“الإضراب الشامل”.. صوت عالمي لوقف العدوان الوحشي في غزة
– حالة من التفاعل العالمي مع الحرب الوحشية على قطاع غزة، حيث شهد العالم إطلاق المئات من الفعاليات المناهضة للحرب، كان آخرها أمس الاثنين، بإعلان إضراب شامل، شاركت فيه عدد من الدول، من بينها الأردن التي أبدت تفاعلا كبيرا في رسالة صمت عالمية لقادة الرأي لرفض جرائم الاحتلال والابادة الجماعية الحاصلة في “غزة” على أمل ان تكون تلك الخطوة مؤثرة.
عشرات الشعارات التي تم إطلاقها والدعوة من خلالها للإضراب، والرسالة يمكن التقاطها على ابواب المحال المغلقة، والتي تعمد اصحابها وضع بطاقات كُتب عليها “إضراب نصرة لأهلنا في غزة”، وبعض من العبارات التي تشيد بصمود الشعب الفلسطيني، والدعاء لهم بالفرج والقوة والنصر.
ومن خلال موجة عارمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تكاتفت المحال التجارية والمؤسسات الاقتصادية، وحتى عدد كبير من المدارس الخاصة في المملكة تجاوبت مع الدعوة للإضراب، وبالفعل تم تطبيقه، وإصدار بيانات تعلل وتبين السبب من الإضراب والغاية منه، كنوع من التضامن وعمل إجراءات فعلية على أرض الواقع. ومن مختلف دول العالم توالت البيانات الداعمة والداعية للإضراب يوم أمس “الاثنين”، سواء في دول اوروبية، والولايات المتحدة، والدول العربية، وخرج العديد من المؤثرين في العالم لإنجاح الإضراب ليكون مؤثراً وقادراً على إحداث تغيير وإيصال الرسالة للقادة، بل وصل الأمر إلى إعلان بعض الدول رسمياً مشاركتها في الإضراب، ليتوازى الموقف الرسمي مع الشعبي.
وأشادت قوى المقاومة “بالحراك العالمي الداعي للإضراب الشامل، والدعوة للمشاركة العالمية فيه”، كنوع من التعبير عن “حرب الإبادة الجماعية والمجازر الصهيونية بحق المدنيين العزل من أبناء قطاع غزة”، وفق بيان المقاومة، والضغط باتجاه وقف هذا العدوان الهمجي، ومعاقبة كل الداعمين له، وتجريمهم، وصولاً إلى محاكمتهم كمجرمي حرب.
الدول الأوروبية، رغم تواضع المشاركة في الإضراب العالمي؛ أعلن جزء من مؤسساتها ومحالها التجارية المشاركة في الإضراب، على أمل ان يكون لشعبهم الرافض للحرب على غزة، موقف وتأثير على سياسة دولهم، وكما هو الحال في العديد من دول آسيا، وأفريقيا كذلك، بيد أنها في عدة دول عربية بدت معالم الإضراب واضحة جداً، في دلالة على التفاعل المجتمعي مع القضية الفلسطينية.
“الإضراب هو حق”، ولا يمكن لأحد منع أي شخص من الإضراب كوسيلة لإيصال رساله بالشعور بالظلم والأذى، حيث كان الإضراب تاريخيا وسيلة للتعبير “الصامت”، ليكون الآن أحد الطرق التي يتبعها “أحرار العالم” في تعبيرهم عن رفضهم لكل ما يقع من ظلم على غزة ومواطنيها، ومما ضاعف من “الغضب العالمي والذي يتم ترجمته بالإضراب”، حيث تحدث القائمون على الحملة، وهم ناشطون وجمعيات مناهضة لإسرائيل وداعمة لغزة، أن هدفهم من الإضراب “شلّ حركة الحياة في كل الدول بالتزامن مع إفشال الولايات المتحدة وبريطانيا مشروع قرار في مجلس الأمن يلزم إسرائيل بوقف الحرب على غزة.
براءة الغلاييني، إعلامية من غزة، تعطل عملها منذ الحرب، ولكنها ومن خلال حسابها الشخص على الإنستغرام، تبث يومياً معاناة الشعب الغزي، وتلك التفاصيل الموجعة بين العائلات، وجهت رسالة إلى العالم من خلال مقطع فيديو تقول فيه “نحن متفائلون جداً بما قد يحدث بعد الإضراب، تقدروا تضغطوا على الحكومات وقفوا مصالحكم يوم فقط لأجلنا ونحن نتعلق بقشة لإزالة هذه الحرب عن شعبنا، ولا تستهينوا بكل شخص فيكم، على امل ان يتوقف شلال الدم لدينا ونتمنى ان يكون هناك أثر”.
