“القسام” ثائر عربي صاغ شعار “هذا جهاد.. نصر أو استشهاد”
يحمل اسمه التنظيم العسكري الأكبر في المقاومة الفلسطينية.
مناضل أصله من مدينة جبلة السورية، كان صوتا وطنيا وقف منذ البدايات ضد الهجمة الاستعمارية على البلاد العربية.
أدى دورا لافتا في نشر الوعي والتحريض وتثوير جمهور الساحل السوري بحماسته وقدرته الخطابية، وخرج إلى الشوارع يقود الجماهير في جبلة واللاذقية ومدن الساحل وقراه.
ولد عز الدين القسام في بلدة جبلة في محافظة اللاذقية بسوريا عام 1883. وتربى في أسرة متدينة، لها حظ من العلم الشرعي، وكانت عائلته مشهورة بالعلم والصلاح ، وكان والده تقيا ورعا ملما بأصول الدين، وهذا ما جعله إماما لجامع سوق الحدادين في وسط بلدة جبلة.
قرأ القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة والحساب في الكتاتيب، ودرس مبادئ العلوم الشرعية على والده الذي أرسله إلى “الأزهر”، وبعد أن أمضى نحو ثماني سنوات في الدراسة تخرج من “الأزهر” عام 1906.
عاد إلى بلاده ليدرس في “جامع إبراهيم بن أدهم” التفسير والحديث، ويلقي الخطب حاضا على التمسك بشعائر الإسلام والأخلاق الإسلامية.
ولم يدم المقام به طويلا في بلدته فتوجه إلى إسطنبول بهدف الإطلاع على الأساليب المتبعة في الدروس الدينية في المسجد، وما لبث أن عاد إلى بلدته بعد أن قرر أن يتولى تعليم الأطفال في الصباح، وتعليم الكبار في المساء، ووظف كل طاقته وإمكاناته في التعليم والخطابة وقيادة المظاهرات ضد الاستعمار.
وعندما تمكن الاستعمار الإيطالي من الوصول إلى ليبيا انتقل من قيادة التظاهرات الشعبية إلى قيادة حملات تجنيد الشباب باسم “الجهاد” للدفاع عن “شرف المسلمين ومنع نزول المذلة بهم”. بحسب دعوته آنذاك.
تمكن عز الدين القسام من تجنيد مئات الشباب من الساحل السوري، وتعهدهم بالتدريب العسكري والفكري، وقام أيضا بحملة لجمع الأموال والمؤن الكافية للنفقة على المتطوعين وأسرهم ولمساعدة المجاهدين في ليبيا، ويقال إنه التقى المجاهد الليبي الكبير عمر المختار.
وحين احتل الأسطول الفرنسي اللاذقية والساحل السوري عام 1918، كان القسام أول من رفع راية مقاومة فرنسا في تلك المنطقة، وأول من حمل السلاح في وجهها، وكان من نتاج دعاياته أن اندلعت نيران الثورة .
وقد كان لـ”عصبته الجهادية” أثر شديد الوقع على الفرنسيين، فحاولوا إغراءه واستمالته لوقف حركته، وأخذوا يعدونه بتعيينه قاضيا شرعيا في المنطقة، ولكنه رفض دعوتهم، فلما عجز الفرنسيون عن استمالته وثنيه عن الجهاد، حكم عليه الديوان العرفي فيما كان يسمى “دولة العلويين” بالموت غيابيا، وصدر منشور يضم اسم عز الدين القسام وعددا من المجاهدين.
اتبعت فرنسا أسلوب الأرض المحروقة والبيوت المدمرة لإرهاب سكان الريف والمدن، فانتقل القسام إلى دمشق للدفاع عنها من الاحتلال الفرنسي، ثم غادرها بعد استيلاء الفرنسيين عليها عام 1920، فأقام في حيفا على الساحل الفلسطيني.
وفي حيفا عمل مدرسا وتولى الخطابة في “جامع الاستقلال” وأعلن أن الإنجليز هم رأس البلاء والداء، ويجب توجيه الإمكانات كلها لحربهم وطردهم من فلسطين، قبل أن يتمكنوا من تحقيق وعدهم لليهود (وعد بلفور).
علم أن الصهاينة يأتمرون للهجوم على “جامع الاستقلال”، فطلب وجوه المسلمين في حيفا من السلطات البريطانية أن ترسل قوة لحراسة المسجد من الهجوم المدبر، فثار القسام على هذا الاقتراح، وقال في خطاب ألقاه بهذه المناسبة: “إن جوامعنا يحميها المؤمنون منا، إن دمنا هو الذي يحمي مساجدنا لا دم الآخرين”، ووصف الطلب بـ”الجبن”.
ولما دعته السلطات للتحقيق في كلامه لم ينكره، فأُوقفه الإنجليز مما دفع بأهل المدينة لإعلان الإضراب، فاضطرت السلطات البريطانية إلى إخراجه من السجن، ويروى أنه في إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال: “من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا”، فأخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابا عاما.
واستطاع القسام في العشر سنوات التي أمضاها في “جامع الاستقلال” أن يحرض الناس على تلبية “نداء الجهاد”، وكان شعار القسام وتلاميذه: “هذا جهاد، نصر أو استشهاد”.
كان القسام يختار أعضاء التنظيم السري الذي شكله مستخدما منهجا يعتمد على السرية والدقة والحذر الشديد في اختيار الأنصار، فإذا اطمأن القسام إلى صاحبه، أدخله في حلقة سرية.
في أواخر عام 1928 خطا الصهاينة خطوة مستفزة حيث تداعوا من كل أنحاء فلسطين، وتدفقوا إلى المسجد الأقصى، فأثار هذا المسلمين، وتداعوا إلى حراسة المسجد الأقصى والدفاع عنه، مما دفع جماعة القسام إلى الانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الإعداد العسكري المسلح.
وجاءت “ثورة البراق” عام 1929 لتعجل بالتحضير العسكري، والانتقال من المرحلة السرية إلى المرحلة العلنية.
طلب القسام العون ممن حوله، وقام بالاتصال بكل الملوك والأُمراء والزعامات العربية في ذلك الوقت، ولم يلبى نداءه بالدعم والعون إلا الأمير راشد بن خزاعي الفريحات، وهو زعيم عربي أردني من عجلون، وقد اشتهر الخزاعي بمناهضته للانتداب البريطاني في بلاد الشام ودعمه للثورتين الفلسطينية والليبية، ويذكر أن القسام لجأ مرة إلى جبال عجلون مع عدد من الثوار، وكانوا في حماية الخزاعي.
كان يخشى أن يعتقل الإنجليز النخبة الصالحة من إخوانه، وكان يرى الخروج إلى الجبال والطواف بالقرى وحث المواطنين على شراء السلاح والاستعداد للجهاد. وبعد ساعة من إلقائه أخر خطبة له أخذت سلطات الانتداب تفتش عنه للقبض عليه ومحاكمته، ولكنه كان قد ودع أهله وإخوانه، وحمل بندقيته، وذهب وصحبه إلى الجبال عام 1935.
غادر القسام وصحبه حيفا، واتجهوا نحو قضاء جنين، وكان أصحابه في انتظاره برفقة الشيخ فرحان السعدي، وهناك أقاموا في مغارة في أحد جبال القرية، ثم انتقلت الجماعة نحو خربة الشيخ زيد قرب قرية يعبد.
وأصبحت تحركات الجماعة تلاقي صعوبة شديدة، فقد وصل إلى جنين عدد كبير من رجال المخابرات والجواسيس، وانبثوا بين الناس في قرى القضاء، وفي نفس الوقت وصل القسام وصحبه خربة الشيخ زيد، ونزلوا فيها في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1935.
وحين عرف القسام أن أفراد الشرطة يقتربون، أعطى للمجاهدين أمرا بألا يطلقوا النار على أفراد الشرطة العرب، وأن يوجهوا رصاصهم إلى الإنجليز، وقد ثبت المجاهدون وأبوا الفرار، وبدت أمامهم فرصة للنجاة عندما ناداهم الضابط البريطاني: “استسلموا تنجوا”، فأجاب القسام: “لن نستسلم، هذا جهاد في سبيل الله”، ثم هتف بأصحابه: “موتوا شهداء”، فردد الجميع: “الله أكبر الله أكبر”.
وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلا، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، ارتقى الشيخ عز الدين القسام وبعض رفاقه شهداء في معركة “أحراش يعبد”، وجرح وأسر الباقون.
ونقلت جثامين الشهداء من ساحة المعركة إلى جنين، ثم أرسلت إلى حيفا لتسلم إلى ذويها، وصدرت الصحافة المحلية تحمل نبأ وفاة القسام في صفحاتها الأولى، وعندما وصل النبأ إلى الناس أقفلت حيفا محالها، وتدفقت إلى بيت القسام، وجاءت الوفود من جميع أنحاء فلسطين لتشارك في تشييع الجنازة، وأخذت المآذن تزف الخبر في جميع أنحاء البلاد، وحمل الناس نعوش الشهداء، واتجهوا إلى جامع الجرينة (النصر).
كان لمقتل القسام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وكانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك، إذ من المؤكد أن أتباع القسام لم يلقوا السلاح بعد مقتله، بل قاموا بتنظيم أنفسهم، وأصبح القائد الخليفة هو الشيخ فرحان السعدي، وبقيادة السعدي بدأت الثورة الكبرى (1936-1939).
اختارت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسمه لتطلقه على جناحها العسكري الذي أعلن رسميا عام 1991 تحت اسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، ولم تجد “حماس” اسما آخر يتوافق مع برنامجها في تحرير فلسطين، وهدفها الوطني والقومي الذي أعلنته وقت تأسيسها سوى اسم المجاهد السوري العربي عز الدين القسام، بوصفه رمزا للشهادة والبطولة، ورمزا لوحدة الأمة العربية على هدف واحد وهو محاربة الاستعمار الأجنبي وتحرير فلسطين.
علي سعادة// الغد
التعليقات مغلقة.