من هم المستهزئون الخمسة الذين قتلهم جبريل عليه السلام؟
هذا الخبر مشهور عند أهل السير والتفسير، أخرجه عدد من المصنفين، منهم الطبراني في ” المعجم الأوسط” (5/ 173-174)، قال: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أخبرنَا مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، وَقَالَ: ” الْمُسْتَهْزِئِينَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ أَبُو زَمْعَةَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْحَارِثُ بْنُ غَيْطَلٍ السَّهْمِيُّ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَشَكَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُ أَبَا عَمْرٍو الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، فَأَوْمَأَ جِبْرِيلُ إِلَى أَبْجَلِهِ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: كَفَيْتَكَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْحَارِثُ بْنُ غَيْطَلٍ السَّهْمِيَّ، فَأَوْمَأَ إِلَى بَطْنِهِ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: كَفَيْتَكَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَخْمَصِهِ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: كَفَيْتَكَهُ.
فَأَمَّا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَأَصَابَ أَبْجَلَهُ فَقَطَعَهَا، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَعَمِيَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَمِيَ كَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ، لَا تَدْفَعُونَ عَنِّي؟ قَدْ هَلَكَتُ أُطْعَنُ بِشَوْكٍ فِي عَيْنِي، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ غَيْطَلٍ فَأَخَذَهُ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ خَرَؤُهُ مِنْ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَوْمًا حَتَّى دَخَلَ فِي رِجْلِهِ شِبْرِقَةٌ حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهَا فَمَاتَ”.
ثم قال الطبراني: ” لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ إِلَّا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ” انتهى.
ومبشر ثقة.
وسفيان بن حسين تكلموا في روايته عن الزهري، وأما في غيره فهو ثقة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” سفيان بن حسين بن حسن، أبو محمد أو أبو الحسن، الواسطي، ثقة في غير الزهري باتفاقهم ” انتهى من “تقريب التهذيب” (ص244).
وجعفر بن إياس ثبت في روايته عن سعيد بن جبير.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” جعفر بن إياس، أبو بشر بن أبي وَحْشِيَّة: ثقةٌ من أثبت الناس في سعيد بن جُبير ” انتهى من “تقريب التهذيب” (ص139).
لكن فيه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ النَّيْسَابُورِيُّ، مجهول.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
” رواه الطبراني في “الأوسط”، وفيه محمد بن عبد الحكيم النيسابوري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ” انتهى من “مجمع الزوائد” (7/47).
ورواه البيهقي في “السنن الكبرى” (18/26)، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الفقيه، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، حدثنا سُفْيَانُ – اي ابن حسين -، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، قَالَ: (الْمُسْتَهْزِئُونَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ أَبُو زَمْعَةَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَالْحَارِثُ بْنُ عَيْطَلٍ السَّهْمِيُّ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ …) ذكر الخبر.
وقال الذهبي في “اختصار سنن البيهقي” (7/3508):
“إِسناده قوي” انتهى.
وتعقبه الدكتور أكرم ضياء العمري بقوله:
” صحح الذهبي الحديث (السيرة النبوية 143) ولكنه لم يسق إلا أعلى السند، وهو صحيح كما قال.
ونحن لا نعلم من أسانيدها الكاملة إلا ما ساقه البيهقي في الدلائل (2/ 316-318) وفي سنده أحمد بن يوسف السلمي لم أقف على ترجمته، ولولاه لكان السند لا بأس به. ” انتهى من “السيرة النبوية” (1/152).
لكن هذا التعقيب ليس بسليم؛ لأن أحمد بن يوسف السلمي ثقة حافظ.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
“أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري، أبو الحسن، حمدان، عن: حفص بن عبد الله، وعبد الرزاق، وخلق. وعنه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبو عوانة، ومحمد بن الحسين القطان، وعدّة. وكان حافظا جوالا” انتهى من “الكاشف” (1/205).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” أحمد بن يوسف بن خالد الأزديّ، أبو الحسن النيْسابوري، المعروف بحمدان: حافظ ثقة ” انتهى من “تقريب التهذيب” (ص86).
وأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قال الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته:
” الشيخ، العالم، الصالح، مسند خراسان، أبو بكر محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل النيسابوري، القطان …
وسماعه صحيح” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (15/319).
وأبو طاهر الفقيه، هو محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود الزيادي، الشافعي، من أئمة الفقه والحديث.
وعمر بن عبد الله بن رزين، ثقة.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
“عمر بن عبد الله بن رزين، عن ابن إسحاق، وابن طهمان، وعنه أحمد بن الأزهر، وأحمد بن يوسف وجماعة: ثقة نبيل” انتهى من “الكاشف” (2/64).
لكن قال عنه ابن حبان رحمه الله تعالى:
“عمر بن عبد الله بن رزين السلمي، من أهل نيسابور، يروي عن سفيان بن حسين الغرائب” انتهى من “الثقات” (8/438).
وهذا الخبر روي من طرق عن تلامذة ابن عباس رضي الله عنه.
ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق في “التفسير” (2/262) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ )، قَالَ: ( الْمُسْتَهْزِئُونَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، وَعَدِيُّ بْنُ قَيْسٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ مَرُّوا رَجُلًا رَجُلًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ فَإِذَا مَرَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: كَيْفَ تَجِدُ هَذَا؟ فَيَقُولُ: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ كَفَيْنَاكَهُ …” فساق كيفية هلاكهم مع بعض الاختلاف عن السياق السابق.
لكن في سنده عثمان الجزري ضعيف الحديث، وأما قتادة فمدلس ولم يصرح بسماعه لهذا الخبر من مقسم.
وروي أيضا عن عكرمة ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق أيضا في “التفسير” (2/263)؛ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، قَالَ: (هُمْ خَمْسَةٌ كُلُّهُمْ هَلَكَ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ: الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو زَمْعَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الطَّلَاطِلَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ).
وهذا إسناد رواته ثقات.
كما تتأيد هذه الروايات بأن هذا الخبر ورد عند أئمة السيرة، ومن ذلك، ما ساقه ابن هشام رحمه الله تعالى، حيث قال:
” قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُؤَدِّيًا إلَى قَوْمِهِ النَّصِيحَةَ عَلَى ما يلقى منهم من التكذيب والأذى والاستهزاء، وَكَانَ عُظَمَاءُ الْمُسْتَهْزِئِينَ، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: خَمْسَةَ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ وَشَرَفٍ فِي قومهم.
مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَي بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ أَبُو زَمَعَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي، قَدْ دَعَا عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَاهُ وَاسْتِهْزَائِهِ، فقال: اللهم أعم بصره، وأثكله ولده.
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ.
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ.
وَمِنْ بَنِي سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب: الْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْعَاصِ بْنُ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سعيد بن سهم.
وَمِنْ بَنِي خُزَاعَةَ: الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ لؤي بن مَلَكَانَ” انتهى من “سيرة ابن هشام” (2/ 50–51).
فالحاصل؛ أن هذه الأخبار يؤيد بعضها بعضا مما يبيّن أن لهذا الخبر أصلا، ومثله يستأنس به في التفسير والسيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
“والقصة في إهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش: منهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسودان ابن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس” انتهى من “الصارم المسلول” (2/316).
والله أعلم.
وكالات
التعليقات مغلقة.