أغاني المقاومة: صوت الحرية في وجه الظلم والاحتلال
تلعب أغاني المقاومة دورا مهما في بث الأمل في النفوس عبر رسائل قوية تدعو إلى النصر والتحرير والصبر وصولا للانتصار، وتعبر عن روح التضامن والوحدة بمخاطبتها الوجدان والمشاعر. تلك الأغاني تعكس الوجه الحقيقي للمعاناة والظلم، وفي الوقت ذاته ترفع المعنويات في ظل حرب إسرائيلية دامية على غزة، وما يحدث من إبادة جماعية لأهالي القطاع.
“شدوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم.. ما ودعتكم راحت فلسطين ما ودعتكم”، ردد الأحرار هذه الكلمات في بقاع الأرض كافة وشاركها الملايين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بصوت الحاجة التسعينية التي تروي تجاعيد وجهها حكاية شعب يعيش حالة حرب منذ سبعة عقود ونصف؛ حيث تصف بدموعها حال الفلسطينيين الذين قصفت بيوتهم وتهجروا من مدنهم وعاشوا التغريبة مرتين.
ليست هذه الأغنية فحسب، فقد أحيت عملية طوفان الأقصى والعدوان الغاشم على غزة من جديد أغاني المقاومة منذ العام 1948 التي رافقت النكبة لتعود، من جديد لتشعل فتيل المقاومة وترفع الروح المعنوية والحماسية ويرددها الصغير قبل الكبير.
تسيدت أنشودة “سوف نبقى هنا.. رغم كيد العدا رغم كل النقم.. سوف نسعى إلى أن تعم النعم.. سوف نرنو إلى رفع كل الهمم.. بالمسير للعلا ومناجاة القمم.. فلنقم كلنا بالدواء والقلم”؛ حيث عادت من جديد وبالتزامن مع حرب غزة وإصرار الاحتلال الصهيوني على التهجير القسري لشعب غزة الصامد والمؤمن بأن هذه الحرب إما نصر أو شهادة لا ثالث لهما.
هذه الكلمات كانت دندنات تطبطب على جرحى القصف وناجين من تحت الركام، كانت السبيل للتخفيف عن الأطباء والممرضين والمسعفين الذين كانت تثقلهم هموم الجرحى ووجوه الشهداء الملطخة بالدماء التي كانت تملأ كل أرجاء المستشفى.
في حين رد أطباء مستشفيات قطاع غزة على منشورات الاحتلال الصهيونية التحذيرية بإخلاء المستشفيات تمهيدا لقصفها، بهذه الكلمات “سوف نبقى هنا.. كي يزول الألم سوف نحيا هنا.. سوف يحلو النغم موطني، موطني، موطني”، والتي أصبحت بعد ذلك الأكثر انتشارا ودافعا للروح المعنوية.
الكثير من أغاني المقاومة انتشرت بالتزامن مع حرب غزة والتي أصبحت الموسيقا الوحيدة التي يستمع إليها في كل مكان وفي المظاهرات والحشود الشعبية في الميادين وعبر مكبرات الصوت في الشوارع وكذلك المقاهي والمحال التجارية التي تصدح بأغاني المقاومة، لشد أزر المقاومين ورفع الروح المعنوية لكل من يتألم من أجل غزة.
وفي سؤال استنكاري حول ما يتعرض له قطاع غزة من جرائم حرب واستمرار آلة القتل والعدوان الغاشم على الشعب الأعزل، ترددت أغنية “هذا سلام”، لتصف من جديد الحال الذي وصل إليه قطاع غزة في الوقت الذي يتحدث به قادة العالم عن السلام “هذا سلام فلم السلام.. ونظرة تؤلم قلبي في المنام.. كلام بعد كلام وعين تنزف ماء.. في فضاء بين فضاء.. لا مكان له في الوجود”.
في حين كانت أغنية “طوفان الأقصى”، التي انطلقت بالتزامن مع عملية 7 أكتوبر، بمثابة أغنية للنصر والأمل والافتخار بما قام به أسود المقاومة الذين أثلجوا صدور أحرار العالم في كل بقاع الأرض “اللهُ أكبر إنه الطوفان.. يحيا الأسود ويسقط الطغيان… اليوم نغزوهم ولا يغزوننا.. لا شيء يمنع إن دعا الإيمان..اليوم نقتحم الخطوب وعزمنا.. متوقد وعنادنا الصوان.. لا خوف مرحى بالمنية إن أتت.. فالمبتغى من سعينا الرضوان”.
