مقاطعة منتجات الاحتلال ورعاته ضرورة تتطلب الاستمرارية والتوجه لسلع بديلة
بعد مضي 15 يوماً من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ما تزال حملات المقاطعة الشعبية للمنتجات وبضائع الاحتلال والأميركية والأوروبية الداعمة للاحتلال، تتصدر منصات التواصل الاجتماعي محليا وعربيا ودوليا.
الحملات التي دعا للمشاركة بتنفيذها نشطاء عرب، اتخذت أشكالا تعبيرية متعددة على المنصات، بينها إنشاء صفحات للمقاطعة، تحتوي على أسماء شركات منتجة لتلك البضائع، وانتشر وسم “قاطعوا البضائع الأميركية والإسرائيلية” على حسابات المواطنين الشخصية.
وهذه الحال، تحدث في كل حرب يقدم عليها الاحتلال، اذ تتنادى الاصوات بدعوات واطلاق حملات، تناهض اقتصاد العدو واقتصاد رعاته وداعميه، وتوجيه الاستهلاك الى المنتجات الوطنية والعربية، التي تضاهي منتجات الاحتلال ومسانديه، من حيث الجودة، وتتفوق عليها احيانا.
وتأتي هذه الدعوات، باعتبارها سلاحا اقتصاديا فعالا يسهم بكبح جماح العدوان الاحتلالي على الفلسطينيين، كون الاقتصاد عنصر أساس بتزويد آلته العسكرية الاجرامية، ولوجود مؤسسات وشركات داعمة له المحتل، أو علامات تجارية من دول تؤيد عدوانه، وتضخ له الدعم المادي والعسكري والسياسي.
وبرغم أن المقاطعة الاقتصادية للاحتلال الآنية، “بمنزلة حالة شعبية احتجاجية، لكن تأثيرها يبقى محدوداً، بحيث لن تطال أي من الاقتصادين الأميركي والإسرائيلي أضراراً جسيمة، تؤدي لوقف العدوان على غزة”، وفق خبيرين في الاقتصاد والسياسة.
ومع تنامي حجم صادرات أميركا للدول العربية بحيث وصلت لـ57.67 مليار دولار، فإن حجم صادرات العرب لأميركا يصل لـ63.85 مليار دولار، وفق تقرير صادر عن المجلس الإقليمي للغرف الأميركية في المنطقة العربية العام الماضي.
وفي وقت بلغ فيه استيراد الاحتلال للبضائع من المنطقة العربية العام الماضي 8.3 مليار دولار، فإن حجم صادرات الاحتلال إلى اقتصادات المنطقة، قدر بـ3.2 مليار دولار، وفقا لبيانات نشرها بنك الاحتلال على موقعه الإلكتروني، في نهاية آذار (مارس) العام الحالي.
الخبير الاقتصادي حسام عايش، أكد أن “دعوات المقاطعة لمنتجات الاحتلال والغرب الذي يسانده، وسيلة تعبيرية معنوية، يستخدمها المواطنون للتضامن مع أهالي قطاع غزة، وتعبير عن رفضهم للعدوان الإسرائيلي كذلك”.
وبرغم أن هذه الدعوات، من “الأسلحة المستخدمة في مواجهة عدوان الاحتلال، وكتعبير عن رفض للمواقف الغربية اتجاه ما يحدث في القطاع، لكنها تحتاج لأن تتسم بالشمولية والتأثير، لتصل الى نتائج فورية تؤثر في القرارات الاميركية والغربية”، وفق عايش.
ومن المفترض، من وجهة نظره، أن “تدعو الحكومات العربية لهذه المقاطعات، بالنظر الى حجم المشتريات العسكرية، والسلعية والخدمية، من الولايات المتحدة واسرائيل أيضا”.
وبين لـ”الغد”، أن “صادرات الاحتلال العسكرية بلغت العام الماضي أعلى مستوى لها على الإطلاق، فوصلت لـ12.5 مليار دولار، بينما ذهب ربع المبيعات إلى دول عربية”.
لكن “إيجاد بديل للسلع والخدمات الإسرائيلية والأميركية التي يجري استيرادها من الدول العربية، أمر في غاية الأهمية، لكنه لا يعني عدم الاستمرارية في المقاطعة من المواطنين”.
وشدد على أن “استمرار اتباع النهج ذاته في شراء المنتجات الإسرائيلية والغربية، يندرج ضمن أشكال التمويل المتعلقة بحصول الاحتلال على الآلات العسكرية التي يستخدمها في حربه على القطاع”.
كما ومن المهم، “تكوين شعور لدى الاحتلال والأطراف الغربية، بأن مصالحهم التجارية والاقتصادية معرضة للتهديد، ما يعني أن عدوانه ستدفع كلفته أيضا الدول المساندة له”، برأيه.
لذلك، لا بد وأن “تتخذ المقاطعة شكلاً منظماً، بعيدا عن ردة الفعل الآنية، لتؤثر في الاحتلال أولا، وفي الدول المساندة له ايضا، وأن تكون المقاطعة علمية، تتضمن مطالبة الدول العربية بإعادة مكتب المقاطعة للاحتلال الذي أُلغي في وقت سابق”، مضيفا أن “هنالك سلعا، وخدمات، ومنتجات تصنعها اسرائيل خصيصا للعالم العربي”.
وكانت جامعة الدول العربية أنشأت مكتب المقاطعة في العام 1951، وتتمثل مهمته بوضع لائحة سوداء مرتين في كل عام باسم الشركات الإسرائيلية (مقاطعة مباشرة)، أو باسم الشركات التابعة لدول أخرى، التي تُجري مبادلات تجارية مع الاحتلال.
وبرأي عميد كلية الأمير الحسين بن عبد الله لدراسات العلوم السياسية والدولية د. حسن المومني، فإن “حملات المقاطعة، تنم عن حالة من عدم الرضا والغضب الشعبي، تجاه ما يجري في القطاع، لكنها ليست كافية في مواجهة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في القطاع وبقية فلسطين”.
لكنها بحسبه “واحدة من أدوات تعزيز الرأي العام، باتجاه قضية معينة، وإرسال رسالة، ولكن إذا لم تكن ضمن استراتيجية، وخطوات عديدة مساندة لها، فإنها لن تحقق التأثير المطلوب”.
بيد أن “الدعوات لمقاطعة المنتجات، بدأت تظهر في العقود الماضية حالة تعبيرية لرفض أمر ما، أو عن عدم الموافقة على قضية معينة، لتصبح جزءاً من مظاهرة الاحتجاجات التي نشهدها دولياً”، وفقا له.
ولفت الى أن “مقاطعة الأردنيين لشراء المنتجات الأميركية على سبيل المثال، لن تحقق تأثيرا على الاقتصاد الأميركي، لكن تأثيرها قد يكون عكسيا ويطال الاقتصاد المحلي، بحيث تؤدي لإغلاق الاستثمارات الخاصة، وزيادة نسب البطالة”.
واستند على “حجم الصادرات الأردنية الى السوق الأميركي الذي قد يصل الى ملياري دولار تقريبا تقريباً، ما يعني أن المملكة بحاجة للإبقاء على علاقاتها التجارية مع أميركا”.
وبحسب بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، “وصل حجم التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية العام الماضي نحو 2.75 مليار دينار، في وقت ارتفعت فيه الصادرات الوطنية في الفترة ذاته بنسبة 6.2 %، لتبلغ 1.685 مليار دينار، مقارنة بـ1.586 مليار دينار العام 2021”.
كما زادت قيمة مستوردات المملكة من أميركا العام الماضي بنسبة 7.3 %، لتبلغ 1.060 مليار دينار، مقارنة بـ988 مليون دينار في 2021، وفقاً للبيانات ذاتها.
و”لكن، إذا ما نظرنا الى هذه المقاطعات عربيا، فإن الأسواق العربية تعد كبيرة، وتستقبل صادرات أميركية متنوعة، لذا، فإن تأثيرها حال فعلت المقاطعة، سيكون هائلا”، الا أن “تعميم المقاطعة عربيا غير ممكن، وإنما يبقى في إطار الحالات الفردية لا غير”، بحسبه.
ووفقاً لبيانات التجارة الخارجية التي تصدر عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، فإن حجم التبادل التجاري بين الأردن والكيان المحتل، لا يتجاوز الـ130 مليون دولار سنوياً.
وأبرز واردات الأردن من الاحتلال، هي الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية، والمنتجات المعدنية والصناعات الكيماوية والزراعية، بينما تصدر المملكة إليه خضراوات وفواكه، ومنتجات غذائية، وصناعات كيماوية، ومواد نسيجية.
المواطنة ميساء عبدالله، قالت إنها “تحولت عن استخدام المنتجات ذات العلامات التجارية التي تدعم الاحتلال، لصالح أخرى، بعضها محلي، رفضا منها لأن يذهب ما تدفعه في نهاية المطاف الى شراء رصاص وقنابل تقتل اطفال فلسطين على يد العدو الصهيوني”.