الأردن، والذي يعتبر الأقرب وجدانياً إلى فلسطين، كانت معالم الإضراب بادية على آلاف المحلات التجارية وفي مختلف المحافطات وعدة قطاعات، بل ان كثيرين تعمدوا إعلان مشاركتهم في الإضراب من خلال الإعلان مُسبقاً عبر حساباتهم في مواقع التواصل، الأمر الذي دفع الكثير من المحال إلى التفاعل مع بعضها بعضا والحث فيما بينهم على الإضراب، والذي أظهرته مختلف الصور والمقاطع التي تم بثها.
أحد المحال كتب القائمون عليه عبر حسابهم الخاص بالقول “نصرة لأهلنا في غزة ورفضا للعدوان الغاشم والجرائم الوحشية التي يتعرض لها اهلنا في غزة وسائر المدن الفلسطينية والاستباحة المستمرة للمسجد الاقصى من قبل المستوطنين، وكذلك انسجاما للدعوات العالمية للاضراب الشامل والمطالبة بوقف العدوان واطلاق النار على اهلنا في غزة نعلن الإضراب عن العمل اليوم الاثنين”، وهذه تُعد إحدى طرائق الدعوات الفردية. وبعكس ما يعتقده الكثيرون، الإضراب لا يشمل فقط المحال التجارية الكبرى او المدارس الخاصة التي شاركت في الإضراب، أو الشركات الخاصة، بل ان كثيرين حالوا أن يكونوا جزءا من هذه الحملة التفاعلية الحقوقية في العالم، ومثال على ذلك، أحد المطاعم الصغيرة في إحدى قرى السلط، أعلن مشاركته في الإضراب، وكتب مالكه على حساب المطعم عبر فيسبوك يقول “اقل ما نستطيع فعله، إغلاق مطعمنا وذلك أضعف الايمان، إضراب شامل من أجل وقف العدوان على قطاع غزة يوم الاثنين، لأجل دمائهم المهدورة ليلاً نهاراً، يجب علينا أن نشارك بكل خطوة تسعى لرفع الظلم عن اهلنا في قطاع غزة”. وعلى الرغم من ان كثيرين يعتقدون بأنها تظاهرة اقتصادية فقط، إلا أنها سلوك مجتمعي في ظل العالم المادي، الذي تتحكم به كبرى الدول الاقتصادية، ويؤكد خبير الاقتصاد المجتمعي حسام عايش أن الإضراب له شكل آخر كذلك، كأن يكون إضراباً تربوياً في المدارس والجامعات وتخصيص محاضرات تتعلق بالقضية الفلسطينية، بشكل توعوي ومعرفي، عن كيفية التضامن وتحويله إلى قيمة اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ومعرفية، ومناصرة فلسطين بالطريقة التي تؤثر في الرسالة التي نود إيصالها للعالم.
ومن وجهة نظره، يرى عايش أن الإضراب لو كان لبضع ساعات قليلة قد يكون افضل، كأن يجتمع المسؤولون في الشركات والمحال التجارية، واقتطاع جزء من الوقت للتحدث عن كيفية لعب دور اقتصادي أفضل للقضية، والذي من شأنه كذلك دعم المواقف السياسية من جانبٍ آخر.
ويعتقد عايش أن هناك اشكالا جديدة ومختلفة للإضراب كذلك، وغير تقليدية، خصوصاً أن كثيراً من الفعاليات الاقتصادية تشكو من أوضاع مالية صعبة إلى حد ما، ولذلك البعض قد يرى في هذا الإضراب مزيدا من التأثير الاقتصادي السلبي، ولكن الاساس هو إيصال رسالة إضافية يتضامن فيها العالم اتجاه هذا العدوان على غزة والذي تسانده دول وحكومات ومؤسسات اقتصادية خدمية وصناعية كبرى.
وفي هذا اليوم قد تكون الرسالة أن “العالم متحد في إنسانيته وربطه لكل المبررات غير الأخلاقية للاعتداء على غزة”، داعيا عايش دائماً للوسائل السلمية ضمن أدوات ذكية لمخاطبة العالم بصورة أفضل في هذه الأوقات والاستفادة منها لتجارب وأوقات أخرى”.
هذا التفاعل الشعبي، العالمي، المجتمعي، والرسمي إلى حد ما، له كبير الاثر في القرارات أو التوجهات العالمية، حتى وإن كانت متواضعة نوعاً ما، ولكنها قد تكون خطوة أولى لفعاليات ودعوات أخرى أكثر فعالية في المستقبل، عدا عن التأثير السلوكي والتربوي في العقول لمختلف فئات المجتمع، كما يرى ذلك الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة.
ووفق النوايسة فإن اي توجه ضد العدوان الصهيوني على غزة بمختلف الطرق السلمية، من شأنه ان يخلق توجها إيجابيا، خاصة في ظل تنوع تلك الخطوات التفاعلية، كنوع من التعبير عن الاحتجاج، وهي مرتبطة بالمقاطعة الاقتصادية التي حدثت وتم تطبيقها منذ بداية العدوان على غزة، واثبتت فعاليتها على الجهات الداعمة للكيان الصهيوني، ولمسنا الأثر الاقتصادي والاجتماعي والتربوي في المجتمع.
ويبين النوايسة أن مختلف الأعمار لمست مدى قوتها في التأثير، حتى الأطفال منهم، وأنهم قادرون على ان يكونوا مؤثرين، وأصبح التفاعل مع أي إجراء هو “سلوك” وليس فقط موقف عابر، وحتى في المستقبل بإمكانهم أن يعبروا عن رفضهم لأي موقف عدائي في العالم، وهذه المشاركات هي جزء من التربية المجتمعية، وإعادة بناء السلوك في كيفية التعامل مع القضايا التي تعارض القيم الإنسانية، بطرق سلمية وحضارية.
إحدى المدارس الخاصة، التي شاركت في الإضراب، عززت مشاركتها من خلال بيان خاص تم إرساله لأهالي الطلبة بينت فيه أن المشاركة هي ” دعم للصمود الجبّار لأهلنا في غزة وفي الضفة الغربية ودعم للمقاومة ولكل الجهود المبذولة لحماية الوطن واستجابة للدعوات العالمية للإضراب الشامل تنديداً بالموقف الأميركي الداعم للمحتلين لأرض فلسطين والإصرار بالاشتراك على إراقة دماء أطفالنا ونسائنا ورجالنا، واستخدامهم الفيتو لتعطيل قرار مجلس الأمن لوقف العدوان الصهيوني على غزة فقد تقرر التجاوب مع النداءات العالمية التي تحركت لنصرة شعبنا وتكون متفاعلة مع النشاط العالمي الجريء لمناصرة الشعب الفلسطيني”.
ولا بد من إظهار الحقيقة للعالم، وفق النوايسة، وذلك من خلال فعاليات لافتة للنظر والاهتمام، كما هو الحال الآن في الإضراب الاقتصادي، كون القضية الفلسطينية قضية عادلة، خاصة وأن الإضراب ليس محليا أو أقليميا فقط، وأنما وصل مرحلة العالمية، مشبهاً هذه الخطوة بـ”كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت”، والحديث المستمر عن القضية والفعاليات السلمية سوف تتزايد يوماً بعد يوم ولا يجب ان نتوقف عن الحديث والنشر والدعوات التفاعلية.
وقدم عايش اقتراحات تضامنية في مفهوم الإضراب يمكن للجانب التربوي والمجتمعي ان يقدمه للأفراد، وهي طرق مختلفة ولكنها مؤثرة في ذات الوقت، وان يكون لدينا تفكير نقدي، وتحسين الرسائل التي تخرج من المجتمع، وربطها بالتحديات التي تواجهنا، مشيراً إلى أنه تمنى ان يكون اليوم كذلك “يوم للتفكير خارج الصندوق”، على حد تعبيره، وكيف نتعلم احترام آرائنا ومواقفنا المختلفة، ونقنع من نختلف معه بقناعاتنا وقضيتنا.
لذلك، يؤكد عايش أن الإضراب بحد ذاته “البقاء في المنزل” ليس هدف هذه الفكرة من الإضراب، وبالذات عندما نتحدث عن الطلاب، بل يجب ان نحوله ليوم تفاعلي حواري، وتنمية وتطوير مهارات ومعارف جديدة لدى الطلاب، كونهم الأكثر انتباهاً للتعامل معها.
قد يكون الإضراب اليوم سبباً في كسب تأييد جموع جديدة، وخاصة في الدول الغربية، عندما تلتفت الشعوب إلى الهدف من الإضراب العالمي، كما يرى النوايسة، وقد تكون بالفعل طريقة في تغيير وجهات النظر ورسالة معبرة جداً.
التعليقات مغلقة.