ومن جهة أخرى، ضج العالم الغربي قبل العربي بالأغنية السويدية التي أحيتها حرب غزة من جديد لتصبح بوصلة لجميع العالم والنغمة التي وحدت قلوب جمعها حب الفلسطينيين ووحدتهم القضية.
وقد اجتاحت الأغنية السويدية، التي حملت عنوان “تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية” شبكات التواصل الاجتماعي في السويد والدول الاسكندنافية، مع استمرار القصف على غزة وتزايد الدعم الشعبي العالمي للقضية الفلسطينية.
وتحدثت الأغنية التي قدمها الشاعر الفلسطيني من مدينة الناصرة جورج توتاري قبل 45 عاما، بعدما غادر إلى السويد إبان نكسة العام 1967، من خلال كلماتها ولحنها الذي أصبح أشهر من النار على العلم “تحيا فلسطين.. تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية… نحن شعب زرعنا الأرض.. وحصدنا القمح.. وقطفنا الليمون.. وعصرنا الزيتون.. كل العالم يعرف أرضنا”.
وللأغنية والكلمة، بحسب استشاري علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، أثر كبير في رفع المعنوية والروح القتالية وزرع الثقة بالنفس والتفاؤل والدافعية لدى الناس.
لذلك، فالكلمة سواء كانت شعرا أو محادثة أو أغنية لها تأثير كبير على النفس، وهذا ما ينعكس بشكل كبير على جميع المواقف التي يمر بها الإنسان، لذلك لابد من التركيز على أثر الكلمة، والموسيقا أيضا لها أثر في خلق حالة جديدة.
والأغنية تستخدم ومنذ القدم، بحسب مطارنة، في أوقات القتال لرفع الروح المعنوية للمقاومين، وكذلك معنويات الشعب المحاصر الذي يعاني ويلات الحرب والقهر.
ويقول مطارنة “الناس يعبرون بالأغنية عن إحساسها، وهو ما جعل انتشار أغاني المقاومة كبيرا جدا”، فقد أحيت عملية طوفان الأقصى أغاني المقاومة من جديد، وأصبح كثير منها سبيل الصبر على البلاء وسيطرة الاحتلال الصهيوني.
ويتابع مطارنة، أن ما يحدث داخل غزة زاد من انتشار تلك الأغاني، وكذلك الأناشيد الملتزمة التي تحمل عناوين المقاومة والتحرير والنصر والتعبير عن التضامن مع المقاومين والشعب الغزي.
وبدأت هذه الأغاني، وفق مطارنة، بأخذ منحى أكبر وأكثر انتشارا وتأثيرا على نفسية المتلقي بكلماتها وموسيقاها وإحساسها وتعزيز الشعور الحماسي.
يذكر أن أناشيد الثورة الفلسطينية قد ظهرت في الأعوام التي تلت انطلاقة الثورة الفلسطينية، وعلى الأخص حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في العام 1965، وشكلت لونا جديدا من الفن الذي أصبح يعرف بالفن المقاوم.
تأثرت الأناشيد الأولى بالأغاني والأناشيد القومية المصرية وركزت في البداية على الطابع العسكري، قبل أن تشمل مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية لفلسطينيي الشتات.
فبعكس الأناشيد الحديثة، كان العنصر الطاغي على الأناشيد القديمة هو توثيق الواقع الفلسطيني في مخيمات اللجوء، إضافة إلى التحفيز على المشاركة في العمل العسكري الفدائي والتغني بالصمود والمقاومة بأشكالها كافة.
بدأ بث الأناشيد الأولى مع انطلاق إذاعة صوت العاصفة، ولاحقا تم تغيير اسم الإذاعة إلى صوت فلسطين، بعد دمج الوسائل الإعلامية التابعة لمختلف الفصائل الفلسطينية في إطار جامع أطلق عليه اسم الإعلام الموحد.
من الشعراء الذين أسهموا بكتابة الأناشيد؛ سعيد المزين، صلاح الدين الحسيني، أحمد دحبور ومحمد حسيب القاضي. ومن الملحنين حسين نازك، صبري محمود، طه العجيل، وجيه بدرخان، علي إسماعيل، مهدي سردانة، كنعان وصفي، رياض البندك وعبد الحميد توفيق زكي. كما اقتبس لحن نشيد بلادي من النشيد الوطني المصري الذي كان قد لحنه سيد درويش.
التعليقات مغلقة.