وبينت عبدالله أن “مبررات العديد من وكلاء هذه العلامات، بأن انتاجهم أو خدماتهم وطنية 100 %، هي حجج واهية، ومن المعروف أن هذه الوكالات، تدفع مبالغ ونسبا بشكل دوري الى أصحاب العلامات الأصلية”.
الطفل خالد محمد (9 أعوام) قال “اعتدت أن يصطحبني أهلي أسبوعيا إلى مطعم وجبات سريعة، لحبي لذلك المطعم، إلى جانب وجود مساحة جيدة للعب فيه، لكن مشاهدي للقتل الاحتلال لأطفال غزة الأبرياء، أصبحت لا أطيق حتى النظر إلى أبواب ذلك المطعم، بعدما رأيت صور وجبات تحمل علامته توزع على أفراد قتلة الاطفال من الفلسطينيين”.
ولفت خالد “في مطاعم كثيرة في البلد. شو يعني، ما في غيره (المطعم الذي تحدث عنه)، سأذهب الى مطعم عربي، وقد اوفر ثمن هذه الوجبة، لإرساله الى اطفالنا في غزة”.
أستاذ علم الاجتماع د.حسين خزاعي، قال إن “المقاطعة لسلع ومنتجات وعلامات تجارية، تحمل رسالة، نبعث بها للدول المنتجة لهذه السلع، بأننا نرفض سياساتها ونهجها في التعامل مع قضايانا، ومساندتها للحرب الأخيرة على قطاع غزة، مثل واضح في هذا الجانب”.
وأشار إلى أن دعوات المقاطعة، لا تتوقف عند منتج أو علامة تجارية، من الدول الممولة للحرب فقط، بل تتعداها أيضا، الى الدول التي تتعامل مع العدو وتدعمه”.
وأكد خزاعي، أنه “لنجاح هذه الدعوات وتحقيق تأثيرها المطلوب، أن تستمر ولا تتوقف حتى ينتهي الاحتلال، بمعنى لأي درجة يمكن لمجتمعاتنا الالتزام بها، وإلى أي فترة زمنية يمكن الاستمرار بها. هذه مسائل مهمة جدا لإنجاح أي حملة مقاطعة”.
من جهته، قال عضو غرفة صناعة عمان موسى الساكت، إن “المنتج المحلي، أثبت وفي أكثر من ظرف، قدرته على تلبية وتغطية حاجة السوق المحلية، ونيل ثقة المستهلك المحلي لجودته وأسعاره المناسبة”، والأهم من ذلك، فإن العائد على الاقتصاد الوطني، يكمن في تعزيز الطلب على المنتج المحلي، فكل دينار ينفق عليه يبقى منه 80 قرشا في اقتصادنا، ما يؤكد أن زيادة الاقبال على منتجاتنا، ذو قيمة اقتصادية تفوق ضعف الانفاق على المستورد.
وأكد الساكت، في ظل الدعوات لمقاطعة سلع وعلامات مستوردة، كنوع من الاحتجاج على الحرب التي فرضت على غزة، علينا زيادة وعي المواطنين، بأهمية المنتج المحلي، وجعله اولوية عند الاستهلاك، مبينا أن حملات سابقة نفذتها الغرفة، منها حملة “صنع في الأردن”، ساعدت على زيادة الاقبال على المنتج المجلي بنسبة 1.5 % سنويا.
وهنا تأتي أهمية دعم وتحفيز القطاعات الانتاجية محليا، لرفع تنافسيتها في السوق المحلية، بالإضافة لزيادة صادراتها، لافتا إلى أن الانتاج الصناعي لم يشهد تحسنا خلال العامين السابقين.
ووفقا لأرقام دائرة الاحصاءات، وعلى المستوى التراكمي انخفض الرقم القياسي العام للاشهر الثمانية الأولى العام الحالي 2.91 %، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فبلغ الرقم القياسي العام لكميات الإنتاج الصناعي 90.17 مقابل 92.87 للفترة نفسها العام الماضي.
ويوجد في المملكة 17 ألف منشأة صناعية، بحجم استثمار يقدر بـ15 مليار دينار، توفر قرابة 254 ألف فرصة عمل، بينما تصل مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 25 %، إذ ينتج القطاع الصناعي 1500 سلعة، بينما تصل حصة الصناعة إلى 46 % في السوق المحلية و17 مليار دينار إجمالي الإنتاج القائم.
التعليقات مغلقة.