الله مولانا
رقية محمد القضاة
=
حين تلتقي الشهادة والنصر معا ،وحين تتلقّى القلوب نبأ يحزنها،وتعرضه على يقينها،فيردها إلى حدائق الرضى والتسليم والاحتساب ،عندها ينقلب الحزن ،إلى وعد بفرح دائم ،وخير عميم، وبشرى تأنس بها الرّوح،تلك هي لحظات انجلت فيها غزوة [أحد ]عمّا هو في عرف البشر هزيمة ،ولكنّه عند الله مقدّمة لما هو أروع وأعظم من النّصر الآني ، إنّه بشارة المهابة التي سيلقيها الله في قلوب أعداء الإسلام لحملة لواء الجهاد والدعوة إلى منهج الله،والرّعب الذي سيظل أبدا مقيما في قلوبهم ، كلما نودي أن {لا إله إلّا الله}،والعهد الربّانيّ الباقي ما بقيت السموات والارض ،أن يبقى العزيز الكريم وليا للمؤمنين وناصرا،[بل الله مولاكم وهو خير النّاصرين# سنلقي في قلوب الذين كفروا الرّعب بما اشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا ومأواهم النّار وبئس مثوى الظالمين ] كانت غزوة بدر نصرا جليا لجند الله، وهزيمة ماحقة لعتاة قريش ،افنت رؤوس الكفر منهم، وأذلّت كبراء الإثم فيها،ومن بعدها إجلاء بني النّضير وتشتيتهم في آفاق الارض،وقريش مازالت تنوح على قتلاها بصمت واحتراق،وابناء فراعنتها المثبورين ،يلتفّون حول أبي سفيان ،يطالبونه بسرعة المسير إلى المدينة المنوّرة ،والإستعداد المحكم للقضاء على محمد وصحبه،اولئك الذين اذلّوا أنوف المتجبّرين،وقضوا على سادة الجهل والاستكبار في الارض،وابو سفيان يجيبهم إلى ذلك، ويعدّ العدة لحرب ستفني محمدا وصحبه،وهو أكيد من ذلك ،فالاستعداد تام ،والسيوف مسنونة ،والقلوب مشحونة بالحقد والثأر
ويتلاقى الجيشان عند جبل أحد ،جبل يحب النبيّ والذين آمنوا معه ،وهم يحبّونه،أحد أيا جبل الشهادة والبطولة والكماة،أحد وحمزة سيد الشهداء قد أعلى لواه،أحد يروي للدنيا أحاديث البطولة حين تأتلق بدم الشهادة ،ومشاهد الفداء وهي تتساوق مع الحب الصادق لله ورسوله ،
واحد يروي للتاريخ كيف يظل النّفاق أبدا ،مصدر وهن ووصمة عار في جبين روّاده،وعبد الله بن أبيّ المنافق العتيد ينسحب بأعوانه وهم قرابة ثلث جيش المدينة من وجه العدو متعللا بأوهن الحجج وأوهى الاعذار {لقد أطاعهم محمد وعصاني ولا أدري والله لم نقتل أنفسنا هنا أيها الناس} حقّا والله إنك لا تستحقّ أن تقتل في سبيل الله،وستظل عنوانا للنفاق الذي مردت عليه يابن سلول وستبقى سبة يضرب بك المثل بالخذلان والجبن ومعاداة الله ورسوله. وحين صاح الشيطان أن قد قتل محمّد، يذهل المسلمون عن انفسهم ويثبطون،وينادي رسول الله صلى الله عليه وسلّمأصحابه،فيرتد إليهم روعهم،ويلتفّون حوله يفتدونه بالأرواح والمهج،إنّهم اولئك الذين جاهدوا ،وآوو ونصروا ،وغيّروا وجه الدنيا الباسر ،وأحالوا شظفها الروحيّ ظلّا وزهرا، وندى وأريجا،وامطروا قتار البيد غدقا ،فاخضرّت بعد يبس ،وأورقت رغدا فكريا وحضاريا،ولم تثنهم كبوة عن المضيّ قدما إلى أعلى مراقي الفلاح ،ويشرف أبو سفيان على أرض المعركة من شاهق وينادي جيش المسلمين،:أفي القوم محمّد؟فيقول النبيّ صلى الله عليه وسلّم لا تجيوه،فيقول أفي القوم ابن أبي قحافة ؟قال لا تجيبوه،فقال أفي القوم ابن الخطاب ؟ولم يجيبوه فقال إنّ هؤلاء قتلوا،فلو كانوا احياء لأجابوا،فلم يملك الفاروق نفسه فأجاب:كذبت ياعدوّ الله،أبقى الله عليك ما يخزيك،قال أبو سفيان :أعل هبل،فقال المصطفى صلى الله عليه وسلّم أجيبوه ،قالوا:ما نقول:قال :قولوا {الله أعلى وأجلّ }قال ابوسفيان لنا العزّى ولا عزّى لكم:فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم اجيبوه ،قالوا :وما نقول قال :قولوا {الله مولانا ولا مولى لكم} وتنزل الكلمات على القلوب الكليمة مطرا من رحمة وندى من عطاء وفيض من سكينة وتسليم ،أو ليس غاية كل قلب أوّاب ،وكل روح مخبتة ،وكل نفس راجية أن يكون الله مولاها دون سواه،وان تسكن إلى جلاله وقد نعمت برضاه ،وأن ينسبها إليه سبحانه ،وغيرها ينسب إلى هبل والعزّى وبقية الشياطين ؟ الله مولانا ولا مولى لكم ويواسي النبيّ الحبيب صحابته فيمن فقدوهم من الأحبة ،وهو يدرك ألم الفقد ومرارة الفراق ،وقد استشهد حمزة عمّه والكثيرمن صحابته ، فيقول: {لمّا أصيب إخوانكم بأحد ،جعل الله أرواحهم في جوف طير ترد أنهار الجنّة ،وتأكل من ثمارها،وتأوي إلى قناديل من ذهب ،معلقة في ظل عرش الرحمن،فلمّا وجدواطيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا:من يبلّغ إخواننا عنّا أنّا أحياء في الجنّة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب ؟ فقال الله عز وجلّ: أنا أبلّغهم عنكم ،فأنزل عزّ وجل :{ {ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } } [اللهم إنّا نسألك أن تبلّغنا منازل الشهداء]