفاض أجورها وموقعها الإستراتيجي مقارنة بالمحال التجارية الأخرى البعيدة عن الوسط التجاري، فضلا عن أن محال السوق العتيق قريبة من المدينة الأثرية ويسهل دمجها بالمسارات السياحية ومشروع ربط المدينة الأثرية بالحضرية في حال تم الموافقة على تنفيذ هذه المشاريع.
ويشغل 28 تاجرا في الوسط التجاري محال السوق العتيق ويمتهنون بيع الحرف المختلفة ونشاطات تجارية أخرى لا تتناسب والقيمة التاريخية للسوق، كبيع الأحذية والمفروشات والبقالات والمقاهي ومحال الملابس، لا سيما وأن هذه المحال، التي تعد الأقدم في محافظة جرش، يجب أن تختص ببيع القطع الأثرية والتحف ومستلزمات الزوار والسياح لمدينة جرش، فضلا عن ضرورة أن يكون السوق العتيق ممرا سياحيا مستقلا على الخريطة السياحية.
وأكد تجار أن المحال التي يعملون فيها قديمة وتاريخية، ومنها ما هي أثرية، بيد أنها غير مؤهلة ولم يشملها أي مشروع سياحي لتطويرها أو صيانتها، وأن بقاءها على هذا الوضع يهدد بانهيارها وتساقط حجارتها بسبب الظروف الجوية.
ووفق التاجر ممدوح الصباغ، الذي يدير محلا تجاريا منذ 50 عاما في سوق جرش العتيق، وكان ورثه عن والده، فإنهم موعودون كتجار بتطوير وصيانة وترميم السوق العتيق منذ أكثر من 40 عاما، ولغاية الآن لم يتحقق أي مشروع من المشاريع السياحية التي تهدف إلى إدخال الزوار إلى الوسط التجاري والسوق العتيق بشكل خاص، لا سيما وأن البيوث التراثية والخرب القديمة ومحال السوق العتيق أصبحت بأمس الحاجة إلى صيانة وترميم وتطوير وتحديث وأن يشملها أي مشروع سياحي يقوم على توحيد الآرمات وتنظيف واجهات المحال وتوحيد البوابات وحماية البيوث التراثية والخرب الأثرية من العبث والنفايات والعابثين.
وبين الصباغ أن السوق العتيق كان اسمه الحارة الشامية، وهو كذلك إحدى الحارات العثمانية التي شيدت العام 1870، وفق الكتب التاريخية، وهي مرتبطة بتاريخ المدينة الأثرية كذلك، ومنها ما أقيم على أنقاض بيوت، وخرب تراثية رومانية قديمة وذات أهمية تاريخية وأثرية، إلا أنها أصبحت مهددة بالانهيار والإزالة بين الحين والآخر بسبب الإهمال والظروف والعوامل الجوية.
وأضاف التاجر سامر طيجون، أن السوق العتيق من أجمل وأكبر المواقع الأثرية القريبة من المدينة الأثرية ويربط بينهما جسر روماني ضخم، وما يزال من دون أي مشروع سياحي استثماري لغاية الآن، رغم أهميته، فيما يقتصر استخدام السوق على محال تجارية بمهن مختلفة كبيع الأحذية والملابس والمفروشات والمستلزمات المدرسية، في حين يجب أن تأخذ محاله طابعا سياحيا، وهذا لا يمكن أن يتم من دون مشاريع سياحية تضمن دخول الزوار والسياح الى السوق.
وأوضح أن محال بالسوق، خاصة غير المشغولة، إضافة الى تحولها الى خرب ومكب للنفايات، تتعرض أيضاً للعبث بين الحين والآخر، كونها أثرية وتاريخية بحجة البحث عن الدفائن تحتها، ما يعرضها لخطر الانهيار.
إلى ذلك، قال الخبير والدليل السياحي وعضو مجلس محافظة جرش ورئيس لجنتها السياحية الدكتور يوسف زريقات، إن السوق العتيق من أهم المواقع الأثرية والتاريخية التي ترتبط بالمدينة الأثرية وغير مستثمر لغاية الآن، ويمكن أن يكون ممرا سياحيا مستقلا وكاملا وشاملا يتم من خلاله دمج المدينة الأثرية والحضرية، وهو ما يطلبة الجرشيون منذ عشرات السنين.
