“عدم توفر أراض” يعطل مشاريع لمجالس المحافظات
تحت إشكالية “عدم توفر قطعة أرض”، تبقى العديد من المشاريع الخدمية والتنموية المدرجة ضمن خطط مجالس المحافظات على قائمة التأجيل أو الإلغاء، في وقت يتطلب تجاوزها تخصيص مبالغ مالية واستملاك قطع أراض قد يفوق سعرها في بعض الأحيان موازنة المجلس كاملة.
هذه الإشكالية تعاني منها كافة مجالس المحافظات، في وقت تتراوح جهود تذليلها من مجلس لآخر، إلا أنها وبالأغلب تصل جميعها إلى نفس النتيجة.
“الغد”، وفي رصدها للمشكلة، اعتمدت عددا من المحافظات كأنماط ونماذج تكشف مدى تأثير المشكلة على أداء المجالس وطموحات تنفيذ مشاريع خدمية وتنموية مستعجلة.
ففي محافظة البلقاء، فإن عدم توفر قطع أراض مناسبة، أو عدم وجود قدرة مالية لشرائها من قبل الجهات المعنية بذلك حسب كل قطاع، أمر أعاق وما زال يعيق المضي بتنفيذ العديد من المشاريع، وفق رئيس المجلس إبراهيم نايف العواملة.
في حين أن توجه مجلس محافظة عجلون لتخصيص جزء من موازنته هذا العام لغايات استملاك أراض قد يعني عدم تنفيذ العديد من المشاريع الأخرى الملحة أيضا، بينما يتطلب تنفيذ مشاريع حيوية كمشروع الطريق الدائري التنموي المقترح منذ عدة سنوات إلى مخصصات استملاك ضخمة تفوق موازنة المجلس كاملة، وهي مشاريع وطنية تحتاج إلى مخصصات مركزية أو منح دولية لتنفيذها.
على نحو مشابه، تستمر مشاريع بناء مراكز صحية ومدارس وأبنية مديريات في محافظة جرش معطلة لعدم توفر قطع أراض، وهو الأمر الذي يخرج توجه التخلص من الأبنية الحكومية المستأجرة من برنامجه الزمني ويضعه على قائمة التنفيذ الآجل مفتوح المدة.
في حين تتعمق المشكلة أكثر في محافظة كإربد، والتي شهدت أسعار الأراضي ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الماضية تجاوز في بعض المناطق نسبة 500 %، ما فرض صعوبة بالغة في ملف استملاك قطع لغايات تنفيذ مشاريع.
ويرى رؤساء مجالس محافظات، أن الخروج من مأزق عدم توفر أراض لتنفيذ مشاريع خدمية أو تنموية، يكمن بتخصيص بند ضمن موازنة المجالس لغايات الاستملاك، وهو الأمر الذي يجب أن يسبقه زيادة موازنة المجالس.
ولفتوا إلى أن مشكلة غياب قطع أراض من الممكن أن تتأزم مع استمرار التوسع العمراني وارتفاع أسعار الأراضي.
بالعودة إلى مجلس محافظة البلقاء يقول رئيسه العواملة لـ”الغد”، إن قطاع التربية والتعليم، هو أكثر القطاعات التي تواجه تحديات وعقبات تتعلق بقطع الأراضي في المحافظة، مشيرا إلى أن عدم القدرة على توفير قطع أراض يعيق التوجهات إلى إنشاء مبان مدرسية جديدة للإسهام في حل مشكلة اكتظاظ الطلبة في العديد من المدارس.
ولفت إلى أن مجلس المحافظة يكون جاهزا لدعم إنشاء المدارس حال توفير قطعة أرض من قبل مديرية التربية كونها الجهة المعنية بذلك ضمن مواصفات وشروط تحددها، مشيرا إلى وجود منحة خارجية في الوقت الحالي لدعم إنشاء مدرسة في قصبة السلط، إلا أن عدم قدرة التربية لشراء قطعة أرض ما زال يحول دون القدرة على الاستفادة من تلك المنحة.
كما تطرق إلى أن العديد من المشاريع التي يتم التخطيط لتنفيذها، تواجه مأزق توفير قطع أراض، مثل مشروع إنشاء معهد للتدريب والتشغيل بالتعاون بين الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل التابعة للقوات المسلحة، ومجلس المحافظة، الذي أكد العواملة أنه ما يزال يواجه عقبة اعتماد قطعة أرض مناسبة من الأراضي التابعة لخزينة الدولة، وكذلك إنشاء مراكز صحية جديدة بدلا من المراكز الصحية المستأجرة المتهالكة.
وقال إن اللجوء إلى أراضي خزينة الدولة، يعد بديلا في حال عدم القدرة على شراء أو استملاك قطع أراض، لكنه لفت إلى أن هذا البديل يواجه عقبات أيضا تتعلق بإيجاد الأرض المناسبة لطبيعة المشروع المنوي تنفيذه، فضلا عن بطء الإجراءات وتعقيداتها وصولا إلى تخصيص أرض تابعة للخزينة.
وفي عجلون لا يبدو الحال أحسن، إذ ما تزال مبالغ غير قليلة من مخصصات مجلس المحافظة، ورغم محدوديتها، وتخفيضها في سنوات ماضية إلى حدود نصف المقترحة، تذهب لغايات استملاك قطع الأراضي لإقامة مشاريع خدمية كالمدارس والمراكز الصحية، في حين تأتي مخصصات أخرى لغايات الاستملاكات من مخصصات الوزارات المعنية.
وتبقى عشرات المراكز الصحية والمدارس المستأجرة على حالها بانتظار استملاك قطع الأراضي لها لإنشاء أبنية حكومية مناسبة ومؤهلة لاستيعاب كوادرها ومعداتها.
ويؤكد رئيس مجلس المحافظة عمر المومني، أنه ورغم محدودية المخصصات وتخفيض المقترحة، فإنه سيتم استملاك قطع أراض من مخصصات المجلس العام الحالي لإقامة مراكز صحية بدل المستأجرة في عجلون وراجب وحلاوة، وكذلك لإقامة مدرسة في منطقة صخرة، مشيرا إلى أنه يوجد في عجلون 20 مركزا صحيا مستأجرا ولا يستطع مجلس المحافظة تخصيص مبالغ مالية لاستملاك جميع تلك المراكز الصحية لضعف الموازنة.
وأوضح أن مخصصات الاستملاك للمشاريع الكبرى، وكذلك تنفيذها، خصوصا الرأسمالية، كمشروع الطريق الدائري والتنموي الذي اقترح قبل عدة سنوات في المحافظة، تعد أكبر من موازنة مجلس المحافظة، وهي مشاريع وطنية تحتاج إلى مخصصات مركزية أو منح دولية لتنفيذها.
وأكد ضرورة تفعيل اللامركزية وتفويض الصلاحيات من قبل الوزراء إلى المدراء التنفيذيين في المحافظات لضمان عدم التأخر في طرح العطاءات من قبل الوزارات المعنية، داعيا إلى رفع سقف موازنات مجالس المحافظات وتدويرها لسنوات لاحقة، لتمكين المجالس من إقامة مشاريع خدمية ومستدامة.
في جرش، ووفق رئيس لجنة السياحة والاستثمار في مجلس المحافظة الدكتور يوسف زريقات، فإن العديد من المشاريع يتم رصد مبالغ مالية لها بعد توفر قطعة أرض لإنشائها. ولفت أنه لا يتم تخصيص مبالغ مالية لشراء قطع أراض إلا للضرورة القصوى ويوجد بعض المشاريع التي تعثرت بسبب عدم وجود قطع أراض على النظام المعتمد في مجلس المحافظة.
وبين أن المجلس كان قد رصد من موازنته 200 ألف دينار لغاية إنشاء مدرسة في بلدة الكفير، وحال عدم توفر قطعة أرض دون تنفيذ المشروع وقد تم سحب المبلغ المرصود ولم يستفد منه المجلس.
وأضاف أن مشاريع كبناء المراكز الصحية تبقى معطلة حتى مع توفر المخصصات لحين توفر قطع أراض مناسبة للبناء، وقد تم بناء جملة من المراكز الصحية بعد قيام وزارة الصحة بتوفر قطع أراض مناسبة.
وتابع، من بين المشاريع المتعطلة مشروع بناء مبنى لمديرية وزارة الصناعة والتجارة بالمحافظة وذلك لعدم توفر قطعة أرض مناسبة.
ولعل مشروع نادي معلمي جرش من بين أهم المشاريع المتوقف تنفيذها بسبب غياب قطعة أرض مناسبة رغم مطالب بتنفيذ المشروع منذ سنوات، وفق زريقات.
وأقر مجلس محافظة جرش موازنة “تقشفية” للعام 2023 والبالغة 8.601 مليون دينار، وفق رئيس مجلس المحافظة رائد العتوم.
وبين العتوم أن الموازنة توزعت على 18 قطاعا تم فيها مراعاة الأولوية حسب دليل الاحتياجات.
وفي إربد يحول ارتفاع أسعار الأراضي دون قيام مجلس المحافظة بتخصيص جزء من موازنته البالغة 12 مليون دينار لغايات الاستملاك وتخصيصها لإنشاء مشاريع خدماتية كمراكز صحية ومدارس ومراكز تدريب وتشغيل مهني.
يقول عضو مجلس المحافظة محمد العزام في هذا الخصوص، إن موازنة لواء بني عبيد التابع لمحافظة إربد لا تتعدى المليون دينار لجميع القطاعات، وإن شراء قطعة أرض يحتاج إلى نصف الموازنة وبالتالي حرمان قطاعات أخرى من مخصصات الموازنة.
وأشار إلى أن سعر الدونم الواحد في بعض مناطق بني عبيد يتراوح بين 100 ألف دينار إلى 700 ألف دينار، وأن مساحة القطعة التي سيقام عليها أي مشروع خدمي كمركز صحي أو مدرسة تحتاج بالحد الأدنى إلى 4 دونمات.
ولفت إلى أن هناك مشروعا لإنشاء مركز تشغيل وتدريب في لواء بني عبيد، وأن المجلس مستعد لتخصيص ما يقارب المليون دينار كونه من أهم المشاريع التنموية، إلا أن عدم توفر قطعة أرض يحول دون تخصيص المبلغ وخصوصا وأن الجهة التي ستنفذ المشروع تشترط تخصيص الأرض أولا.
ولفت إلى أن هناك منحا لإقامة مدارس مهنية في لواء بني عبيد لإنهاء مشكلة اكتظاظ الصفوف في المدارس بقيمة 13 مليون دينار، إلا أن عدم توفر قطع أراض سيحرم المنطقة من بناء تلك المدارس وتضيع المنح.
وأكد العزام أن البلدية ترفض تخصيص قطع أراض لصالح وزارة الصحة والتربية، مبينا أن عدم توفر قطع يحرم المناطق من مشاريع خدماتية تخدم آلاف المواطنين.
وقالت عضو مجلس محافظة إربد ليلاس دلقموني إن هناك العديد من المشاريع الخدماتية توقفت بسبب عدم توفر قطع أراض، في حين فإن عملية شرائها ستكلف موازنة المجلس مبالغ طائلة في ظل موازنة ضئيلة تكاد لا تكفي لتنفيذ المشاريع.
وأشارت إلى أن أعضاء المجلس أصبحوا يبتعدون عند مناقشة الخطط عن طرح أي مشاريع يحتاج تنفيذها إلى قطع أراض رغم أن بعضها قد يكون مهما وحيويا.
ولفتت أنه ولضمان تنفيذ المشاريع وعدم عودة مخصصات من الموازنة إلى خزينة الدولة يتم التوجه إلى مشاريع مضمونة وسريعة التنفيذ.
ولفتت الدلقموني إلى أن مدينة إربد باتت تخلو من قطع أراض فارغة تزيد مساحتها على 3 دونمات، وبالتالي فإن العثور على قطعة أرض تكون مملوكة للبلدية ويمكن تخصيصها لقطاع الصحة أو التربية بات أمرا صعبا جدا.
وأكدت أن الحل يكمن بزيادة موازنات المجالس وتضمين بند شراء أراض ضمن الموازنات حتى تتمكن المجالس من البدء بشراء أراض وتدارك هذا الأمر قبل أن تشهد الأسعار مزيدا من الارتفاع.
وأوضحت أن الجهات الداعمة تشترط توفر قطع أراض من أجل إنشاء مدارس أو مراكز صحية، وبالتالي فإن محافظة إربد خسرت خلال السنوات الماضية العديد من المشاريع الخدمية التي كانت ستنعكس على مستوى الخدمات المقدمة للمواطن.
التعليقات مغلقة.