الكُتّاب الساخرون / د. حفظي اشتية

بضعة مبدعين في جرائدنا الرسمية، ومواقعنا الإخبارية تطل علينا كلماتهم كضحكة طفل شَرِق بالدموع يسرقوننا من أنفسنا، فيمضي أحدنا وراء أقلامهم ونبضات قلوبهم تابعاً مفتوناً، يفتحون آفاق فكرنا على أوجاع الوطن، وهمومه، ومشكلاته المستعصية. يصفون الدواء بسخرية مريرة موجعة، ويضعون أصابعهم على مزالق الخلل ومهاوي التردي والوهن، وتلسعنا حرارة الصدق في عباراتهم، فنتشرّب حبهم لوطنهم، ونؤمن بهم، ونتدبّر أقوالهم، ونترقب مقالاتهم، يشحنون عواطفنا بالشجن وخالص الانتماء للوطن، ويعمرون قلوبنا بالإيمان به، والإخلاص له، والدفاع عنه، وعلاجه من كل العلل، والنهوض به ليأخذ مكانه المرموق المستحَقّ.

مثل هؤلاء يستحقون منا جميعاً أن نشدّ على أيديهم، وأن نوسّع أمامهم أمداء الفضاء، لا نطامن لأقلامهم سقفاً، ولا ننكّس لمدادهم راية، ولا نغلق في وجوههم باباً، ولا نحجب عنهم معلومة طالما تيقنّا أنّ أهدافهم نبيلة، وسِيَرهم نقيّة، وأجنداتهم وطنية سوية. إنهم مرآتنا الصقيلة في ملامحهم، ولهجاتهم، وتواضع أحوالهم، وضيق ذوات أيديهم، وبوابات منازلهم، وسحنات أطفالهم، وآلامهم وآمالهم، وبيوتهم العتيقة، وقبور آبائهم…. يشبهوننا ونشبههم في كلّ شيء، نرى أنفسنا فيهم، نضحك معهم، نبكي لبكائهم، يرسمون أمام نواظرنا خريطة الوطن الواقعية الحية، ولُحمته القوية الحقيقية:

هذا ممّن عبروا النهر شرقاً، شريداً طريداً، فوجد الأخ النصير يلوذ بحماه، ويتقاسم معه لقمته الشحيحة، وذاك من أم الكنائس قد تشرّب عذابات السيد المسيح عليه السلام، وذاق حرقة الفقر والفاقة، وثالث نَبَتَ زهرة أقحوان عذبة المبسم والميسم في سهول حوران، يتجدّد ربيعها كلّ إشراقة شمس على وقع سنابك خيول بني أمية تنفذ من أقطار الأرض، وتعبر دنيا العالم القديم لتعيد إصداره بطبعة يعربية أبدية، ورابع وخامس……

ألا مَن يترك هذه البلابل وشأنها!!!  ويفسح لها الدوح للبوح بالشدو أو بالنوح؛ فعلى تغاريدها نلتقي ونتوحّد، وبهدي تراتيلها نرتقي ونتجدّد.

الأمم العظيمة الواثقة بنفسها تحضن الأقلام الشريفة، وتطلق لها كلّ عنان، وتدرك يقيناً أنها تستمدّ مدادها من قلوب نظيفة ما لاثتْها أحقاد ولا استوطنتها سخائم، ولا شوّهتها مآرب شخصية، فبوصلتها صائبة دوماً؛ لأن مؤشرها اليقظ النشط الصادق لا يتجه يوماً إلّا صوب الوطن.

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة