صدقة يتبعها منّ واذى وفضيحة مصورة !
مهدي مبارك عبدالله
بقلم /مهدي مبارك عبد الله
يتسابق مئات الأغنياء والجمعيات والمؤسسات الخيرية في شهر رمضان المبارك
وسواه على تقديم مساعدات مادية وعينية للفقراء والمساكين البعض يعمل
الخير قاصدًا وجه الله تعالى لا يريد رياء ولا سمعة والبعض الآخر يتباهى
أمام الناس بالصدقة ويحرص على تصوير الأسر الأكثر احتياجًا فى المناطق
الشعبية والقرى والمدن
وهم يحصلون على ” كرتونة مواد تموينية ” ومن ثم استغلالها في الدعاية
الشخصية سواء للمؤسسة أو الفرد والبعض الاخر يمسك ( بضع دنانير ) ثم يمد
يده نحو الفقير ليس بقصد مساعدته بل من اجل التقاط صورة اعلانية معه يصر
من خلالها ( أن تراه الدنيا بأسرها ) بعد نشرها على مواقع التواصل الفيس
بوك و توتير و اسنتجرام وغيرها وبما لا ينسجم مع فعل الخير بمعناه
الدقيق دينياً واجتماعيا حيث ينتزع بهذا التصرف المشين معنى الصدقة من
جوهرها ويهين المحتاج ويكسر كرامة الفقير وهذا هو للأسف حال الكثير من
المتصدقين اليوم
لا يخفى على احد ان الصدقة تعد من أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى
الله سبحانه وتعالى ولكن الأفضل منها ( أن تحترم الشخص الذي أمامك ) مهما
كان حاله والأصل أن يتكافل المسلمون فيما بينهم بحفظ ماء وجه الإنسان
المحتاج كما حثنا الرسول الكريم بألا تعلم شمالنا ما أنفقت يمنانا وهذا
لإعفاء الناس من مواطن الحرج ألا َان تَمُنَّ وتعتد بما أَعطيت بنشر صور
الفقراء وتنتهك كرامتهم الانسانية بالأذى
وهنا يجب ان نعلم جيدا ان ( فقر الأخلاق هو مثل فقر المال غير أن فقير
المال لديه كرامة هي عنده أغلى من المال ) وان الأضواء الإعلامية للمتصدق
تصبح نار تحرق كرامة الفقير وتجرح مشاعره وتكسر نفسه وشتان ما بين (
إطفاء نار الجوع والفاقة وإشعال الأسى والذلة في النفوس المحتاجة )
ارحموا الفقراء والمساكين يرحمكم من في السماء ولا تمتهنوا عزة نفوسهم
وكبريائهم ولا تستغلوا حاجتهم بالتصوير العبثي المهين فالنظرة المنكسرة
التي تظهر في وجوهم الضعيفة ما هي الا ( نعي فاضح لإنسانية متبلدة ) لم
تحفظ لهم حقوقهم الطبيعية كبشر مهما كانت النوايا والمبررات والمقاصد لأن
في ذلك فضيحة ومخالفة صريحة لقواعد الشرع الحنيف بشأن إغاثة الملهوف كما
انه تعديا صارخا على كرامة متلقي المساعدات وخرق للقواعد القانونية
والأعراف الاجتماعية السائدة
فإذا لم تكن هناك مصلحة راجحة لإظهار الصدقة فان إخفاؤها أفضل من إعلانها
وقد قال الله تعالى في محكم التنزيل موجها عباده ( ان تبدوا الصدقات
فنعما هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) وقد ثبت في الحديث
الشريف ان ( صدقة السر تطفئ غضب الرب ) فالمَنان لا يدخل الجنة ولا يكلمه
الله ولا ينظر اليه يوم القيامة وان المن بالعطية محرم بل وهو كبيرة من
الكبائر يبِطل الشكر ويمح الأجر كما انه دليل على الدناءة وسوء الخلق فلا
تؤذي الفقير وتسيء إليه بصدقتك واذهب ( انت اليه لتعطيه ولا تناديه
واعطيه باليد اليمنى وليس باليد اليسرى ولا تضع يدك فوق يده ولكن تحتها
ولا تنظر لوجهه حتى لا تجرحه ولا تطلب الأجر إلا من الله تعالى ) وان
استمرار البعض في التقاط هذه الصور لأولئك المساكين والفقراء والمتعففين
والايتام والارامل وإظهار وجوههم وبثها على مواقع التواصل ونشرها بين
الناس مع ( انتفاء الحاجة الشرعية ) تصرف غير مقبول وعمل محرم شرعا حتى
وإن كان من باب التوثيق أو حسن النية كما يدعي البعض
ويجب على من اقترف تلك الكبيرة أن يتوب عنها لما فيه من أذى بليغ حيث قال
الله عز وجل
( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها اذى والله عني حميد ) وحتى يكون
المتصدق في ظِل الله يَومَ لَا ظِل إِلَّا ظِله وينال الاجر منه سبحانه
وتعالى لان تصوير الفقراء ونشرها على الناس أعظم في ( الشناعة من المن
نفسه ) وأن ارتدى فعله ثوب الخير والمعروف
وفي ذلك جاء قول الله تعالى ( يا ايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم
بالمن والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر )
كما حث رب العالمين عباده على إتمام العمل الصالح وإتقانه وحذرهم من
إبطاله وإفساده بأي مفسد من المفسدات كالمن والأذى في الصدقة ومراءاة
الناس بالعمل والإعجاب به ليشكروه ويقولوا إنه كريم وجواد ونحو ذلك من
المقاصد الدنيوية الزائلة فكما أن ( الحسنات يذهبن السيئات كذلك فان
لسيئات تبطل ما قابلها من الحسنات )
في شهر رمضان الفضيل يبدو الأذى أشد والمن اقسى والصورة اوسع وأوجع حين
يسارع بعض الناس وخصوصا من ميسوري الحال إلى تقديم المساعدات والصدقات
بغية كسب الأجر والتقرب إلى الله الا ان بعضهم يقع فيما يكاد يحول صدقته
الى ( نار لا هي برد ولا سلام ) بعدما انتشرت موضة التصوير ونشرها عند
تقديم المساعدات والتي تمس كرامة المحتاجين والفقراء من قَبل بعض
الشخصيات العامة والشركات التجارية الباحثة عن الشهرة والاضواء والتي
ابتعدت بعضها عن اهداف ومعاني الخير بطرق غير مقبولة أخلاقياً ولا
انسانيا وهي تريق ماء وجه الفقير والمحتاج وتشعرهم بالمهانة والنقص
ما يسمى بالعمل الخيري عند البعض مجازا وزورا تجاوز كل الحدود الإنسانية
والقواعد الأخلاقية والدينية الخالصة لوجه الله تعالى ومعني وقيم التآزر
والتعاون التي تحركه وتضبطه وفق دوافع الرحمة والتعاطف والإحساس بمعاناة
الآخرين التي حثنا عليها ديننا الحنيف واصبح ذا غايات انتخابية أو علاقات
عامة أو للشهرة وتقوية الجاه والنفوذ وطلب المديح وحب الظهور تحت شعار (
شاهِدوني وانا أَتَصدّق ) أو لغايات تجارية ودعائية بحتة تفضح الفقراء
وتشهير بهم بعدما كان ( يحسبهم الناس اغنياء من التعفف ( وحين نمعن
النظر في وجوهم نشعر بكمية الألم في قلوبهم والغصة التي تقف في حناجرهم
المنعكسة في نظرات عيونهم أو دموعهم أوصمتهم المستتر بالاستسلام للواقع
المرير تحت ضغط الفقر والحاجة
أكثر المتصدقين يفرضون ( التصوير مقابل الصدقة ) ويجلدون وجوه الفقراء
بفلاشات المباهاة ويستغلون جوع الجباع وحاجة المحتاجين ولا يبقون لهم
كرامة ولا يحفظون عليهم إنسانيته وهم مضطرون لتلقي المساعدة أمام عدسات
الكاميرات والجوالات وحالهم أشبه بالانسلاخ من الآدمية الحرة ولا أذل
عليهم من أن تتم المتاجرة بنشر فقرهم وحاجتهم دون أي اعتبار لكرامتهم
وحياتهم فذلك المعوز له أبناء وعائلة ولا بد من مراعاة عدم إظهاره بذلك
المظهر الخارجي أمام الملأ
لقد أثنى الله تبارك وتعالى على الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله ولا
يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن ووعدهم بأنه سيوفيهم أجرهم ولا خوف
عليهم ولا هم يحزنون فقال تعال يبشرهم ( الذين ينفقون اموالهم في سبيل
الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف
عليهم ولا هم يحزنون )
واننا من هنا ندعوا معشر الكتاب والصحفيين والدعاة والوعاظ والمسؤولين
ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الى توحيد الأصوات الرافضة لتصوير
المساعدات ومواجهة هذه البدعة حديثة النشأة والتي تخالف الأعراف
والتقاليد السائدة في مجتمعنا الاردني الاصيل الذي بني على مبادئ تقديم
المساعدات والصدقات وفعل الخير في الكتمان وحسبَ الأعراف المسقاة من
الثقافة الإسلامية السمحاء كما يتوجب ان نقف جميعا في وجه هؤلاء الذين
يتاجرون بأحلام البسطاء وعوزهم من خلال جمع أكبر عدد من الصور ( البومات
) ليصنعوا لأنفسهم شهرة زائفة ومجدا كاذبا بإهدار كرامة الفقراء المعدمين
واستغلال معاناتهم بهذا الأسلوب المهين بغض النظر عما يحاولون تبريره
وترويجه بخصوص خلق الدافعية والتحفيز عند الآخرين للمبادرة لفعل الخير
ختاما نقول ان ( يد تساعد خير من عين تشاهد ) وان ما يجري من قبل البعض
هو عمل باطل وسعي غير مشكور ولا اخلاقي او مقبول ومع تكرار مثل هذه
التصرفات المقيتة في عدة مناسبات مختلفة وهي ( موثقة بالفيديوهات والصور
) ينبغي تفعيل الملاحقة القضائية والادارية في حال ثبوت تلك الافعال ومن
المفيد التذكير بان بعض التشريعات الاجتماعية النافذة كقانون الأحداث رقم
32 لسنة 2014 وميثاق الاخلاقي للعمل الاجتماعي الاردني الصادر عن الوزارة
في عام 2009 وغيرها تمنع كليا التصوير عند توزيع المساعدات أو تصوير
الأشخاص المتلقين لتلك المساعدات وتحمل كل من يقوم بتلك السلوكيات غير
السوية التبعات والمسائلة القانونية وكي لا تبقى ( الاعانات مغموسة
بالإهانات ) والأنفس مهانة والقلوب مكسورة والأعين دامعة ينبغي ان نتكاتف
بقوة لمحاربة هذه الظاهرة المنحطة والقذرة والله وراء القصد
mahdimubarak@gmail.com