في يوم الآثار.. الأردن مملكة الزمن ومتحف مفتوح على مليون عام مضت

يُحيي الأردنيون اليوم، يوم الآثار الأردنية التي تركها الإنسان، واستقر أو مر من على هذا التراب منذ أكثر من مليون عام، وبلغ عددها وفق أرقام دائرة الآثار العامة حتى الآن 14 ألفًا و965 موقعا أثريا مسجلا لديها، بعد مسح 36 % من أرض المملكة.

وينطبق على الأردن وصف مملكة الزَّمن، بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى أو متحف تاريخ مفتوح، يمتد لأكثر من 14 ألف عام، بحيث سجل التاريخ في ربوعه أول رغيف للخبز بموقع شبيكة الأثري، وأول استقرار بشري بعين غزال وتماثيل، يصل عمرها الى 9 آلاف عام في العاصمة عمَّان، كما يؤكد خبراء ومعنيون تتبعت (بترا) مع اثنين منهم قصة الآثار الأردنية.

مدير عام دائرة الآثار د. فادي بلعاوي قال إن “الأردن يتميز بتنوع وتعدد المواقع الأثرية التي تشير إلى قِدَم الحياة في هذه المنطقة، وتعاقبت عليه العصور والحضارات المختلفة التي تميزت بخصائص رائعة، بسبب موقعه الاستراتيجي”.
وأضاف بلعاوي، إنَّ الإنسان عاش على أرض الأردن خلال حقب تاريخية منذ العصر الحجري، إذ ظهرت فيه بيوت دائرية ومستطيلة، وعرف خلالها الفنون، فنحت تماثيل عين غزال، وأنشأ بعدها، دويلات في العصر البرونزي، واستخدم الري المنظم في مناطق: جاوا وباب الذراع وخربة الزيرقون الواقعة قرب وادي الشلالة، وتعد ثاني أقدم مدينة في العالم، وكذلك خربة البتراوي.
وفي العصر الحديدي، قامت على أرض الأردن ثلاث ممالك هي: الأدومية، واتخذت بصيرا في جنوب الاردن عاصمة لها، والمؤابية وعاصمتها ذيبان، والعمونية، واتخذت من ربة عمون عاصمة لها، كما يؤكد بلعاوي.
ولفت إلى ظهور مملكة الانباط في الجنوب، وعاصمتها البترا، ثمَّ دخل الاردن تحت الحكم اليوناني، ومن أهم آثار هذه الفترة، قصر العبد في عراق الامير، ومن ثم الحكم الروماني، وفيه تشكل حلف المدن العشر، والذي يُسمى (الديكابوليس)، ومن ضمن مدن هذا الحلف: فيلادلفيا، وجراسيا وجدارا.
وأضاف بلعاوي، إنَّ الفترة البيزنطية تميزت ببناء الكنائس المزينة بالفسيفساء في عدة مواقع، أهمها: المغطس وكنائس ام الرصاص، كما شهد الاردن أهم الاحداث في العصور الاسلامية مثل معركتي مؤتة واليرموك، وفي العصر الاموي، اهتم الخلفاء الامويين، بتشييد قصور عمرة والمشتى وبرقع وطوبة والحرانة والموقر والقسطل.
وقال، إنَّ منطقة الحميمة جنوب الاردن، شهدت انطلاق الدعوة العباسية، وكانت أيلة ميناءً تجاريا مهما على البحر الاحمر، ثم تعرضت البلاد للحملات الصليبية، وقد بنيت القلاع الحصينة كالشوبك والكرك، في حين بنى الأيوبيون قلعة عجلون، واستمر الاهتمام بالقلاع وتجديدها في العصر المملوكي كقلعتي العقبة والشوبك.
وأشار بلعاوي الى فترة الامبراطورية العثمانية، وفيها أنشئ الخط الحجازي، وبعدها تزعم الشريف الحسين بن علي النهضة العربية الحديثة لتوحيد العرب معلنا في العام 1916 انطلاق الثورة العربية الكبرى.
وقال بلعاوي، بعد الثورة العربية، وصلت الجهود لتأسيس امارة شرق الاردن، وتوج الامير عبدالله بن الحسين أميرا، وبعد مفاوضات ونضال من الامير، تحقق استقلال الامارة وأصبحت دولة ذات سيادة في العام 1946، لتتوالى بعدها الانجازات السياسية الداخلية والخارجية للعائلة الهاشمية.
