مسؤوليتة الحكومة ووعودها،ونظرية “سائق الكوستر” // نايف المصاروه.
جاء في نصوص الدستور، بما معناه ان الحكومة بكل أجهزتها الرسمية، هي التي تتولى إدارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية، وتقسم على ذلك.
ومن منطلق ذلك القسم المغلظ، ومفهوم الأمانة،وبنص الدستور أيضا ، فإنها أي الحكومة مسؤولة عن ذلك في الدنيا ومحاسبة عليه أمام مجلس النواب، كما إنها ستحاسب على ذلك الأداء والتقصير يوم القيامة، ذلك بنص الدستور الإلهي {سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسۡـَٔلُونَ}، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
الكثير من وقائع التقصير وحالات الفشل و تشتيت العمل والأداء الحكومي ، يذكرني بحالة الشركاء المتشاكسون، أو بأداء بعض الاعبين في المجال الرياضي، في ميادين اللعب ككرة القدم، أو السلة او الطائرة.
فعندما تسود الأنانية ويظهر حب الأنا والذات ، تذهب روح الفريق الواحد،وتضيع المصلحة العامة، ويصبح التغريد خارج السرب ،إما طمعا في الشهرة، أو حرصا على تشتيت الأداء، وبعثرة الجهود وعلى مشكاة ” يا لعيب يا خريب” .
أمزجة وسلوكيات توجب التبديل والتعديل، تماما وكما هو واقع حكومتنا ،فخلال عامين فقط.. اجرت او اجري عليها ستة تعديلات وزارية ، تكرر دخول معاليه، أو يقوم حظ عطوفته أو سعادته، ليخرج بعد عدة أشهر بإمتيازات المعالي، وعلى أرض الواقع ، ما هي النتائج والانجازات؟
لا أنكر ان هناك جهود بذلت وتبذل ولكنها.. كدبيب النمل ، ولا ترتقي ليقال عنها إنجازات حكومة تمثل وطن ، أو يستحقها المواطن!
وعود بتغيير الحال إلى الأفضل، والخروج من عنق الزجاجة، وبعصر ذهبي، وغيرها.. والواقع تسويف ومماطلة في الأداء والتنفيذ ، وإضاعة للوقت، وهدر للمال العام على مشاريع كبرى طرحت ثم فشلت أو أفشلت… آخرها الصخر الزيتي ، أو كتلك التي تطرح من جديد… كالمدينة الجديدة.. ،نحب ان نرى ذلك ونشجع عليه لو كنا في يسر وسعة إقتصادية.
ولكن ليس في ظل عجز متكرر في الموازنة العامة، وإرتفاع نسبة الدين العام ، وإرتفاع نسب البطالة والطلاق والجريمة، والفساد الإداري والمالي والإعتداء المتكرر على المال العام.
يا صناع قرارنا.. صبرك على حالك ولا صبر الدائنين عليك!
اتحدث إلى…. وعن حكومة تدير الشأن العام، في ظل ضرف دولي وإقليمي مستعر بالصراعات والتحالفات.
وأسأل… أين هي خلية النحل، والفريق الإقتصادي ، وغيرها من المسميات، التي نسمع عنها ولا نرى لها أثرا؟
وعود ووصفات المسكنات التي تنتهجها الحكومة ، يذكرني أيضا بحالة يتبعها بعض سائقي وسائط النقل العام، في اوقات الظهيرة أو ما بعد الذروة .
اولا ينادي المنادي.. ” راكبين وماشيين” ،وعندما تصعد تتفاجئ ان المقاعد خالية من الركاب ، وعندما يبدأ الركاب بالتململ والتأفف، يقوم سائق الحافلة ” الكوستر”، بالتشغيل ويكرر الضغط على دواسة الديزل،ثم يبدأ بتحريك الحافلة إلى الأمام قليلا، وبمسافة لا تتجاوز النصف متر، لأجل ان يشعر الركاب ويخيل إليهم ان الحال تغير، وأن حالة المسير قد بدأت، لكن يتفاجئوا…بعد لحظات أنهم لا يزالون في مكانهم، ويستمر الدجل براكبين وماشيين، والدعس على دواسة الوقود والحال مكانك.. خطوة تنظيم.
كل ذلك.. والعالم من حولنا يسير بخطى حثيثة نحو النمو الحقيقي والتنمية المستدامة.
فالعمر الزمني مثلا… لثورة الصناعة والاقتصاد في الصين، لا يتجاوز ال70 عاما، ومثلها أو أقل منها بقليل سنغافورة، التي تعتبر ثالث أغنى دولة في العالم، وتقدر تجارتها الخارجية بنحو تريليون دولار (مقارنة ب7.3 مليار دولار فقط في 1960، وهي رابع أهم مركز مالي في العالم.
وهي أكثر دولة في العالم يوجد فيها رؤوس الأموال من أصحاب الملايين والميارات، بالنسبة لعدد السكان (1 في كل 5 أفراد مليونير.
ومعدل البطالة فيها %1.5، مقارنة ب%13 عام 1960،
ونصيب الفرد من الناتج القومي 72 ألف دولار سنويًا، مقارنة ب1,240 دولار عام 1960.
في سنغافوره.. أغلى فندق في العالم ، أسمه Marina Bay Sands ، يحتوي على 2600 غرفة ومكون من 55 طابق، وسعره يساوي 8.8 مليار دولار.
وغير ذلك كثير، وهذا تم تحقيقه في 40 عام فقط، وبدون أي موارد طبيعية تقريبًا، غير بعض المطاط الطبيعي!.
ونحن ماذا فعلنا في اربعين سنة؟
سادتنا///.. لا نريد كثرة المسميات، فقد مللناها… ،نريد أعمالا وإنجازات حقيقية نراها ونلمس اثرها.
لأن من يعيشون تحت وقع البرد وقصف الجوع، لا يهتمون بصورة العصفور على الدينار او غيره، بقدر ما يهتمون ان يكون في بيوتهم خبز أو وسائل تدفئة.
والله.. إنه لشيء محزن ومبكي، ان تذهب كل الحركه والتاريخ والتراث بجرة قلم، ليحل محلها صورة لعصفور!
والسؤال.. هل القيمة المعنوية للعصفور أو الطائر الوردي، أغلى وأجمل من تلك الصور التي كانت، والتي تعني التحرر والحرية والإنعتاق؟
ختاما.. لكل صانع قرار.. للحكومة صاحبة الولاية والتي أقسمت على حمل الأمانة، ورعاية مصالح الأمة، وللسادة نواب الأمة… إن كثرة الإجتماعات العلنية منها والسرية، وكثرة التصريحات والخطابات والبيانات والتلميحات، إن لم يرافقها عمل وإنجاز حقيقي، هي دجل مكشوف، لم يعد ينطلي على الجياع، في زمن الوعي وانفتاح الفضاء، وتطور شبكات الاتصال.
بمعنى اكثر وضوحا… لم يعد هناك أي مجال للثرثرة وكثرة الأقوال ” وسوالف” العصف التي نسمعها، وقد عصفت بنا إلى واقع الفقر في أغلب مناحي حياتنا، وأن المطلوب عمل وإنجاز حقيقي،لا تمثيلي ولا صوري، فالصور لا تطعم جائعا ولا تسد الدين العام، ولا توصلنا إلى الرضى والرخاء المطلوب.
كاتب وباحث أردني.
التعليقات مغلقة.