هل يتجاوز قطاع السياحة بمادبا مأزق “إلغاء الحجوزات”؟

يواجه قطاع السياحة بمحافظة مادبا، كغيرها من محافظات المملكة، تحديات متجددة نتيجة تداعيات الحرب الصهيونية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من 60 يوما، تجلت في انخفاض وصف بـ “حاد وغير متوقع”، لحجوزات السياحة باتت معه المنشآت السياحية تعيش فترة حرجة.

وفي ظل توقعات كانت تشير إلى انتعاش مرتقب بناء على أداء مميز في المواسم السابقة، يعكس التراجع الحالي تحولا غير متوقع، وتشهد الحجوزات تراجعا يفوق النصف في بعض الأحيان، بينما يتحدث البعض عن تراجع تجاوز سقف الـ 85 %.

ويتحدث أصحاب منشآت سياحية بمادبا لمواجهة هذا الوضع عن ضرورة اتخاذ خطوات فورية، من بينها تقديم إعفاءات وخصومات لتخفيض الكلف التشغيلية، للحفاظ قدر الإمكان على نشاطهم، وسط تفاؤل بتحسن الأوضاع في المستقبل القريب.
ويرافق الحديث عن مستقبل القطاع في هذه المرحلة، التساؤلات عن الفرص المتاحة لدعمه، مع التأكيد على أن القطاع يحتاج إلى تدابير فاعلة ومستدامة وسريعة.
ويشير مستثمرون ومهتمون، أن القطاع السياحي يتسم بالمرونة في العودة السريعة، بالرغم من الخسائر التي ممكن أن يتكبدها، مدللين على ذلك بما خلفته “جائحة كورونا” التي ألقت بظلالها على القطاع السياحي، واستطاع القطاع العودة السريعة مجددا والتعافي، وهو ما يعطي الأمل بقدرة القطاع على تجاوز هذه الفترة الحرجة.
وتشير إحصاءات سياحية إلى انخفاض بعدد سياح محافظة مادبا خلال الشهرين الماضيين بنسبة 50 %، ليبلغوا نحو 600 ألف سائح، على عكس المتوقع مع انتهاء العام الحالي المأمول منه أن يصل عدد السياح نحو مليون سائح لولا تأثيرات العدوان الصهيوني على غزة الذي أدى إلى تراجع في أعداد السياح وفق مصدر من وزارة السياحة.
يقول صاحب أحد الفنادق شارل طوال، إن التراجع شكل صدمة وانتكاسة لأصحاب المنشآت السياحية، مشيرا إلى أن هناك توجها لدى أصحاب المنشآت السياحية بإغلاق مشاريعهم بسبب عجزها عن تغطية كلفها التشغيلية ودفع رواتب العاملين فيها.
بينما يدعو صاحب مطعم سياحي الحكومة إلى ضرورة الالتفات الجاد للقطاع السياحي والمشاريع السياحية، التي باتت عاجزة عن سد كلفها التشغيلية والتي يهدد إغلاقها عشرات الموظفين بفقدان وظائفهم، من خلال اتخاذ إجراءات تتضمن تنشيط السياحة ومنح المنشآت السياحية إعفاءات خاصة، معتبرا مادبا الأكثر تأثرا مقارنة مع بقية الأماكن السياحية في المملكة.
وقال مدير أحد البازارات للتحف الشرقية أحمد نصار، إن عملية الشراء شبه متوقفة منذ بدء الحرب على غزة، ما أدى إلى زيادة التعثر المالي مع الأعباء المالية التي تفرضها رسوم التراخيص والضرائب وفواتير الكهرباء وغيرها الكثير من النفقات، وهو ما يتطلب من الجهات المعنية الالتفات أكثر إلى أوضاع القطاع وتقديم ما أمكن له.
في المقابل يرى المهتم بالشأن السياحي عاطف المعايعة أن التوترات الإقليمية المحيطة يمكن استثمارها لجلب السياح إلى الأردن وخاصة مادبا، لأن هناك فرصة واعدة أمام السياحة الأردنية لجعل التحديات التي تواجهها مناسبة ويمكن استثمارها لجلب السياح إليها بصفة أن المملكة دولة مستقرة وآمنة.
على صعيد متصل، يشير النائب الدكتور عبد الرحيم الأزايدة إلى ما يوليه مجلس النواب من اهتمام بأوضاع القطاع السياحي وما يواجهه من تحديات.
ولفت إلى توجه سريع لإجراء دراسة مستفيضة من اللجان المختصة في مجلس النواب لإيجاد الحلول المناسبة التي تسهم في إنعاش القطاع السياحي الذي يشكل ما نسبته 14 % من الناتج المحلي ويسهم في رفد ودعم الاقتصاد الوطني.
وأضاف إلى تكثيف الجهود والعمل على التسويق والترويج لمختلف المواقع السياحية  والأثرية في المملكة وبخاصة مواقع الحج المسيحي، مشيرا إلى أن القطاع السياحي يعاني من العديد من التحديات، خاصة مع تفاقم الاوضاع السياسية والأمنية في الاقليم.
وبين الأزايدة أنه تم تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن “السياحة النيابية” ولجنة الاقتصاد والاستثمار، بهدف تشخيص الواقع السياحي، والتباحث في المشاكل التي تواجهه والعمل على إيجاد حلول لها.
وفي هذا السياق، كشف رئيس لجنة السياحة والآثار في مجلس النواب المهندس مجدي اليعقوب أن الحرب على غزة أثرت بشكل كبير على معدلات وفود السائحين إلى الأردن، خلال الشهرين الماضيين، مشيرا إلى أن نسبة الغاء الحجوزات بلغت نحو 85 %، موضحا أن أكثر المواقع  السياحية والأثرية التي تأثرت بما حدث كانت واجهات البترا و الأماكن الدينية المعتمدة للحج  المسيحي وهي: جبل نيبو، قلعة مكاور، المغطس، تل مار إلياس، كنيسة سيدة الجبل.
وأكد  اليعقوب أن اللجنة النيابية المعنية بالسياحة والآثار تسعى دوما وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة إلى تذليل جميع المعيقات وإيجاد الحلول الجذرية لها، لتهيئة بيئة سياحية منافسة عالميا،
وفيما يخص المواقع السياحية بمادبا، قال إن موقع قلعة مكاور، يحظى بأهمية سياحية وتاريخية ودينية، فهو أحد المواقع الخمسة على درب الحج المسيحي المعتمدة من الفاتيكان، والذي يشمل أيضا المغطس وجبل نيبو وكنيسة سيدة الجبل ومار الياس، لذلك  يلاقي هذا الموقع الديني كل الدعم لتطويره كونه نقطة مهمة على الخريطة السياحية وجاذبا للأفواج السياحية وإقامة الاستثمارات، قائلا “هذا ما نطمح له في القريب العاجل وفق الرؤى الشمولية التي وضعناها وبدأ بتنفيذها من قبل وزارة السياحة والآثار”.
وذكر مدير الإعلام في  وزارة السياحة أحمد الرفاعي في وقت سابق، “أن الوزارة شكلت على نحو مستعجل لجنة تضم مؤسسات الدولة المعنية بقطاع السياحة بهدف تعزيز الحملات التسويقية في مختلف الفعاليات والمعارض السياحية، والتأكيد على أمن الأردن وسلامة المجموعات السياحية”.
وأكد الرفاعي “أن من مهام اللجنة أيضا دراسة الأثر الاقتصادي لانخفاض عدد السياح، ومدى تأثيره على العاملين في هذا القطاع الحيوي، والذي يساهم بما نسبته 18 % من الدخل القومي للأردن”.
يذكر أن القطاع السياحي في محافظة مادبا يعد رافدا مهما للاقتصاد المحلي الذي يعتمد  سكانها على مشروعات سياحية منتجة، وخصوصا أن مادبا المحافظة تتمتع بإمكانيات سياحية عالية، وبخاصة السياحة الدينية والبيئية والعلاجية وسياحة المغامرة والاستكشاف. وأصبحت مادبا مقصدا مهما للسياحة الدينية ومدينة للحج المسيحي خصوصا بعد زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في عام 2000، وزيارة قداسة البابا بندكتس السادس عشر في 2009، ما ساهم بارتفاع عدد السياح للمدينة و لموقع جبل نيبو من 37 ألف سائح في عام 2002 إلى 400 ألف سائح في عام 2010، وفق أرقام رسمية.
وتضم محافظة مادبا، 22 فندقا ما بين تصنيف نجمة إلى أربع نجوم بسعة 596 غرفة فيها نحو 1139 سريرا و 31 مطعما سياحيا ما بين نجمة وحتى ثلاث نجوم، ويوجد في مادبا نحو 29 مشغلا متخصصا بعمل الفسيفساء والبسط والتطريز إضافة إلى الرسم بالرمال، وتضم نحو 33 متجرا متخصصا في التحف الشرقية، ويوجد في المحافظة 5 مكاتب سياحية وسفر وحج وعمرة.

أحمد الشوابكة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة