خُلوة لتطوير التعليم العالي ..!
د. مفضي المومني
كانت لدينا جامعة واحدة… الاردنية أم الجامعات…والآن لدينا اثنتان وثلاثون جامعة وطنيه او يزيد…
كان رئيس الجامعة شخصية إعتبارية وكأنه رئيس وزراء… كان الرؤساء الأوائل أسماء وعناوين وطنية… خلدها تاريخ التعليم العالي والذاكرة الوطنية، كان عقل الدولة يختارهم… وكانت الإختيارات بالغالب رصينة عقلانية… ومؤثرة.
منذ مطلع القرن الحالي تغير الحال والأحوال… كثرت الجامعات… وفتحت البرامج…ولم يكن هنالك تخطيط واستراتيجيات تضبط التطور والأعداد وحاجات سوق العمل، وبدأت مسيرة التعليم العالي التي كانت بالمقدمة تتراجع وتتباطئ ، فاقتحم الموازي التعليم والجامعات وساهم في التراجع، تبعه رفع يد الحكومات عن الجامعات بالدعم المادي وتركها ترزح تحت مديونيات مؤرقة محبطة ساهمت وتساهم بالتراجع… ، تبع هذا هجرة أعداد كبيرة من أميز أساتذة الجامعات لأسباب مادية أو إدارية أكاديمية… ، تبع ذلك تعيين رؤساء جامعات بتدخلات من هنا وهناك… في غفلة من الأمر… وساهم في كل هذا إنعدام المؤسسية والتخطيط في مسيرة التعليم العالي، فأصبح التعليم العالي يوسم بأسماء وزراء تعليم عالي، بعضهم عمل على استحياء… وبعضهم أمضى فترته ومضى، وبعضهم كان جاداً ولم يسعفه الدعم والزمن، وغالبيتهم واجهوا ضغوطات تشريعية وإرث من الأخطاء لمن سبقهم… كان من المستحيل عليهم فعل ما يجب فعله… فرحلت أزمات التعليم العالي وملفاته العالقة العابرة للوزارات… ولاحظوا ملفات التعليم العالي العالقة؛ من التقييم والتعيين للرؤوساء، المديونيات، تطوير البرامج، الجودة، ربط المخرجات بسوق العمل كماً ونوعاً، القبول الجامعي، البحث العلمي، التصنيفات والعالمية، الشراكة مع القطاع الخاص، خدمة المجتمع، الجامعة المنتجة… وغيرها؛ كل هذه الملفات هي ذاتها منذ عقدين واكثر… ولا نجد من يعلق الجرس..!، لننتقل من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ ومن ثم التطوير وبالتالي التقدم، عدا بعض المبادرات الشحيحة من بعض الوزراء والمجالس.
في ما مر من ممارسات في التعيين والتقييم لرؤساء الجامعات… هنالك شبه إجماع من رموز ورجالات التعليم العالي بأن التقييمات أستخدمت للتخلص من بعض الرؤساء، وشابها دائماً التوجهات الشخصية إلا ما رحم ربي، إضافة لكل ما قيل في نقد التقييم ومخرجاته، والإعفاءات؛ السلاح الجديد بيد الوزير والمجلس، وصار التقييم بعبع غير موثوق… ومخرجاته غير موثوقه برأي الكثيرين.
وهنا… هل يؤسس الوزير الحالي ومجلس التعليم العالي لحالة نظامية لمقبل الأيام، تجعل من التقييم والتعيين حالة نظامية مؤسسية، تهدف إلى التصحيح والتطوير والتغيير المستحق..!، تكون عابرة للوزارات لا تتلون ولا تتماهى مع شخص أي وزير قادم ومزاجه وتفرده واجنداته والتدخلات من هنا وهناك..!، قد يضحك البعض ويعتقد أنني انادي بالمدينة الفاضلة، فأقول إن هذا من أبجديات التطوير الحقيقي للتعليم العالي في كل بلدان العالم المتقدمة.
الإعفاءات الأخيرة طرحت الكثير من التساؤلات، وإذا بقينا نجتر ذات المعالجات فسنبقى نسير بخطوات ثابتة إلى الوراء، العالم والمنطقة من حولنا تتقدم وما زلنا كمن (يتهبس في غرفة مظلمة)، وما زال صانع القرار يتوجس ويتردد… في حسم ما يجب حسمه، إما لأنه غير قادر أو أنه مقيد بتدخلات، أو لأن إدارة سكن تسلم فيها السلامة لشخصه، وكل هذا غير وارد في حسابات الأوطان والتقدم والتطور… التعليم العالي بحاجة لخلوة وطنية من ذوات معروفين بحياديتهم ورصانة شخصياتهم ومسيرتهم… ومن أجيال أكاديمية جديدة متميزة قادرة على وضع خطة عشرية… وأهداف طموحة تأخذ بالاعتبار ما طرح سابقا من إستراتيجيات لم تنفذ وخطط تحديث حديثة وسابقة، وتتمثل تجارب عالمية وأقليمية ناجحة؛ بشرط أن يستبعد منها أصحاب الإخفاقات التي وصلنا إليها… لأنهم جربوا كثيراً، ويتم تدويرهم… والحال كما نراه..!، فهل نبدأ… !، فترف الإنتظار لم يعد ممكناً ولا متاحاً.…حمى الله الأردن.