“الفطر المحاري”.. مشاريع زراعية “واعدة” تحارب البطالة وتحقق الربح

– السعي لتوفير فرص العمل وتحسين جودة المستوى المعيشي، لا سيما في ظل متطلبات الحياة المتزايدة والأعباء المالية، دفع العديد من الأشخاص بالاتجاه نحو المشاريع الإنتاجية البسيطة كمصدر للدخل يحاربون به البطالة.

أحد هذه المشاريع الرائجة، مشاريع زراعة “الفطر المحاري” المعروفة أيضا بـ”عيش الغراب”، وهو من أنواع الفطر البري، وقد تم تسميته بهذا الاسم نظرا لشكل ثمرته التي تشبه المحارة أو الصدفة، ويتوفر منه العديد من الأنواع والأصناف الصالحة للأكل، وهو من المشاريع الزراعية السهلة التي يمكن تنفيذها في مساحة صغيرة أو بالمنزل، باستخدام موارد بسيطة وغير مكلفة.

أسس شريف أبو الرب مشروعه “مشرومي” في عمان، لإنتاج الفطر المحاري كمصدر ثانوي للدخل إلى جانب عمله في إدارة المبيعات. يقول، إنه انطلق في فكرة المشروع هو وشريكه بعد أن أخذ دورات عدة متخصصة في الزراعة، تعلم من خلالها أساسيات زراعة الفطر المحاري وأنواعه المختلفة.
يشير أبو الرب “يمتاز فطر المحار باحتوائه على نسب عالية من البروتينات وكمية كبيرة من الفيتامينات والألياف والمعادن التي تحمل قيمة غذائية عالية”.
يشار إلى احتواء الفطر المحاري على نسبة عالية من مضادات الأكسدة والأحماض الأمينية والعناصر التي يحتاجها الجسم؛ حيث يساعد على تعزيز جهاز المناعة والوقاية من أمراض القلب وتحسين التمثيل الغذائي والتقليل من نسب الكولسترول. إلى ذلك، خفض مستويات السكر في الدم والوقاية من أمراض ضغط والكلى ومشاكل الهضم وغيرها.
كما وتمتاز زراعته بقلة التكاليف ووفرة المحصول، بحسب أبو الرب، خصوصا إذا ما كان المكان متاحا ومهيأ بالأدوات اللازمة والظروف البيئية الملائمة لنمو الفطر، من درجة الحرارة المعتدلة والرطوبة الكافية وغيرها من شروط التعقيم والتجهيز للزراعة. وتقوم زراعة الفطر المحاري على خطوات بسيطة عدة وتعتمد على مكونين رئيسيين، هما التبن و”الأبواغ”.
يوضح أبو الرب “في البداية، نبدأ في تعقيم الأسطح كافة في الغرفة المخصصة للزراعة والأدوات المستخدمة، وذلك للحفاظ على بيئة صحية للنمو وضمان سلامة ونظافة المحصول من النمو البكتيري أو الفطري غير المرغوب، نظرا لحساسية الفطر”. ويلفت إلى ضرورة الحفاظ على شروط السلامة خلال مراحل العمل المختلفة بارتداء الكمامة والقفازات.
وفي المرحلة الأولى للتحضير، يتم غلي التبن لمدة ساعة تقريبا لبسترته وتعقيمه، ومن ثم يصفى من الماء الزائد حتى تصل نسبة الرطوبة فيه لغاية 65 %.
يتبعها مرحلة التحضين، ويتم فيها خلط التبن والأبواغ بكميات متناسبة ووضعها على هيئة طبقات داخل كيس بلاستيكي (طبقة من التبن وطبقة من الأبواغ) وتترك لمدة تتراوح بين 10 و15 يوما داخل الأكياس المعلقة والمثقوبة في غرفة معتمة ومعتدلة الحرارة، حتى تتكون الخيوط الفطرية داخل الأكياس “خيوط المسلينيوم”.
فيما يتم ضبط درجة الحرارة في المرحلة الأخيرة للإثمار، لتصبح بين (22-24) درجة مئوية، ورطوبة بين (85-95) درجة، وCO2 أقل من 700، وخلالها تتم عملية الصدمة التي تتمثل في خفض درجة الحرارة نحو (7-8) درجات مرة واحدة، لتحفيز “الميسيليوم” على التكاثر.
ولضمان جودة المحصول، يشير أبو الرب إلى ضرورة تجهيز نظام كامل ومدروس، للتحكم في هذه العوامل كافة خلال مختلف مراحل العملية الإنتاجية، علما أن هناك العديد من المذاهب والمدارس الخاصة في زراعة الفطر المحاري، منها ما يقوم على الطرق البديلة التي تعتمد على القياس اليدوي وأخرى تعتمد على الأنظمة التكنولوجية المتطورة للتبخير والتهوية والترطيب بشكل “أتوماتيكي” وتلقائي.
يقول أبو الرب “تكمن أهمية إنتاج الفطر بما يحتوي عليه من فوائد جمة ومذاق مميز، وكمنتج عالمي له حصة سوقية كبيرة في العالم، وعلى صعيد الأردن، تأخذ المحافظات الحصة الكبرى في تلك المشاريع”.
بحسب إحصائيات، تعد الدول الآسيوية الأكثر استهلاكا لمعظم أنواع الفطر، وتحتل المرتبة الأولى في العالم في إنتاجه وزراعته. فيما تحتل الأردن المرتبة الخامسة على أكثر الدول العربية المنتجة للفطر، حيث بلغ إنتاج الأردن السنوي للفطر في العام 2017 نحو 898 طنا.
