“السلطة التقديرية” بالتعيين.. سيادة القانون على المحك
سيظل التعيين “استثناء”، محل جدل، وما التراشق الأخير في قصة تعيين “ابن نائب” إلا انعكاسا لهذا الجدل، ومثيرا لتساؤل حول سلطة ديوان الخدمة المدنية، التي يؤكد خبراء في تطوير القطاع العام، أن نظام الخدمة المدنية “يُعطي سلطة تقديرية واسعة لأصحاب قرار بالتعيين، من خلال استثناءات تتعارض مع سيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص”.
مدعاة هذا النقاش، يجد أسبابه في وقت صدرت فيه خريطة طريق لتطوير القطاع العام، التي وتحت بند مبرراتها، أكدت أن المؤشرات الدولية كشفت عن أن تحديات كفاءة القطاع العام وفعاليته، تشير إلى ضعف أداء الأردن في هذا المجال.
وبينت الخريطة التي استندت إلى قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2020، وتحت بند مؤشر الحوكمة العالمية، أنّ “ثقة المواطن بالحكومة” ما تزال متواضعة. كما أن الانطباعات حول جودة الحوكمة في الأردن لم تتحسن فعليا، كما تراجعت “فعالية الحكومة”، مقارنة بجودة الخدمات العامة والخدمات المدنية ودرجة استقلالها عن الضغوطات السياسية (الواسطة)، وتراجعت أيضا مرتبة الأردن في مؤشر “السيطرة على الفساد”، ومدى استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة.
في هذا الصدد، يؤكد خبراء القطاع العام، أن الاستثناءات في عملية التعيين، تصدر إما لحالات إنسانية أو لأسباب أخرى، لكن “لا أحد يعلم آلية تحديدها”، موضحين بأن مثل هذه الاستثناءات “تؤشر على غياب الرقابة الإدارية الفاعلة على قرارات التوظيف؛ وبالتالي ضياع الحقوق في الحصول على فرص عادلة في الوظائف العادية، ومنها وظائف (العقود الشاملة) التي توزع كـ”هدايا برواتب خيالية لأبناء فئات مُعينة”.
ولهذا، يشدد الخبراء على ضرورة إلغاء كل الاستثناءات، إذا ما أردنا الاقتراب من سيادة العدالة، مشيرين إلى شكل من مواطن الخلل المتمثل في تعديل نظام الخدمة المدنية باستمرار، والذي يرى الخبراء، أنه “بغية مواكبة حالات التدخلات الحكومية، والمجالس التشريعية، وكبار موظفي الدولة، الأمر الذي يعتبر مصدر خلل في بُنية الإدارة العامة للدولة، ومصدر رفض شعبي، وبالتالي أساسا لزرع عدم الثقة.
رئيس ديوان الخدمة السابق الدكتور هيثم حجازي، بين أن التعيين عادة، يجري عن طريق الديوان، أكان تقليديا أو على الحالات الإنسانية ولا يحتاج لأي موافقة أو استثناء من مجلس الوزراء.
وأضاف حجازي، في إشارة لقصة تعيين ابن أحد النواب، والتي أثارت لغطا واسعا في الأيام الماضية، أن هذه الحالة، ووفق المعطيات، تشير الى ان المترشح (ابن النائب) كان قد امتنع أو استنكف عن تقديم الامتحان التنافسي، ثم عاد وتقدم بطلب للتعيين على الحالات الإنسانية.
وفي مثل هذه الحالة، يجب عليه العودة للانتظار في صفوف المتقدمين، لكن يبدو بأن هناك رغبة في تعيينه واستثنائه من الدور، فطلب من الديوان، بيان الرأي حتى ولو شكليا.
وقال إن رد الديوان، كان خجولا، وأمام رغبة الحكومة بتعيينه اتخذ قرار باستثنائه من انتظار دوره، لافتا الى ان المسؤولية هنا، تقع على عاتق الحكومة أولا، اكثر مما تقع على عاتق الذي كان يتوجب عليه الإشارة بصراحة ووضوح، إلا أن هذا الأمر مخالف للتعليمات كما حدث في مرات سابقة.
واضاف حجازي، أما وقد صدر قرار استثنائه بالتعيين، فهناك خياران: إما إلغاء القرار، أو اللجوء للمحكمة الإدارية لإلغائه، أما الاستمرار باعتماد الاستثناء وتنفيذه، فيشكل وجها من فقدان الثقة بين المواطن والحكومة.
مدير عام معهد الإدارة العامة السابق الدكتور راضي العتوم، أكد انه استنادا على الدستور، فإن المواطنين سواء، أي أن أي استثناء يعني تجاوز القواعد الدستورية، وتجاوز على المبادئ الإدارية لقيام الحُكم الرشيد وإيصال الحقوق لأصحابها، وللأسف، درجت الكثير من التجاوزات بتوسيع أطر الاستثناءات في كثير من مناحي الاختيارات والقرارات.
وأشار العتوم، إلى استثناءات قبول الجامعات، ومنح ذوي عاملين في الأجهزة المختلفة ميزات بالتعيين، أو القبول الجامعي أو الوظيفي، وأخيرا التشريع بنظام الخدمة المدنية للحالات الإنسانية.
واضاف، ان تلك الاستثناءات، فتحت الكثير من أبواب عدم العدالة، والتضييق على الفئات الأخرى غير المنتفعة من حالات الاستثناء تلك، مبينا أن الواقع العادل، وكما في الدول الديمقراطية العادلة التي تحترم حقوق مواطنيها، يفترض إلغاء كل أبواب الاستثناءات، إذا كنا نحاول الاقتراب من سيادة العدالة في وطننا.
وبين أن الحالة التي نواجهها حاليا (حالة ابن النائب)، هي واحدة من مئات حالات الاستثناء والتجاوز على حقوق المواطنين الذين لا بواكي لهم؛ أي لا واسطات لهم للأسف، إذ يجري تعديل نظام الخدمة المدنية باستمرار، لمسايرة التدخلات الحكومية، والمجالس التشريعية، وكبار موظفي الدولة العميقة وغيرهم من الجهات.
ولفت إلى أن كل ذلك، يعتبر مصدر خلل في بُنية الإدارة العامة للدولة، ومصدر رفض شعبي، يوسع الفجوة بين الشعب والحكومة وكذلك بين الشعب ومجلس النواب، ويتسبب بعدم الثقة بين المواطن والحكومة.
وقال العتوم إن الحالات الإنسانية للتعيين، تأتي كمنفذ يجري استغلاله من قوى وأطراف ظاهرة ومستترة، تجسّد عدم العدالة والتمييز، مع أن الظاهر هو التمييز الإيجابي، لكن الاستغلال أصبح المؤشر الواضح على السلوك الاداري لكثير من القيادات، ولمن هم حول السلطة وأصحاب القرار فيها.
وبحسب المادة (28) من تعليمات التعيين على الحالات الإنسانية، فإن البند (3) يجيز تعيين فرد من أسرة، لديها 4 أبناء في دفتر العائلة نفسه، يحمل دبلوما شاملا لكلية مجتمع، بينما البند (د) يشترط المنافسة بين المتقدمين.
وفي حالة ابن النائب التي نحن بصددها، نتساءل بداية: هل هو من بين 4 يحملون شهادة الدبلوم لكليات المجتمع، وهل جميعهم ناجحون؟ وهذا تساؤل أساس، ينبغي مكاشفته للمواطنين بشفافية، وهل هذا معقول أن هناك 4 أبناء في بيت واحد يحملون الدبلوم، ولا جامعي أو أقل بينهم؟
ومن جانب آخر، كيف لديوان الخدمة، ووفقا لتبرير الحالة، ان يطلب من مجلس الوزراء استثناء ابن النائب من الامتحان التنافسي، اي التجاوز على البند (د) من التعليمات؟ ولماذا هذا الاستثناء فوق الاستثناء، اذ ان 172 شخصا، جرى تجاوزهم من هذا الامتحان، وفق المثل “لأجل عين تكرم مرج عيون”.
وتابع، إننا وكل مفاصل الدولة، يجب أن نقف عند هذا الطلب من الاستثناء، فلا يحق للديوان التعدي على نظام هو يضعه، ولا يحق للحكومة تجاوز نظام هي تقرّه، مدعية بانها تحقق العدالة والنزاهة والشفافية.
وقال “إن هذا المشهد برمته، اختراق تشريعي بامتياز، وتجاوز إداري لا غفران له.. إنه حقا تعبير عن تجاوز كل مبادئ الحوكمة التي أقرتها الحكومة في العام 2017″، متسائلا “لماذا يقبل الوزير، وهو وزير عدل بهكذا استثناء وتجاوز، فإذا وزير عدل يخترق الأنظمة، ويُجانب العدالة والنزاهة والانصاف، فمن هو الوزير الذي يمكن للشعب الثقة به، بل وهل يمكن هنا للمواطن أن يثق بالحكومة برمتها؟”.
ولفت إلى أنه ما هكذا يجب اتخاذ القرارات في حكومتنا التي نأمل برشدها دائما في ظل الظروف المتوترة، جراء معضلة البطالة والفقر التي يعيشها أكثر من ثلث المجتمع.
خبير الإدارة العامة، أمين عام وزارة تطوير القطاع العام سابقا الدكتور عبدالله القضاة، قال إن نظام الخدمة “يعطي سلطة تقديرية واسعة لأصحاب القرار بالتعيين عبر الاستثناءات التي تتعارض مع سيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص، وكون أحد الاستثناءات تصدر إما للحالات الإنسانية أو لأسباب أخرى، يقررها المعنيون في الديوان”.
وأضاف، “وبالطبع بإننا لا نعرف الأسباب الأخرى، وكيف يجري تحديدها أو لماذا تحدد، وهذه الاستثناءات تؤشر الى غياب الرقابة الإدارية الفاعلة على قرارات التوظيف؛ وبالتالي ضياع حقوق الفقراء والضعفاء في الحصول على فرص عادلة في الوظائف العادية، ولا نريد أن نقول وظائف العقود الشاملة التي توزع كهدايا برواتب خيالية لأبناء الذوات والمتنفذين”.
واضاف، ان “تعيين نجل نائب في وزارة العدل بعد حصوله على استثناء، جريمة بحق الوطن، وخاصة أنها لابن نائب يفترض بأن يمارس دوره الرقابي في تحقيق سيادة القانون، ورواية رئيس ديوان الخدمة، تفيد بأن نجل النائب حصل على استثناء للتوظيف على نظام الحالات الإنسانية ضمن معيار ينص على استثناء شخص من كل عائلة تضم 4 أشخاص متقدمين لديوان الخدمة، هذا في العام 2019 حسب الرواية، وأن نجل النائب استنكف عن الوظيفة”.
وقال “هنا أطرح التساؤلات التالية: هل فعلا أن شروط الحالات الإنسانية تنطبق على نجل النائب؟ حيث يتطلب أن يكون للنائب أربعة أبناء جامعيين في دفتر العائلة، ولا يعمل أي منهم في أي وظيفة، وهنا نطلب من رئيس الديوان إبراز أسماء الأربعة، ليجري التحقق من مؤسسة الضمان الاجتماعي عن شمولهم بأحكام القانون أم لا، ثم نريد من رئيس الديوان، أن يثبت للرأي العام مدى انطباق شروط التوظيف كافة على نجل النائب المستثنى”.
التساؤل الثاني: يقول رئيس الديوان “إن نجل النائب لم يتقدم للامتحان حينها، وفقد حقه بالتعيين، أي عام 2019، هل من يستنكف عن وظيفة حسب تعليمات الخدمة المدنية، يحتفظ بحق العودة اليها بعد مرور، ما يزيد على الثلاث سنوات؟ وهل قرار الاستثناء الصادر عام 2019 مستمرا في سريانه الى ما لا نهاية؟ وهل يوجد قرار جديد لمجلس الوزراء بالاستثناء، أم تم أخذ فتوى على استمرارية سريان الاستثناء الأول؟ ثم؛ هل بقي شاغر الحالات الإنسانية محجوزا منذ ذلك التاريخ لنجل النائب؟ وهل سبق للديوان أن عين مستنكفا بعد مرور هذه المدة؟
والتساؤل الأخير: هل التعليمات التي يطبقها ديوان الخدمة، تعطي الحق لمن يستنكف بالاحتفاظ بترتيبه التنافسي باستمرار؟ أم أن الترتيب التنافسي يجري تغييره ليحل مستحقا آخر مكان المستنكف؟ ثم في حال رغب المستنكف بالعوده لتفعيل طلبه، هل يتقدم للامتحان ثانية أم يأتي لاستلام مفاتيح مكتبه في الجهة التي يريد؟ مؤكدا أن “الرأي العام بحاجة لإجابة موثقة على هذه التساؤلات”.
وقال القضاة “الغريب أن مجلس النواب، أحال النائب إلى لجنة السلوك؛ وكنا نتأمل أن يجري التحقيق في هذه الحالة أو الطلب من هيئة النزاهة بتولي الأمر، والتحقق من مدى وجود مخالفة في إجراءات التعيين، ومساءلة المعنيين عن أي اختراق لسيادة القانون التي ينادي بها جلالة الملك عبدالله الثاني في كل محفل، ومن أجل ذلك أمر جلالته بتحديث منظومة الإدارة الحكومية التي نأمل أن ترى النور”.
وكان الديوان، أوضح في بيان له الأسبوع الماضي بخصوص “استثناء نجل نائب وتعيينه في الحكومة، أنه تم اعتماد طلب نجل النائب على الحالات الانسانية في ديوان الخدمة المدنية بند (الاربعة افراد)، وفقا لتعليمات اختيار وتعيين الموظفين في الوظائف الحكومية المعمول بها، في عام 2018 وحسب الأصول، أسوة بباقي حالات المتقدمين دون تمييز”.
وفي العام 2019، وافق مجلس الوزراء الموقر على تنسيبات الديوان، باستثناء كامل مخزون الديوان من الحالات الانسانية/ فئة الأربعة أفراد من الحالات المعتمدة في الديوان حتى تاريخ 30/12/2019، والبالغ عددهم 172 شخصاً من تعليمات اختيار وتعيين الموظفين، علما بانه تم اعتماد حالة المذكور ضمن فئة الأربعة أفراد، قبل أن يصبح والده نائباً في مجلس النواب، بحيث تم ترشيحه للامتحان التنافسي في نيسان (إبريل) العام 2019، أي قبل مخاطبة رئاسة الوزراء على النحو المشار اليه أعلاه”، ووفقاً للتعليمات المعمول بها.
ولم يتمكن المترشح (نجل النائب) من استكمال الاجراءات، كونه لم يعلم في حينه بترشيحه، وأوقف طلبه لعدم حضوره الامتحان، وعليه تقدم بتظلم لديوان وهو حق للمواطنين، وليس باعتباره نجل النائب، وقام الديوان بمخاطبة مجلس الوزراء صاحب الولاية على شؤون الوظيفة العامة للنظر في التظلم للتعامل مع حالته، أسوة بالحالات التي كانت معتمدة، حتى نهاية ذلك العام ضمن فئة الأربعة أفراد، وتمت الموافقة على استكمال إجراءات تعيينه، وفق تخصصه (قانون) حسب الشواغر المتوافرة لدى الأجهزة الحكومية في حينه، بحيث تم ترشيحه لوزارة العدل حسب الأصول.
أما بخصوص نقل نجل النائب من وزارة لأخرى، بحيث تقدم باستدعاء في وزارة العدل يطلب نقله لدائرة أخرى، والتزاما بأحكام نظام الخدمة المدنية، فإنه يمنع نقل الموظف خلال فترة التجربة، وبالتالي تعذرت الموافقة على طلبه، وهو الإجراء الذي تم وفق طلب النقل الذي تقدم به.
عبد الله الربيحات/الغد
التعليقات مغلقة.