وأضاف، أن السوق لم يشمله لغاية الآن أي مشروع سياحي استثماري، ما يهدد ديمومته والحفاظ على مواصفاته الأثرية والتاريخية، خاصة وأنه مستخدم لغاية الآن من قبل التجار والمستأجرين وما يزال العمل فيه، وفي حال تم صيانته وتطويره سيكون ممرا سياحيا نشطا وداخل الوسط التجاري، ويمكن أن تتحول البيوث التراثية فيه إلى مراكز تدريب وتأهيل على صيانة وترميم الآثار والحرف والمهن الأثرية، ويمكن أن تكون محاله التجارية مراكز للسوق الحرفي التي تختص ببيع ما يحتاجه السائح في مدينة جرش.
وبدوره، قال رئيس قسم الإعلام والتواصل المجتمعي في بلدية جرش الكبرى هشام البنا، إن البلدية هي المسؤولة عن السوق العتيق وفيه 28 محلا تجاريا، ويقع داخل الوسط التجاري، ومن أقرب المواقع للمدينة الأثرية ويحتوي على بيوت تعود للعهد العثماني وأصغر بيت فيه لا يقل عمره عن 200 عام، وقد صنفت أنها مبان تراثية، إلا أنها ما تزال مملوكة لمواطنين، واستثمارها يحتاج بالضرورة إلى استملاكها.
ويعتقد أن استملاك هذه المباني وعددها 28 مبنى، يحتاج كذلك إلى مبالغ طائلة، لا سيما وأن التجار يرفضون تحويل مهنهم إلى مهن سياحية، كون السياح لا يدخلون الوسط التجاري، وفي حال قاموا بتغيير صفة استعمال محالهم التجارية سيتعرضون لخسائر فادحة.
وبين أن الاستثمار في السوق العتيق متوقف لحين توفر المخصصات المالية من المنح أو الموازنة، ومرتبط بموافقة أصحاب هذه الملكيات على استثمارها وترميمها وصيانتها وتحويل صفة استعمالها إلى سياحية.
وأضاف البنا، أن بلدية جرش تبذل قصارى جهدها حتى تحصل على منحة من وزارة السياحة على مشروع تطوير أواسط المدن، الذي يهدف إلى تطوير الأسواق القديمة والتراثية والأثرية وصيانتها وشمولها بمشاريع سياحية ضخمة، ومدينة جرش تستحق هذا المشروع لما تتميز به من بيوت تراثية وسوق عتيق كامل متكامل وخرب قديمة أثرية لا تقل أهميتها عن أهمية المدينة الأثرية، خاصة بعد خسارة البلدية مشروع الوكالة الفرنسية للإنماء الذي كان يشمل صيانة وتطوير السوق العتيق.
وأضاف البنا، في حديث خاص لـ”الغد”، أن مدينة جرش فيها سوق عتيق كامل بمختلف عناصره، وذكره مستشرق ورحالة الماني في مذكراته العام 1806، وهو مقام على أنقاض خرب وبيوت تراثية رومانية وبيزنطية وله ميزات تاريخية وأثرية لا تقل أهمية عن باقي المواقع الأثرية في مدينة جرش وفيه 3 بيوت تراثية أحدها كان بيت رواق جرش، وآخر يستخدم حاليا مقرا لنادي الفيحاء الرياضي، وبيت آخر مقام على الطريقة الشامية القديمة، وفيه ميزات تاريخية وهندسية فريدة من نوعها، وهو بيت أبو عبادة عقدة، وسيتم التفاوض مع أصحاب هذه البيوت ودمجها بالمشروع والاستفادة منها كونها تتميز بأنها ملاصقة لبعضها بعضا في الموقع نفسه ويمكن الاستفادة من هذه الميزة.
وبين البنا، أن البلدية نفذت مشروع الإنارة في السوق العتيق بطريقة فنية وهندسية، وهي إنارة معلقة في الهواء وعلى جسور وتتناسب مع عمر السوق وتاريخه والصفة التي سيتم استخدامه فيها، وهو جزء من مشروع صيانة وتطوير السوق العتيق ودمج السوق بمشروع السياحة الأول الذي تم فيه تجديد بلاط السوق وتوحيد الآرمات وتوحيد الواجهات، إلا أن البيوت ما تزال بحاجة الى صيانة وترميم داخلي واستثمار سياحي ووضعها على خريطة السياحة.

صابرين الطعيمات/  الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة