المنتخب الوطني.. أفكار مشتتة في مواجهة غضب جماهيري متصاعد
تعادل المنتخب الوطني مع مضيفه منتخب طاجيكستان 1-1، قبل أن يتعرض أول من أمس للهزيمة على أرضه وبين جماهيره في ستاد عمان الدولي، على يد المنتخب السعودي بهدفين نظيفين، الأمر الذي زاد من “الموقف الحرج” للجهاز الفني للفريق، والذي يقوده المغربي حسين عموتة، بعد سلسلة من النتائج السيئة منذ توليه المسؤولية خلفا للعراقي عدنان حمد.
يتأهل أول منتخبين عن كل مجموعة في التصفيات المزدوجة، إلى الدور الثاني المؤهل إلى كأس العالم، ويحتل المنتخب الوطني الآن المركز الثالث خلف السعودية (6 نقاط) وطاجيكستان (4 نقاط)، والأخيرة تغلبت خارج أرضها أول من أمس، على باكستان 6-1، ما يزيد الضغط على المنتخب الوطني المطالب خلال الفترة المقبلة، بالتغلب على باكستان بنتيجة أكبر، مقابل الفوز على طاجكستان في لقاء الإياب، وهي مهمة تبدو سهلة على الورق، لكنها صعبة بالنظر إلى المعطيات التي قدمها اللاعبون في المباريات الست الأخيرة.
لم يحقق المنتخب الوطني الفوز في 6 مباريات (4 منها ودية)، خاضها تحت قيادة عموتة، تلقى خلالها 4 هزائم مقابل تعادلين، وسجل 5 أهداف في هذه المباريات بمعدل أقل من هدف في المباراة الواحدة، فيما تلقفت شباكه 16 هدفا، بمعدل 2.6 هدف في المباراة الواحدة.
هي أرقام مخيبة بكل تأكيد، خصوصا عند مقارنتها بالمنحى التصاعدي الذي سار عليه الفريق فنيا في مبارياته الأخيرة تحت قيادة حمد، الذي ما يزال الشارع الكروي ينتظر من الاتحاد تقديم الأسباب التي أدت إلى عدم تجديد عقده، قبل فترة قصيرة من انطلاق نهائيات كأس آسيا في كانون الثاني (يناير) المقبل.
رغم مخاوف جماهيرية بشأن انتهاء العلاقة بين حمد والمنتخب الوطني، استلم عموتة المهمة وسط تفاؤل كبير، بالنظر إلى سيرته الذاتية، فهو الذي قاد الوداد المغربي للفوز بلقب دوري أبطال أفريقيا، ونال مع المنتخب المغربي لقب كأس أفريقيا للمحليين، كما كون لنفسه اسما تدريبيا مرموقا في الملاعب القطرية.
سرعان ما بدأت رقعة التفاؤل تتقلص تدريجيا، بسبب الأداء المخيب للمنتخب الوطني في الخسارتين الوديتين أمام النرويج (0-6) وأذربيجان (1-2) في نافذة أيلول (سبتمبر) الماضي، ثم خاض الفريق الدورة الرباعية الودية في عمان ضمن نافذة التوقف الدولية الشهر الماضي، والتي خسر فيها مباراته الأولى أمام إيران 1-3، قبل أن يتعادل مع العراق 2-2 (خسر اللقاء بركلات الترجيح).
كان بديهيا أن يمنح النقاد عموتة الفرصة الكافية لترك تأثير على أداء الفريق، وعدم الحكم على المستوى العام بعد مباراتي النرويج وأذربيجان، خصوصا وأن المباراة الأولى جاءت أمام فريق متخم بنجوم من الملاعب الأوروبية، لكن تصريحات المدرب فيما بعد، وضعته أمام أسهم النقد، وربما أدرك لاحقا، أن مهمة تدريب منتخب وطني، تختلف كليا عن تدريب الأندية، أو منتخب رديف يمكنه تجميع لاعبيه بطريقة أسلس، نظرا لعدم احتوائه على محترفين في الخارج.
طلب عموتة تأجيل إحدى جولات دوري المحترفين الشهر الماضي، من أجل تجميع اللاعبين في وقت مبكر، والتعرف إلى قدراتهم بشكل أفضل، وكان له ما أراد، فبدأت التمارين مبكرا، بانتظار قدوم المحترفين من أنديتهم وفقا للمواعيد المحددة من قبل الاتحاد الدولي، من دون أن يصيب التحسن أداء ونتائج المنتخب.
الأمر مشابه في فترة التوقف الحالية، حيث خدمت جدولة دوري المحترفين عموتة، من خلالة منحه وقتا أطول لتجميع اللاعبين المحليين، بيد أن الحال بقي على ما هو عليه، من دون وجود علامات على التحسن.
كان المدرب يصرح قبل كل تجمع، بأنه يحتاج لفترة أطول للتعرف إلى إمكانيات اللاعبين عن كثب، لكن الحقيقة تقول: “إنه حصل على وقت أطول من بقية مدربي المنتخبات التي واجهها، كما حصل كغيره على فرصة مراقبة اللاعبين في الدوري المحلي، ومشاهدة مباريات المحترفين في الخارج، لوضع تصور منطقي لاستثمار قدراتهم”، ما يؤكد أن المشكلة الأساسية لا تكمن إطلاقا في فترات التجمع، بل تعود إلى أسباب فنية أخرى.
ومن تصريحات عموتة الأخرى التي أثارت حفيظة المراقبين، قوله: “نلعب أمام فرق أعلى منا تصنيفا”، فكل من يتابع كرة القدم على المستوى الدولي، أن تصنيف الاتحاد الدولي (فيفا)، ليس مقياسا حقيقيا للمقارنة.
لغة الجسد تدل أيضا على الموقف الصعب الذي يعيشه عموتة، فهو الذي بدا متوترا عند انتهاء المباراة أمام العراق بالتعادل، علما بأن الفوز بركلات الترجيح لن يقدم أو يؤخر شيئا، ونضيف إلى ذلك، العصبية التي شابت تصريحاته للصحفيين، عند الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بالفريق قبل ملاقاة السعودية.
فنيا، لا يوجد شكل واضح للمنتخب الوطني، رغم العلامات التي أظهرها الفريق في محاولة تطبيق أمور جديدة، وهو إن دل على شيء، فإنه يدل على وضوح أفكار عموتة، لكنها قد لا تناسب توليفة اللاعبين الموجودة أمامه.
في المباراتين الأخيرتين، استغرب المراقبون من تشكيلة المنتخب الوطني التي احتوت على ثلاثة لاعبين في خط الوسط، غير قادرين على تقديم الإضافة الهجومية، بحكم أدوارهم الأساسية كلاعبين أصحاب نزعة دفاعية، الأمر الذي ترك مساحات فارغة بين خطي الوسط والهجوم، وعزل الثلاثي الأمامي في أوقات عديدة، وشعوره بالإرهاق نتيجة لاضطراره العودة كثيرا إلى الخلف لاستلام الكرة، من دون الحصول على الدعم المطلوب.
المشاكل الدفاعية تبدو واضحة للعيان، وهناك تسيب شبه تام على طرفي الملعب، مع عدم وجود توازن في الأدوار الدفاعية والهجومية للظهيرين الأيمن والأيسر، الأمر الذي يزيد الضغط على قلبي الدفاع وحارس المرمى الذي بدوره، تلقى 16 هدفا، من دون أن تتم تجربة حارس آخر بدلا منه في الفترة ذاتها.
الحارس يزيد أبو ليلى، لا يتحمل مسؤولية الأهداف التي دخلت مرماه، رغم أنه في بعض اللقطات ربما توجب عليه التصرف بشكل أفضل، لكن صمت الجهاز الفني وعدم القيام بتصرف فني مسؤول، زاد من صعوبة موقف الحارس أمام الجمهور الذي بات ينادي بإقصائه من التشكيل الأساسي.
والأمر نفسه ينطلق على لاعبين آخرين، منهم من فقد مكانه الأساسي في تشكيلة ناديه، ومنهم من هو على أعتاب نهاية مسيرته الكروية، ليتفاجأ هو نفسه باستدعائه للمنتخب الوطني.
كثير من اللاعبين لا يلعبون في المنتخب بمراكزهم الأساسية المعتادة، وهو أمر مفهوم لأن للجهاز الفني نظرة في قدرات اللاعبين يجب الأخذ بها، بيد أن استبعاد لاعبين آخرين من القائمة رغم عدم وجود من هو قادر على تقديم الإضافة نفسها في القائمة، بات أمرا محيرا، وعدم استدعاء لاعب الوسط صاحب النزعة الهجومية المعتدلة ابراهيم سعادة إلى القائمة الأخيرة، خير دليل على ذلك.
الأمر الأكثر إرباكا، هو استدعاء 3 لاعبين من المنتخب الأولمبي بإلحاح من عموتة في النافذة الأخيرة، من دون أن يستعين بأي منهم ولو لدقيقة واحدة، وبهذا يكون المدرب المغربي، حرم نظيره في المنتخب الأولمبي عبدالله أبو زمع، من فرصة الاستعانة بهم في المعسكر التدريبي الأخير في السعودية.
وتبقى مشكلة التبديلات هي الأمر الأكثر إثارة للدهشة، فليس من المعقول إجراء 4 تبديلات فقط خلال مباراتين، في قائمة تضم 26 لاعبا، علما بأن الاتحاد الدولي، سمح منذ انتهاء أزمة “كورونا” بإجراء 5 تبديلات في المباراة الواحدة.
وكان واضحا، انخفاض المستوى البدني للمنتخب مع انتصاف الشوط الثاني، وكان من شأن التبديلات أن تمنح الفريق سيقانا منتعشة، بيد أن عموتة قرر على نحو مثير للدهشة، إجراء تبديله الأول والوحيد في مباراة طاجسكتان في الدقيقة 89.
يتبقى أقل من شهرين على انطلاق نهائيات كأس آسيا 2023 في قطر، والتي وضعت المنتخب الوطني في مجموعة متوازنة إلى جانب كوريا الجنوبية والبحرين وماليزيا، وما تزال الفرصة سانحة أمام عموتة لتدراك الأخطاء التي وقع فيها جهازه الفني في المباريات الست الماضية، والحديث عن إقالته أمر بعيد عن الواقعية في الفترة الحالية، لأنه بالفعل يحتاج للوقت لترك بصمته، لكن الجمهور أيضا يتوقع تقدما طفيفا بعد كل مباراة، وهو ما لا يحدث حاليا.
ليس منطقيا على الإطلاق، إيقاف المسابقات المحلية في الفترة الحالية لتجميع المنتخب قبل كأس آسيا، خصوصا وأن الكثير من اللاعبين الأساسيين يلعبون في الخارج، إلا أن إجراء نقاش موسع بين الجهاز الفني والاتحاد والمعنيين كافة، بات ضرورة ملحة، يتم فيه وضع النقاط على الحروف، من خلال تحديد الهدف الأساسي من كل مرحلة، والأخذ بعين الاعتبار مشاركة المنتخب الأولمبي في كأس آسيا تحت 23 سنة خلال شهر نيسان (أبريل)، من أجل الموازنة بين أهداف المنتخب الأول، والرغبة في تحقيق حلم المشاركة في أولمبياد باريس 2024، وحينها تصبح الأمور أكثر وضوحا، لتتاح أمام عموتة وأعوانه فرصة تصحيح المسار.
التعليقات مغلقة.