كيف تحولت كتائب القسام الى جيش منظم ؟
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
لطاما احتدم النقاش والجدل بتقديرات ونوايا مختلفة حول القدرات العسكرية لحركة حماس وتحديدًا ذراعها العسكرية ( كتائب القسام ) وبصيغ مختلفة قاربت تارة بين المبالغة في حجمها ونفوذها وأخرى بين التهاون والتقليل من قدراتها ووصفها بأنها مجرد تنظيم عسكري بسيط لا يوازي ولا يماثل عتاد وقدرات الجيوش النظامية في ابسط الدول الحديثة وأنها بالمستقبل غير قادرة على خوض حروب عسكرية طويلة الأمد أو الصمود في مواجهة اسرائيل نظرا لاختلال موازين القوى والتفوق الكمي والنوعي الواضح
وللرد على الشق الثاني من التصور المطروح اعلاه نتساءل لماذا اذا انتقلت قيادة الجيش ولأجهزة الأمنية الإسرائيلية في التعامل مع كتائب القسام من اعتبارها ( جناح عسكري ) لحركة حماس إلى وصفها بـ ( جيش حماس المنظم ) وذلك بعدما طورت قدراتها العسكرية من مجموعة مقاتلين وفدائيين متطوعين إلى قطاعات عسكرية دائمة مدربة ومؤهلة
حيث أصبح لديها قوات نظامية واحتياط ووحدات نخبة ومقاتلون بحريون وبريون وأسلحة متطورة كالطائرات المسيرة المتفجرة والصواريخ قصيرة وبعيدة المدى والصواريخ المقاومة للدبابات والدروع والمركبات والمناطيد والرشاشات والمدفع الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وبناء شبكة الانفاق الهائلة وهو ما ادى الى ارتفاع منسوب تهديداتها المحتملة على جنود ومواطنو الكيان الاسرائيل وقد ظهر ذلك جليا في العدوان الاخير على قطاع غزة وما فعلته صواريخ المقاومة من دمار في مستوطنات الغلاف والمدن الرئيسة وعلى راسها تل ابيب وعسقلان وبئر السبع وبقطر اجمالي مساحته لا يقل عن 80 كيلو متر ساد فيه الهلع والرعب حجز الاسرائيليين فيع بالملاجئ وتعطلت كافة الخدمات وسبل الحياة
لا يوجد حتى اليوم أي تقديرات دقيقة وموثقة حول وزن وقدرات كتائب القسام العسكري وسط الصعوبات الجمة للوصول إلى المعلومات المباشرة في ضوء الحيطة والتكتم الشديدين التي تفرضهما على منظومتها ولكن المؤكد في هذا الشأن هو حدوث قفزات متطورة في عمل القسام المقاوم رغم الحصار الخانق والعدوان المتكرر وهو ما يعيق قدرتها على التزود بمزيد من الوسائل والمعدات القتالية الحديثة بكميات كبيرة
ولهذا شرعت كتائب القسام ومنذ زمن بعيد في إنتاج وسائل قتالية محلية بقدرات فائقة كبديلً عن سياسة تهريب السلاح عبر أنفاق غزة اضافة الى تطوير تدريباتها ومناوراتها العسكرية التي تحاكي خلالها جيوش الدول وتحديدًا ( جيش الاحتلال الإسرائيلي ) بما تتضمنه من نشر للحواجز في الطرقات وإغلاق المعابر البرية والموانئ البحرية ومنع استخدام البحر لحين انتهاء التدريبات وذلك في اطار فحص جهوزية قواتها والأجهزة الأمنية الاخرى ومراجعة الاستعدادات لأي مواجهات مرتقبة ( ولكم المزيد في مراجعة مجريات وبرنامج مناورة الركن الشديد )
كتائب القسام تحولت في هيكلها ونموها وقدراتها وتنظيمها الى ما يشبه الجيوش النظامية حيث اصبحت تتكون من ( ستة ألوية يضم كل لواء 5 آلاف مقاتل منضمون في أربع أو خمس كتائب ويقدّر عدد عناصر القسام بـ ( 40 ) ألف مقاتل يتوزعون على العديد من الوحدات والكتائب القتالية التي تنتشر في جميع انحاء قطاع غزة لكل وحدة منها مهام محددة منوطة بها ومواقع سرية وعلنية تعمل انطلاقًا منها بثقة عالية وعلى قاعدة ( قصف مقابل القصف وتصعيد مقابل التصعيد ) ومواجهة مقابل مواجهة
وقد عززت القسام قواتها بوحدة ( الإسناد والإمداد والتموين ) المسؤولة عن توفير الدعم اللوجيستي من سلاح وذخيرة وغذاء وأدوية ووقود اضافة الى وحدة الإشارة والاتصالات. ومركز القيادة والتحكم الذي يوزع المهام وينشر التعميمات ويقود الحرب الإلكترونية وعمليات التشويش على حركة المطارات والسفن والمحطات الفضائية الإسرائيلية ومحطات التحلية والكهرباء والقطارات وانظمة الدفاع وغيرها بالإضافة الى اختراقها للترددات والمواقع الإلكترونية وهواتف الجنود وحساباتهم على مواقع التواصل المختلفة والعبث فيها
بمرور السنوات وتراكم الخبرات ومواكبة التحديث تطورت القسام في بنيتها التنظيمية بشكل اكبر من حيث الألوية والكتائب والفصائل التي تضم في داخلها وحدات مستقلة في حد ذاتها مثل قوات الكوماندوز ( النخبة ) والوحدة المضادة للدروع والهندسة والدفاع الجوي والقنص والمدفعية والهاونات ووحدة الاستشهاديين والكمائن والضفادع البشرية التي أتقنت عملها في عدة معارك واشهرها عملية ( زيكيم ) الجريئة فضلا عن استهداف القطع البحرية الاسرائيلية بالصواريخ والالغام البحرية والزوارق والغواصات الصغيرة المفخخة
يعتبر عام 2012 التوقيت الرسمي للنقلة النوعية لكتائب القسام في هيكلها العسكري فيما يشابه بناء الجيوش النظامية خاصة بعد الهزيمة الموجعة امام القوات الاسرائيلية مما دفعها الى تقييم الوضع والمباشرة في اعادة الهيكلة والتنظيم وتعزيز ترسانتها العسكرية بعيدة عن الطرق التقليدية والانتقال من المفهوم الضيق للحركة المقاومة أو التنظيم المسلح الى سلوك الجيش المنظم الذي يتبع خططًا في إدارة معاركه ويهيئ مقاتليه لمهام دائمة لا تنتهي مع انتهاء الحرب أو المعركة سواء في حالة النصر أو الهزيمة ليصبحوا وفقًا لهذه النظرية و التخطط جنودً شبه نظاميين يترقوا في رتبهم العسكرية و ( ليسوا مجرد فدائيين أو متطوعين )
كما كان لاستشهاد أعداد كبيرة من قادة الجناح العسكري على رأسهم احمد الجعبري في عام 2012 بمعركة ( عمود السحاب ) والتي استمرت لثمانية أيام والذي كان نائب الضيف وقائدًا تنفيذيًّا يشرف على العمل العسكري محفزًا إضافيّا لقائد كتائب عز الدين القسام ( محمد الضيف ) وهو اسم حركي واسمه الحقيقي ( محمد دياب المصري ) وهو الشخص الذي تفرض الكتائب والحركة سياجًا من السرية حوله ويعيش في عزلة وسرية تامة ولا يستخدم أيا من وسائل التكنولوجيا الحديثة حيث تم المضي قدما في اعادة عملية البناء والتي جعلت من الجناح العسكري أشبه بالجيش المنظم
وبناء على الخطة السرية التي وضعها الضيف مضت كتائب القسام في خطتها الشاملة للتطوير وقد وجد الضيف حينها دعما كبيرا من قادتها العسكريين على رأسهم محمد السنوار القائد الكبير في القسام وقد كانت نتائج هذه التطوير واضحة في الحرب الشرسة عام 2014 والتي تجسدت بالإجهاز من نقطة صفر على جنود النخبة الاسرائيليين والتسلل خلف خطوط العدو وأسر الجنود وحرب الأنفاق والضفادع البشرية
ومع انتخاب يحيي السنوار القيادي العسكري والأسير المحرر رئيسًا للمكتب السياسي داخل قطاع غزة عام 2017 ومعه في عضوية المكتب القيادي البارز ( مروان عيسى ) اضافة الى أغلبية من الأعضاء المدنيين الموالين لكتائب القسام والمحسوبين على جناح الصقور المتشددين مثل ( محمود الزهار وروحي مشتهى وفتحي حماد ) فقد سرع ذلك بشكل اكبر من وتيرة العمل نحو هذه الهيكلة وإعادة البناء العسكري لكافة وحدات الكتائب ناهيك عن إعادة علاقات الحركة مع إيران وسوريا اللتان تعتبران الدّاعم الأكبر لكتائب عز الدين القسام بالمال والسّلاح والخبرات
وللإفادة في ذات السياق القائد محمد الضيف رجل معروف بسرعة بديهيته غير العادية وذكاءه البالغ وحذره الشديد وهو من مواليد عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزة ويحمل شهادة بكالوريوس في علم الأحياء من الجامعة الإسلامية في غزة تبنى فكر حماس في بداية الثمانينيات وتعرض للاعتقال من جانب إسرائيل والسلطة الفلسطينية عدة مرات كان أبرزها في عام 2000 لكنه تمكن من الفرار مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية
وقد ذاع صيته نتيجة تنقلاته المستمرة كالأشباح وقدرته على التخفي والخروج بسلام في اصعب الظروف والاوقات ولا تتوفر له حتى اليوم اي صور واضحة سوى صورة وحيدة التقطت له قبل 20 عامًا يظهر فيها حاسر الرأس وعابس الوجه وحليق اللحية ويرتدي ينطلون وقميصً واثناء عمله تعرض لخمس محاولات اغتيال نجا منها فيما توفيت زوجته وداد 27 عامً وطفله علي البالغ من العمر 7 اعوام في غارة جوية إسرائيلية عام 2014 وقد ادعت اسرائيل في العدوان الاخير على غزة انها قريبة من اغتياله في محاولة فاشلة ومكشوفة للتأثير على معنويات المقاتلين ( حماه الله ورفاقه وكل المقاومين من كافة الفصائل الباسلة )
جميع العوامل السالفة الذكر ادت مجتمعة لإعادة بناء كتائب القسام من جديد وفقًا لخطة مرسومة بشكل محكم وبسرية تامة والتي ظهرت نتائجها في تحدي قوات الجيش الاسرائيلي مؤخرا بالقصف الصاروخي الكثيف والمتواصل للمدن والمستوطنات في المعارك الدائرة بينها منذ قرابة عشرة ايام رغم الغارات الاسرائيلية العنيفة والدمار الشامل وسقوط مئات الشهداء
يذكر تاريخيا ان البذور الأولى لكتائب القسام كانت في عام 1984 قبل الإعلان عن انطلاق حركة حماس ويعد القائد الشهيد ( صلاح شحادة ( المؤسس لأول جهاز عسكري للحركة عرف باسم ( المجاهدون الفلسطينيون ) ثم صار يحمل بعد ذلك اسم ( كتائب عز الدين القسام ) في أواسط 1991 وقد اعتبرت كتائب القسام منذ البداية ان الجهاد والمقاومة هما الوسيلة الأنقع والوحيدة لاسترداد الحقوق وتحرير الأرض ومن أهدافها العامة الاساسية تحرير كل فلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني
واعتبار القدس عاصمة فلسطين الأبدية وعودة اللاجئين وتعويضهم حق وواجب واطلاق سراح الأسرى دين في الأعناق وهو في رأس الأولويات مهما كلف من ثمن وان حقوق ابناء الشعب الفلسطيني لا تسقط بالتقادم وان الاحتلال وقادته سيدفعون ثمن جرائمهم بقتل الابرياء وانتهاك المقدسات والعدوان الهمجي على ابناء الشعب الفلسطيني في كل مكان هذه غيض من بعض من ثوابت كتائب القسام الراسخة والتي لا يمكن المساومة عليها مهما طال الزمن او قصر وحتى الشهادة او النصر
mahdimubarak@gmail.com