ومن جانبه، يقول المختص في الزراعة وإدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الدكتور وجيه البرقاوي “في غضون الطلب المتزايد على هذا المنتج والميل إلى الترويج له، فإن هذه المشاريع في تزايد طردي، خاصة وأن نتاج المملكة الأردنية من الفطر لا يتجاوز 20 % من حجم الاستهلاك”.
ويرى البرقاوي، أن مشاريع الفطر المحاري تعد مجدية اقتصاديا في مجتمعنا، ولا تتطلب رأسمال كبيرا، فضلا عن سهولة وسرعة الإنتاج، إذ لا تتجاوز دورة حياة الفطر 80 يوما من بداية الزراعة وحتى القطاف.
ويضيف “يتميز الفطر المحاري بكونه من “الكائنات الحية” المتواضعة، ويمكن زراعة العديد من أنواعه في المنازل إذا ما توفر الحد الأدنى من مقومات البيئة المحيطة لهذا المنتج، ثم إنه لا يحتاج إلى مساحات واسعة كونه ينمو في كامل المكان المخصص له، بعكس الأنواع الأخرى”.
كما أن معظم الأنواع المزروعة في منطقتنا تتشابه في طرق العناية مع البيئة الحاضنة لميسيليوم الفطر، التي تحتاج إلى مكان مضبوط بشروط التهوية والتعقيم والحرارة وغيرها. ويمكن استخدام التبن العادي أو نشارة الخشب أو أوراق الأشجار كوسط لزراعة البذار فيها.
ويذكر البرقاوي بعض أنواع الفطر المحاري منها (الفطر الصدفي، الملكي، الريشي، الأبيض، فطر المحار الأصفر والذهبي وفطر عرف الأسد)، وتتشارك جميعها في الوسط والظروف المطلوبة للنمو، ولكن لكل نوع منها طريقة زراعة وعناية خاصة بها.
أسست المهندسة الزراعية بشرى اليونس في إربد مشروعها المنزلي لزراعة الفطر المحاري منذ العام 2022، حيث دفعها شغفها في عالم الزراعة وحبها لاختصاصها في الهندسة الزراعية وماجستير تغير مناخي وتنمية مستدامة، للتطوير من مهاراتها وأخذ دورات عدة موسعة فيه.
ساعدتها تلك المعارف على البدء في زراعة الفطر، في غرفة تبلغ مساحتها نحو 4*5م داخل منزلها، أي ما يتسع لما يقارب نصف طن من التبن “القش”. تقول اليونس “جاءت فكرة المشروع كمصدر للدخل الشهري ولاستغلال وقت الفراغ في المنزل بالعمل في مجال دراستي، وأطمح الى التوسع في المستقبل بزيادة كميات الإنتاج وزراعة أنواع أخرى، مثل الفطر الأبيض والفطر العلاجي”.
الى ذلك، إعطاء الدورات التدريبية المتخصصة في زراعة الفطر المحاري لسيدات المجتمع المحلي، لتمكينهن من العمل داخل بيوتهن، وعمل مختبر خاص لإنتاج أبواغ الفطر في المستقبل.
تستخدم اليونس الطرق البديلة للزراعة، وتعتمد على الخطوات ذاتها التي يتبعها أبو الرب، وتتلخص في التجهيز للمكان وتوفير المواد الأولية للزراعة ومن ثم البسترة والتعبئة.
وفقا لليونس، يمر الفطر خلال دورة حياته بمجموعة من المراحل بدءا من الإنبات وحتى النضوج، تستغرق المرحلة الأولية للزراعة أسبوعا، وتأخذ مرحلة النمو 15 يوما، وتستغرق المرحلة النهائية أسبوعا.
وتوضح “تمتد دورة حياة الفطر 85-90 يوما، وذلك يعتمد على العوامل البيئية المحيطة، والتي تحتاج إلى تهوية جيدة ومكان معزول تماما لضمان نجاح الزراعة”.
وتلفت اليونس، إلى تعدد ألوان وأنواع الفطر المحاري، منها الأحمر والأصفر والرمادي، ويرجع هذا الاختلاف إلى الخصائص البيولوجية للفطر ككائن حي، ويرتبط بالاختلاف في المذاق، ولكن القيمة الغذائية هي نفسها.
واجه كل من اليونس وأبو الرب جملة من التحديات في مشروعيهما، مثل ظهور ذبابة الفطر، وهي نوع من الحشرات التي تضع بيضها في أكياس الزراعة، وقد تتلف بعض المحصول وتمتد دورة حياتها إلى حوالي أسبوع. إلى جانب ظهور العفن الأسود والعفن الأخضر واصفرار بعض الثمار، وتعد جميع تلك التحديات محتملة الظهور ويمكن التغلب عليها والحد من انتشارها.
يذكر أن الفطر المحاري ينتمي إلى مملكة الفطريات، وهو كائن حي يتغذى على المواد العضوية ويحللها، وله فوائد بيئية عدة في تحقيق الاستدامة والتقليل من التلوث وتنقية الماء وتحسين جودة التربة.

علا أبو الخير/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة