في الذكرى الـ ٧٤ لتأسيس جمهورية الصين الشعبية
الدكتور موفق العجلوني
=
بقلم / السفير الدكتور موفق العجلوني
المدير العام / مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
تحتفل سفارة جمهورية الصين الشعبية في الأيام القادمة بالذكر الـ ٧٤ لتأسيس جمهورية الصين الشعبية،ويقيم سعادة السفير الصيني تشن تشوان دونغ حفلاِ بهذهالمناسبة حيث يشارك الأردنيون احتفال السفارةالصينية.وتأتي هذه المشاركة تعبيراً عن العلاقات التاريخيةالممتازة بيم البلدين الصديقين والمبنية على التقدير والاحترام والمصالح المشتركة. وانما يدل علىعمق هذه العلاقة الزيارات العديدة لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ولقائه بفخامة الزعيم الصيني شي جين بينغ. هذا و قد قام جلالته بزيارة الصين بصورة منتظمة منذ أن اعتلى جلالته العرش عام١٩٩٩، حيث قال جلالته :
اشعر بالإعجاب في الخطوات الكبيرة التي تخطوها جمهوريةالصين الشعبية في مجال التنمية من سنة لأخرى. وقد زارت زوجتي الملكة رانيا الصين أيضاً في الشهر الماضي، وعادت وهي معجبة بما شاهدت هناك. ومثل العديدين في المنطقة العربية، نحن نثمّن ونحترم الصين باعتبارها أنموذجاً للتنمية، ونقدر دور الصين المهم قوة عالمية على المستويين السياسي والاقتصادي. وأعتقد أن لدينا اليوم فرصة جديدة للبناء عليها للوصول إلى علاقة أكثر شمولية بين الصين والأردن ضمن الأهداف المُشْتركة التي تشمل الطاقة، وقضايا التنمية، وتوسيع الروابط التجارية، وتبادل المعرفة. إن الصين بلد يحظى بالكثير من الاحترام في العالم العربي، كما أننا ننظر للصين على أنها نموذج للتنمية الاقتصادية الناجحة. وكل هذه العوامل يمكن أن تشكّل أساساً لعلاقة استراتيجيّة تؤمّن لشعبينا صوتاً مسموعاً على المسرح العالمي وفرصاً جديدة لبناء مستقبل أبنائها.ونحن نتطلع إلى استمرار الصين في دورها القيادي. فلدى الصين مخزون عظيم من المصداقية في المنطقة، وآمل أن نتمكن، من خلال العمل معاً، من الاستفادة من ذلك لبناء علاقة أوسع بين الصين والشرق الأوسط.
فالعلاقات الأردنية الصينية تمتاز بالعمق والمتانة ا بين البلدين الصديقين، وعلى المستويات كافة وخاصةبما يتعلق بالقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، وكما هومعروف، فجلالة الملك عبد الله الثاني يولي اهتماما كبيراً بالعلاقات الاردنية الصينية وتطويرها على كافة الاصعدة وفي كافة المجالات.
ويقدرالأردن عالياً جهود جمهورية الصين الشعبية لدعمها الدائم للأردن في مختلف المجالات خصوصًا دعمها المستمر لمشاريع البنية التحتية والمشاريع في قطاعات الصحة والتعليم ومشاريع التنمية المحلية ما كان له الأثر الايجابي بتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين في الاردن.
ولاننسى ما صرحبه نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو يان دونغ، ان جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين يرتبط بعلاقات متميزة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وزار الصين خلال السنوات الماضية عدة مرات، مشيدا بالعلاقات المتميزة التي تمر بأحسن مراحلها بين البلدين الصديقين.
يشترك الأردن والصين بالعديد من الروابط التاريخية وخاصة في ميادين التجارة والنشاط العلمي والدبلوماسية ومجالات أخرى، وفي الرؤيا والإرادة المشتركة لبناء مستقبل قويّ وناجح، مستقبل يوفّر الازدهار الذي يريده الشعبين الاردنيالصيني، والفرص التي يستحقانها، والأمن الذي يعتمدان عليه. وهذه الأهداف هي القوة الدافعة التي تقف خلف الإصلاح والتنمية في بلدينا.
ومن الجدير بالذكر فقد تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات اتفاقيات ثنائية في العديد من المجالات الاقتصادية الهامة، حيث قامت مؤسسة تشجيع الاستثمار في الأردن بتأسيس مكتب تمثيلي لها في بكين، وهو المكتب الرابع من نوعه في العالم. بنفس الوقت فقط تم توقيع عدد من الاتفاقيات في شنغهايحيث تسهم هذه الاتفاقيات في دفع التجارة والاستثمار بين بلدينا.
هذا وقد تم تمّ اختيار سور الصين العظيم ومدينة البتراء في الأردن، من خلال التصويت عليهما عالميّاً، ليكونا ضمن عجائب العالم السبع الجديدة.ولا يستطيع أحد أن يتصور أيّاً من هذين المَعْلمين دون أن يشعر بالتقدير والإعجاب. ولعلّ أروع ما فيهما أنهما ينقلان لنا صورة عن روح الإنجاز والإبداع لدى البشرية وما يمكن أن يكون لهذه الروح من تأثير، عبر الأجيال وفي أرجاء العالم.إن بُناة سور الصين العظيم ومدينة البتراء تركوا بصمات إبداعهم العظيم وشجاعتهم شاهدةً على إنجازهم. والأمر هنا يتصل بمستقبل بلايين الناس ويجب علينا أن ننجح وبالعمل معاً، “فإنني على يقين بأن النجاح سيكون حليفنا.”
وهنا استذكر حديث فخامة الرئيس الصيني شي جينبينغ ” إن الأردن بلد مهم في منطقة الشرق الأوسط يتمتع بمكانة فريدة وتأثير مهم، ويسعى دائماً إلى تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة، ويعتبر صديقاً عزيزاً وشريكاً وثيقاً للصين. والصين على استعداد للعمل مع الجانب الأردني على دفع علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين على نحو أكثر عمقاً.
علاوة على تبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح المشتركة والحفاظ على اتصالات حول القضايا الدولية والإقليمية الهامة، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة؛ والعمل من أجل التكامل والاندماج فيما بين استراتيجية الصين لتطوير منطقتها الغربية والاستراتيجية الأردنية لـ”التوجه نحو الشرق”، لتعزيز حجم التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، والارتقاء بمستوى التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط.وتعزيز التعاون الدفاعي والأمني وبذل جهود مشتركة لمحاربة الإرهاب الدولي؛ وتعزيزالحوار الحضاري والتواصل الإنساني وتدعيم التشارك والاستفادة المتبادلة بين الأديان والحضارات المختلفة.
بنفس الوقتو في هذه المناسبة” في الذكرى الـ ٧٤ لتأسيس جمهورية الصين الشعبية ” استحضر حديث جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين: إن الأردن دائما ًيسحل إعجابه بالإنجازات التنمية المرموقة التي أحزرتها الصين، وهو على يقين بأن الحزب الشيوعي الصيني سيقود الشعب الصيني لتحقيق تقدم مستمر في عملية النهوض بالأمة. ويقدر الأردن عالياً دعم الصين للمملكة،واستعدادالأردن لتوسيع التعاون مع الصين في مجالات الاقتصاد والتجارة والكهرباء والطاقة والاتصالات والبنية الأساسية للسكك الحديدة والصحة وغيرها، ويرحب بمشاركة الشركات الصينية في مشاريع البناء في الأردن وفي مقدمتها مناطق التطوير الاقتصادي.و الأردن مستعد لتعزيز التعاون في مجالات الأمن وإنفاذ القانون، وتنسيق الجهود الرامية إلى ضمان سلامة المواطنين الصينيين والمؤسسات الصينية. وأن يكون رابطة الصداقة بين العالم الإسلامي والصين، مع الأمل في إجراء مزيد من التواصل الإنساني بين البلدين. ويقدر الجانب الأردني تقديراً عالياً دور الصين الإيجابي في تعزيز عملية السلام في الشرق الأوسط وإيجاد الحل السياسي للمسألة السورية، وهو مستعد للعمل مع الجانب الصيني على تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.
نعم اتفق مع سعادة السفير لدى الأردن السيد تشن تشوان دونغ وسعادة السفير الأردني لدى الصين السيد حسام الحسيني ، اننا نتطلع معاً نحو مستقبل أفضل للاحتفال بالذكرى الـ ٤٦ عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والأردن حيث اعلن في السابع من نيسان عام ١٩٧٧ رسمياً عن اقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة الأردنية الهاشمية، و هذا يؤكد على روابط الود والصداقة والشراكة بين البلدين ، حيث جعلت البلدين في صف واحد في مواجهة تحديات عالمية مشتركة وشكلت نموذجًا للعلاقات بين الدول ذات الأنظمة والحضارات المختلفة.
وكما هو معلوم فقد قطعت العلاقات الأردنية الصينية في هذه السنوات رغم البعد الجغرافي بين البلدين شوطا كبيرا من التطور السليم المستقر وجنت ثمارا ملحوظة من التعاون في شتى المجالات بالرغم من الأوضاع الدولية المتغيرة.
إن الثقة السياسية المتبادلة أساس متين للعلاقات الصينية الأردنية. فالعلاقات السياسية التي أسسها جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال رحمه الله عام ١٩٧٧ تعززت من خلال الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى بين البلدين، ففي ثمانينات القرن الماضي رافق جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والده جلالة الملك الحسين في زيارته للصين ومنذ تولى جلالته العرش عام ١٩٩٩ زار الصين ثماني زيارات هامة مما أنشأ صداقة عميقة مع القادة الصينيين، توجت خلال زيارة جلالته الأخيرة لبكين ،عندما أعلن جلالته وفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ عن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، الأمر الذي فتح فصلاً جديدا في تاريخ علاقات بلدينا الصديقين.
لطالما تبادلت الصين والأردن الدعم في العديد من القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والاهتمامات المشتركة، يجمعهما التنسيق المشترك والوثيق في الشؤون الدولية والإقليمية المبني على أساس الالتزام بالمبادئ والقيم المثلى والدفاع عن العدالة، وساهما معاً في دفع التسوية السياسية لمختلف القضايا الساخنة وخاصة تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
في العام الماضي تبادل زعيما البلدين جلالة الملك وفخامة الرئيس الصيني برقيات التهنئة بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الدولة الأردنية، والذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، أعربا فيهما عن العزم الراسخ والأكيد على تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية بما يعود بالخير على الشعبين، ويدفع العلاقات الثنائية نحو مزيد من النمو في المستقبل.
يشكل التعاون المبني على الاحترام والمنفعة المتبادلة دعماً قويا للعلاقات الصينية الأردنية. فالأردن بموقعه الجغرافي المميز كان محطة مهمة في “طريق الحرير” وممرا تجاريًا مهماً في الشرق الأوسط منذ عصور قديمة، وفي عام ١٩٧٩، وقعت الصين والأردن على اتفاقية تجارية دخل معها التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين مساراً متسارعاً ومضطرد النمو، واليوم يشارك الأردن بنشاط في البناء المشترك ” للحزام والطريق” بصفته واحة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ومركزاً مهماً للأعمال والاستثمارات. ففي عام ٢٠٢١ ارتفع حجم التجارة الثنائية بنسبة ٢٢٪ مقارنة بالعام ٢٠٢٠، ليتجاوز ٤،٤ مليار دولار أمريكي رغم ظل جائحة كورونا، وبزيادة تتضاعف معها حجم التجارة ٢٠٠ مرة مقارنة يما كان عليه في بداية إقامة العلاقات الدبلوماسية.
لقد أصبحت الصين أكبر مصدر للواردات للأردن، وثالث أكبر شريك تجاري له. استثمرت الشركة الصينية للتعدين “ SDIC” في شركة البوتاس العربية الأردنية وأصبحت أكبر مساهم فيها، وازداد مقدار أسمدة البوتاس الأردنية المصدرة إلى الصين بشكل كبير. كما شاركت الشركات الصينية في بناء المناطق الصناعية بمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة في الأردن، لتساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص العمل فيما أصبحت شركة جرش لصناعة الملابس والأزياء التي استثمرتها شركة من منطقة هونغ كونغ الصينية أول شركة في العالم العربي تُدرج في بورصة ناسداك، وفي الوقت نفسه، تزايدت الاستثمارات الأردنية في الصين خلال السنوات الأخيرة، كما شاركت الشركات الأردنية في العديد من المعارض التجارية الصينية مثل معرض الصين الدولي للاستيراد ومعرض كانتون، كما دخلت المزيد من المنتجات الأردنية المميزة إلى البيوت الصينية.
يعتبر التبادل الشعبي والثقافي رابطاً وثيقاً للعلاقات الصينية الأردنية. فعندما كانت الحضارة الصينية والحضارة العربية تتلألآن في تاريخ البشرية كان الأردن مركزاً لحضارة الأنباط العربية الخالدة، ومنها انطلق التبادل الشعبي والثقافي مع الحضارة الصينية عبر طريق الحرير. واليوم ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وقعت اتفاقية ثقافية والعديد من البرامج التنفيذية الثقافية، وتكررت الزيارات المتبادلة بين وفود في مجالات الشباب والثقافة والفن والرياضة والتعليم والصحافة وغيرها، انعكست بنتائج تعاون مثمرة ووضعت أساسًا راسخًا للصداقة بين الشعبين. في السنوات الأخيرة أقيمت في الأردن فعاليات ثقافية صينية عديدة مثل “عيد الربيع الصيني “و”معرض التراث الثقافي غير المادي”، وشاركت الفرق الفنية الصينية في مهرجان جرش عدة مرات ولاقت ترحيبًا كبيراً من قبل المواطنين الأردنيين، وازداد عدد الدورات التدريبية والمنح الدراسية التي تقدمها الصين للأردن عامًا بعد عام وتوسع حجم التبادل الطلابي بين البلدين باستمرار، حتى أصبح الأردن يعتبر من أكثر الدول جذباً للطلاب الصينيين لدراسة اللغة والثقافة العربية. كما مضى على تدريس اللغة الصينية في الأردن أكثر من عشر سنوات، وأصبح منصة مهمة للشباب الأردنيين الراغبين بطلب العلم والثقافة في الصين.
ففي بداية تفشي الجائحة أعرب جلالة الملك عبد الله الثاني لفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ في برقية التعزية عن دعمه الثابت للشعب الصيني في مكافحة الوباء، ووقف أبناء الشعب الأردني من جميع الأوساط مع الشعب الصيني، كما قدمت شركات أردنية مساعدات للصين، وقدم الطلاب والمغتربون الأردنيون المقيمون في الصين تبرعات ومساعدات إلى الصين. وبعد تفشي الوباء في الأردن، بادرت الصين بتقديم إمدادات ومساعدات طبية إلى الأردن، كما كان الأردن من أوائل الدول التي شاركت في التجارب السريرية للقاحات الصينية، وتبرعت الحكومة الصينية أيضاً بلقاحات للأردن، وسيواصل الأردن والصين التعاون لمكافحة الوباء في المرحلة القادمة حتى تحقيق النصر النهائي على هذا الوباء.
بنفس الوقت ، نتطلع بتوجيهات القيادتين الحكيمتين في البلدين الصديقين الى آفاقا جديدة ومستقبلاً واعداً، فالاحترام المتبادل والثقة المتبادلة، والصداقة التقليدية الراسخة بين بلدينا ،وترجمة التوافق الهام الذي توصل إليه قادة البلدين إلى أرض الواقع، سترتقي بالعلاقات الثنائية إلى مستويات جديدة، والعمل لتحقيق المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة، والاستفادة من فرص التكامل الاقتصادي وإمكانات التعاون لتعزيز الالتقاء بين مبادرة “الحزام والطريق” ورؤية الأردن ٢٠٢٥، ستعمق أكثر التعاون العملي في مجالات الطاقة والاتصالات والبنية التحتية والقدرة الإنتاجية والتنمية الخضراء وغيرها، والالتزام بتعزيز الصداقة والتفاهم بين الشعبين، سيجعل من الأجيال الشابة دعامة رئيسيةً للصداقة الأردنية الصينية، ويزيد في التبادلات الأهلية وغير الحكومية من أجل تحفيز الإبداع والالهام المتبادل وتعزيز التعايش وتبادل المعرفة.
في مطلع المئوية الثانية لمسيرتهما التاريخية، ستتكاتف الصين والأردن من أجل توطيد وإثراء علاقات الشراكة الاستراتيجية باستمرار، بما يعود بالخير على الشعبين الصديقين ويقدم مساهمة جديدة للتعاون الأردني الصيني والعربي الصيني نحو مستقبل مشترك.
وكما هو معلوم فقد قطعت العلاقات الأردنية الصينية في هذه السنوات رغم البعد الجغرافي بين البلدين شوطا كبيرا من التطور السليم المستقر وجنت ثمارا ملحوظة من التعاون في شتى المجالات يالرغم من الأوضاع الدولية المتغيرة.
لطالما تبادلت الصين والأردن الدعم في العديد من القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والاهتمامات المشتركة، يجمعهما التنسيق المشترك والوثيق في الشؤون الدولية والإقليمية المبني على أساس الالتزام بالمبادئ والقيم المثلى والدفاع عن العدالة، وساهما معاً في دفع التسوية السياسية لمختلف القضايا الساخنة وخاصة تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
عندما حضر الوفد الصيني اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة، أعلن بصوت عالٍ أن جميع الدول والشعوب المحبة للسلام والعدالة عليها واجب دعم نضال الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. ولا أحد يملك الحق في مقايضة حقوق الفلسطينيين ومصالحهم الوطنية بصفقات سياسية. وبعد مرور نصف قرن، لا تزال الصين تلتزم بأنها لن توقف دعمها للقضية الفلسطينية حتى يتم حل نهائي.
تؤمن الصين إيمانا راسخا بأن شعوب الشرق الأوسط هي سادة مستقبل المنطقة ومصيرها. وتدعم الصين الدول العربية بثبات في رفض اللعبة الجيوسياسية، واستبعاد التدخل الخارجي، والتمسك بالاستقلال الاستراتيجي، وتعزيز التضامن والتكامل وتقوية القدرة الذاتية، واستكشاف مسارات تنموية تناسب ظروفها الوطنية بإرادة مستقلة.
تدعو الصين إلى التسوية السياسية للأزمات الإقليمية عبر الحوار والتشاور، وتشجع المحادثات والمفاوضات من أجل وقف إطلاق النار وانهاء الحرب، وتبذل جهودًا متواصلة للحفاظ على السلام في الشرق الأوسط. طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي، مشيرًا إلى ضرورة بناء منظومة أمنية مشتركة وشاملة وتعاونية ومستدامة في الشرق الأوسط.
منذ العام الماضي، طرحت الصين مبادرات متتالية لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والحل السياسي للأزمة السورية، وتنفيذ حل الدولتين للقضية الفلسطينية.
أصدر مجلس وزراء الخارجية لجامعة الدول العربية قرارات بشأن تعزيز العلاقات مع الصين لسنوات عديدة، بما يجسد الرغبة القوية للدول العربية في تطوير العلاقات مع الصين. تدافع الصين والدول العربية بشكل مشترك عن التعددية ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحافظت على المصالح المشتركة للدول النامية، مما أبرزت قوة العدالة في العالم وعززتها.
يتطور التعاون الصيني العربي في الاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء والفضاء بزخم قوي لإخراج الإمكانيات. تستخدم تقنية 5G الصينية على نطاق واسع في المنطقة، وتساعد التحول الرقمي المحلي. نجحت الصين في إطلاق أقمار صناعية سعودية وجزائرية إلى الفضاء، وقامت بمشروع استكشاف القمر المشترك مع الإمارات. وتم إنشاء العديد من مشاريع توليد الطاقة الكهروضوئية في الأردن مصر والسعودية وقطر، واستثمارها وتشغيلها من قبل الشركات الصينية.
التنمية هي مفتاح حل الكثير من المشاكل. تتماشى مبادرة التنمية العالمية التي طرحها الرئيس شي جين بينغ إلى حد كبير مع الاحتياجات التنموية للدول العربية. ستشارك الصين والدول العربية في تنفيذ هذه المبادرة وبناء” الحزام والطريق” بجودة عالية، بما سيحقق بشكل أفضل المواءمة الاستراتيجية والتنمية المتناسقة والنمو المشترك، ويزيد من المزايا التكميلية والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك.
في السنوات الأخيرة، ذهب العديد من الشباب من الدول العربية إلى الصين للدراسة، وأصبحوا مبعوثين للتبادلات الثقافية الصينية العربية. يحظى تعليم اللغة الصينية بإقبال كبير، حيث أنشأت أكثر من 10 دول عربية، بما في ذلك الأردن، معاهدكونفوشيوس، كما قامت بعض الدول بدمج اللغة الصينية في برنامج التعليم الوطني الخاص بها. الإعفاء المتبادل من التأشيرات والتأشيرة عند الوصول يخدم تسهيل تبادل الأفراد بين الجانبين وزيادة التبادلات في مجالات الثقافة والسياحة والفن والرياضة والشباب والمرأة وغيرها.
منذ تفشي جائحة كورونا، تضافرت جهود الصين والدول العربية لمكافحة الوباء والتغلب على الصعوبات. ساعدت اللقاحات الصينية الدول العربية على تجاوز الأوقات الصعبة وحققت إنتاجًا محليًا كبيراً.
تشرفت بالمشاركة في ندوة فكرية في منتدى الفكر العربي في ١٤ كانون الأول عام ٢٠١٥ بعنوان:آفاق العلاقات العربية –الصينية،ناقشت ” اهمية الدور الصيني كلاعب اقتصادي بازر على مستوى العالم وتفعيله في دعم القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقال الامين العام للمنتدى الدكتور الصادق الفقيه خلال الندوة التي ادارها رئيس مجلس امناء جامعة اليرموك الدكتور فايز الخصاونة، انها ليست المرة الاولى التي يستضيف فيها المنتدى وفد من معهد شنغهاي، مؤكدا الاهمية الكبيرة والدور الذي تلعبه الصين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ودعا الفقيه الى حوار صريح ومشاركة فاعلة في القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية، مؤكدا الحاجة الى دور صيني أكبر في القضايا السياسية نظرا لكون الصين تعد الان قوة اقتصادية كبيرة ولا يستهان بها.
من جهته،اكد رئيس معهد شنغهاي للدراسات الدولية تشن دون شوا الحاجة الى فهم افضل بين الصين والدول العربية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، اضافة الى التخلص من الصور النمطية وتمتين العلاقات مع الدول العربية القائمة على العدل والصداقة اكثر من ارتكازها على النواحي المادية. وتطرق دون شوا الى المتغيرات الحاصلة في الدبلوماسية الصينية حيث اصبح الدور الصيني في العالم اكثر وضوحا وبروزا من ذي قبل، مرتكزة في ذلك على وضعها الاقتصادي كثاني اكبر اقتصاد في العالم، الامر الذي يمكنها من لعب دور سياسي في العديد من القضايا الدولية. واشار الى ان ثوابت الدبلوماسية الصينية ترتكز على امور اهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وسيادتها والاحترام المتبادل واضاف شوا ان الصين استطاعت في السنوات الاخيرة التكيف مع التطورات الحاصلة في علاقاتها مع الدول الصناعية المتقدمة اضافة الى بنائها شراكات وتحالفات مع الاقتصادات الناشئة كالبرازيل والهند، مشيرا الى النمو الاقتصادي لبلاده انعكس بشكل ايجابي على معدل دخل الفرد للمواطن الصيني.
وقد تطرق في تلك الندوة الى تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الاردن والصين الى الدور الصيني الايجابي والداعم للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث تدعو الصين باستمرار الى اقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وعاصمتها القدس. الى الاهمية التي تتمتع بها الصين كلاعب اساسي في الحياة الاقتصادية،والى المزيد من التعاون بين الصين والدول العربية وفي مقدمتها الاردن خاصة في المجالات الاقتصادية المتعلقة بقطاعات التعدين وانشاء وادارة الموانئ وفي المجال السياحي.
وقدسبق لي ان ترأست وفد الاردن لمنتدى التعاون العربي الصيني عام ٢٠٠٩ وما شاهدته في الصين خلال ١٢ يوماً وما سمعته من اصدقائنا الصينيين خلال المداولات كان مثار اعجاب وانبهار كيف يفكر الصينيون وكيف يتحاورون.
ويستحضرني حديث سعادة السفير الصيني السيد تشن تشوان دونغ:” أنه على مدى السنوات الماضية، ترسخت العلاقات بين الأردن والصين باستمرار، حيث عمل البلدان يدا بيد على حماية السيادة والأمن الوطني وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالرغم من تغيرات الأوضاع الدولية، مما شكل نموذجا للتعايش بين الدول ذات الحضارات والأنظمة المختلفة “. حيث أصبحت بعض المشروعات مثالا مميزا للتعاون العملي بين البلدين مثل شركة البوتاس العربية وشركة جرش لصناعة الملابس والأزياء ومدينة العقبة الصناعية الدولية ومجموعة طلال أبو غزاله العالمية والبنية التحتية المتعلقة بالاتصالات والطاقة التي شاركت في بنائها الشركات الصينية والمدينة الصناعية والمدينة الرياضية والمباني السكنية والمستشفيات ومرافق إمداد المياه المبنية بالدعم والمساعدة من الحكومة الصينية، فضلاً عن المساعدات الإنسانية المقدمة من الصين للاجئين السوريين في الأردن، لقد أتت هذه المشروعات التعاونية بالفوائد الحقيقة على الشعبين. منذ اندلاع وباء كورونا، تكاتف البلدان للتغلب على المحنة، الأمر الذي جسد الصديق في وقت الشدة.
ان الصين اليوم تمتلك أدوات مختلفة من القوى الناعمة والخشنة اضافة الى هيمنتها الاقتصادية التي تطغى خصوصا على قطاعي تكنولوجيا المعلومات والبحث العلمي، وقد برهنت الصين انها توازن بين مصالحها ومبادئها، ولا تغلب مصلحة على مبدأ، وان قيمها ومبادئها واضحة ومعلنة، وقد قدمت الصين دعما ماليا سخيا من خلال المساعدات لدول عدة.
العلاقات الأردنية الصينية، علاقات استراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ويسعى الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وباستمرار إلى تعزيز هذه العلاقات بمختلف المجالات وخاصة الاقتصادية والاستثمارية منها.وإن العلاقات بين البلدين الصديقين، والتي مضى عليها اليوم ٤٦ عامًا، استمرت في التطور على جميع المستويات حتى أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري للأردن. وانتقلت هذه العلاقاتمن مرحلة العلاقات العادية بين الدول، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بفضل حرص جلالة الملك عبد الله الثاني، والرئيس الصيني شي جين بينغ على تطويرها وتعزيزها، وتوسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات، وخاصة السياسية والاقتصادية“.
وان علاقات الصداقة القوية بين جلالة الملك عبدالله الثاني وفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ، كان لها الأثر الكبير في بناء علاقات راسخة ومتينة بين البلدين، وهما يحرصان باستمرار على تمتينها والبناء عليها بمختلف المجالات”، مشيرا الى أن العلاقات الأردنية الصينية شكلت نموذجًا للشراكات بين الدول ذات الحضارات والأنظمة المختلفة.
و الأردن يقدر عالياً مواقف الصين الداعمة للقضايا العربية العادة، ولموقف جلالة الملك المتعلقة بضرورة ايجاد تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، وفق القرارات الشرعية وحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، وتأكيد الصين الدائم أن أي خطة منفصلة عن مسار السلام في الشرق الأوسط، لن تحقق السلام الدائم في المنطقة.
بنفس الوقت نقدر عاليا ونثمن مواقف الصين الداعمة للمملكة بمختلف المجالات وخاصة الاقتصادية والاستثمارية”، وعلى الرغم من الظروف الراهنة في المنطقة، والتحولات السياسية على الساحة الدولية، إلا أن العلاقات بين الأردن والصين تسير بخطى قوية نحو آفاق أرحب وأوسع، لإيجاد مزيد من الشراكات وبما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبيين الصديقين.
و بهذه المناسبة العظيمة “ الذكرى الـ 74 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية ” يشاركني كافة افراد الشعب الأردن برفع خالص التهنئة و التبريك الى سعادة الصديق سفير جمهورية الصين الشعبية السيد تش تشوان دونغ والذي يواصل جهوده المثمرة ليلاً نهاراً في تعزيز العلاقات الاردنية الصينية و اخذها الى معارج التقدم والنجاح، متمنيين للشعب الصيني الصديق المزيد المزيد من التقدم والنجاح و الازدهار في ظل القيادة الصينية الحكيمة فخامة الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ .
مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية