كليلة ودمنة… وأدب القلاية..!
د. مفضي المومني
=
في كتاب القصص كليلة ودمنة الذي ترجمه عبدالله بن المقفع من اللغة الفهلوية الى العربية في العصر العباسي، وتذكر مقدمة الكتاب أن الحكيم الهندي «بَيْدَبا» قد ألّفه لملك الهند «دَبْشليم» باللغة السنسكريتية، وقد استخدم المؤلف الحيوانات والطيور كشخصيات رئيسية فيه، وهي ترمز في الأساس إلى شخصيات بشرية وتتضمن القصص عدة مواضيع من أبرزها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بالإضافة إلى عدد من الحِكم والمواعظ، ومنذ فترة نلاحظ انتقال بعض الكتاب لنوع من الأدب الجديد، يسردون فيه تجليات الطبخ والنفخ… وطريقة تحضير قلاية البندورة والكوسا المحشي والمقلوبه والمنسف وآخرها ما قرأته اليوم لأستاذنا ذوقان عبيدات في سردية مقامات (كبة العبيدات)… وفي المكتوب كبه ومكوناتها… وبين السطور شاكوش ومطرقة وسندان…!
في ضوء ما قيل ويقال بقانون الجرائم النووية… أو الالكترونية، سيكون الكاتب وصاحب الكلمة على المحك… فإما النجاة والتعبير… أو الخطأ والتدمير… حبس وغرامة… !.
ولأن الانسان بطبعه متكيف من الدرجة الأولى… فسيبحث عن ألف طريقة وطريقة ليصل للهدف… ويكتب وينقد ويفرغ شيطان الكتابة من خلال قلاية بندوره أو منسف أو كبة عبيدات…الخ !.
أنا شخصياً ضد الإساءة أيا كانت وضد الردح والمدح وخاصة في غير محله (والذي يساوي الردح بنظري…!) مع او بدون قانون تجريم الكتروني….وبذات الوقت مؤمن بأن الكاتب الحصيف، غير المنافق وغير المأجور وغير الكذاب أو ما يصفونه (أبو الكذب؛ الكاف بال ch في لغتنا المحكية)، هو أي الحصيف، ضمير الأمة وعينها التي لا تنام، وعين الرقابة والفكر والثقافة… ينثرها ليقوي العلاقة بين الحاكم والمحكوم… ولو من خلال التلميح او التصريح والنقد البناء، وإزجاء المواعظ والحكم لينال منها كل محتاج… فتستقيم الأمور… ويتزن الثبور والحبور… حيثما يراد لهما.
اعتقد أننا مقبلون على (أدب القلاية)… وآداب أخرى لم نألفها من قبل… وسنصل لاجتهادات كثيرة ستنتج نظريات كتابة وقوالب ثقافية، ستزعج من (بقلبه حمص أو على رأسه بطحه من المسؤولين المقصرين في عملهم أو الفاسدين…!)… وقد نصحو يوما لنجد قانون جديد ينظم إعلام القلايات والكبه بأنواعها… وقد يصل الأمر إلى المخللات..!.
في لقاء جلالة الملك يوم أمس مع أعضاء المركز الوطني لحقوق الانسان، أكد على أن الحرية والديموقراطية مصونة، وأن الاردن ليس بلد تعسفي ولن يكون، وأن القوانين يجب ان لا تقيد حرية التعبير والنقد للمسؤولين، وهذا طموح الجميع… ولكن المشكلة دائما في التطبيق، وتنطع البعض دون الملك، ممن يعتقدون الوصاية على الناس والوطن، وتحميل النصوص ما لا تحتمل، وتجريم غير المجرم إغراقاً في الولاء الموهوم… وهم يعلمون او لا يعلمون أنهم يخالفون توجهات الملك التي يعلنها دائماً…ويبقى التطبيق هو الفيصل كما اعلن جلالة الملك كمبرر لتعديل القانون إياه.. .
ولا نخفي التخوفات المعلنة وغير المعلنة من الكتاب، وأصحاب الرأي…، فالبعض ينصح بالتوقف عن الكتابة… والبعض يذهب مذاهب أخرى في الكتابة، وبكل الأحوال أعتقد أن واجبنا أن نكتب وأن نكون عين الناس وصدى همومهم… دون هدم أو إيذاء أو إساءة للآخر أياً كان، وبذات الوقت أن يفهم كل مسؤول أنه غير محمي إذا أخطأ او كان ضعيفا ً وأنه لا يملك حصانة الخطأ أو الفساد، وأن نفهم جميعاً، أن نقد الأداء والعمل ليس طعنا بشخص صاحبه، وإنما طلباً وسعياً للأفضل، والفارق ليس شعرة معاوية..!.
سنتعايش مع القانون الجديد… وسنريق دونه مقامات الطبخ ونظرية القلاية وتجليات المنسف، وحين نشعر أن النويا سليمة ونتخلص من فوبيا القانون… ربما سنستجمع ملكاتنا وقوانا وأدواتنا، ونعود لنقول (للأعور… أعور بعينه)، فنحن بحاجتها دائماً…في ظل ضعف وفساد…نعترف به جميعاً، ينخر إداراتنا وحياتنا هنا وهناك… لا يغمض عينيه عنه إلا أعمى أو فاقد إحساس، الأردن والأردنيين يستحقون الأفضل… (واللي مش قد المسؤولية ينسحب)… وقد اشار جلالة الملك لمثل هذا سابقاً، ولتاريخه لم نسمع عن مسؤول إنسحب عندما وجد أن المنصب أكبر منه… أو أنه غير كفؤ… كل منهم يعتقد أنه(سوبر مان زمانه)… والحقيقة والواقع غير ذلك عند البعض أو أكثر. ….حمى الله الاردن.