وتأسست دائرة الآثار في شرق الأردن في 27 حزيران (يونيو) 1923، وصدر قانون خاص بتأسيسها وعين د. رضا توفيق مديرًا لها.
خبير الاثار وعضو مجلس أمناء مُتحف الأردن د. زيدان كفافي يقول، إنَّ الانسان عاش على أرض الأردن قبل أكثر من مليون عام في العصور الحجرية القديمة، وعلى شكل مجموعات قرب أحواض المياه، مثل: الأزرق والجفر وبحيرة اللسان في حفرة الانهدام ووادي الحسا.
وخلال فترة الدولة الحديثة، أولت العائلة الهاشمية الموروث الأثري والتاريخي أيما اهتمام، فبالإضافة لمؤتمر تاريخ بلاد الشام الذي بدأ مطلع سبعينيات القرن الفائت، وعقد بالتشارك بين جامعات “الأردنية”، واليرموك، ودمشق، انطلقت في العام 1980 وبتوجيه من سمو الأمير الحسن بن طلال في جامعة اكسفورد، أولى فعاليات “المؤتمر الدولي لتاريخ وآثار الأردن”، ليعقد بعدها دوريا كل ثلاث سنوات.
وأضاف، إنَّ المؤتمر طاف بجامعات ومؤسسات أكاديمية في الأردن وأوروبا وأميركا واستراليا، وصدر عنه حتى الآن 13 مجلداً، تضم أبحاثاً ودراسات حول آثار وتاريخ الأردن، كما أقيمت متاحف محلية ومعارض دولية، اذ بني أول متحف آثار فوق جبل القلعة في عمّان العام 1950، ثم متحف الأردن في منطقة رأس العين بعمّان، وهو أكبر المتاحف الأثرية الأردنية.
وفي بداية تأسيس الإمارة، أجريت تنقيبات ومسوحات آثارية، ومنها مسح نلسون غلوك الأثري، وحفريات تليلات الغسول، والكشف عن مخطوطات البحر الميت، والبدء بحفريات تل السلطان بأريحا عام 1953، ونشر “حولية دائرة الآثار” التي صدر العدد الأول منها في العام 1950.
وبين أن دائرة الآثار أجرت بين عامي 1950 و1967 مسوحات وحفريات آثارية في تل السلطان بأريحا، والقدس، وتل بلاطة، وسبسطية، وكان أهم الاكتشافات مخطوطات البحر الميت العام 1947، في مغارة بمنطقة بيت لحم في فلسطين عُثر بداخلها على لفائف محفوظة في جرار فخارية أطلق عليها الباحثون، حينها اسم “مخطوطات البحر الميت” أو “لفائف قمران” نسبة للمنطقة أو المكان الذي وجدت فيه.
وتشكلت بعثة أثرية اردنية – فرنسية مشتركة بين عامي 1952 و 1956 كلفت الدولة أموالاً طائلة، للكشف عن مزيد من هذه المخطوطات النادرة والقيّمة في كهوف أخرى غير قمران مثل كهوف المربعات، والدالية.
ولفك ودراسة محتوى لفائف قمران، شكلت الحكومة حينها لجنة من كبار العلماء في العالم، وعرضتها في المتحف الفلسطيني روكفلر في القدس التي احتلتها اسرائيل في العام 1967.
وعثر على بقايا نحو 600 مخطوطة موزعة على 11 مغارة في موقع قمران، لم يصل الأردن منها إلا 11 مخطوطة، إحداها كانت محفوظة بشكل جيد.
وأكد أنَّ مخطوطات البحر الميت، أهم مخطوطات دينية تكتشف في العالم، إذ ترجع الى نحو الفي عام، وتشتمل على نصوص أصلية لملّة (الأسينية)، وهي الملة التي يعتقد كثير من العلماء، بأن الديانة المسيحية ولدت وترعرعت في بيئتها.
وقال كفافي، إن موقع عين غزال النيوليتي (7250- 4500 ق. م) هو الطرف الشمالي الشرقي لمدينة عمان، ويعتبر أحد أكبر القرى الزراعية المبكرة في منطقة الشرق الأدنى القديم مساحة، إذ تبلغ حوالي 150 دونماً.
وأكد أنَّ هذا الموقع أضاف للعاصمة عمان جذوراً حضارية أخرى، فإضافة لكونها عرفت عاصمة للعمونيين خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد إلاّ أنها استمرت من أهم المدن في الفترات الرومانية.-(بترا)

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة