“الغدير الأبيض” بالمفرق.. تهميش ونسيان يضعانها خارج حدود الزمان
المفرق- تجد منطقة الغدير الأبيض شرقي محافظة المفرق نفسها عالقة في شراك التهميش، تواجه منذ سنوات تبعات تجاهل مطالبها الخدمية الملحة التي فاقم نقصها إن لم يكن غيابها معاناة سكانها.
المنطقة التي يبلغ عدد سكانها قرابة 3500 نسمة، تسجل أضعف أداء خدمي ممكن أن يقدم، فيما ينتظر السكان منذ سنوات طوال تحقيق وعود بتحسين منطقتهم التي أقصاها النسيان من حدود الزمان، في حالة متأخرة بسنوات عن ركب التنمية والتطور.
فعلى الرغم من كثرة التحديات التي تواجهها المنطقة في الوقت الراهن، إلا أن ثمة 3 قطاعات خدمية تؤرق الأهالي، ويعني استمرار نقصها عدم تحقيق أبسط مستوى من الخدمات الضرورية.
وكانت “الغدير” واجهت قدرا كبيرا من الصعوبات على مر السنوات الماضية رغم سعي أهلها التغلب عليها.
وتمثل ذلك بمطالبات متكررة باستحداث مركز صحي أولي، إلا أن المناشدات العديدة لم تجد آذانا صاغية.
أما الواقع التعليمي، فلا يقل أهمية عن الصحة، وبات النهوض فيه حلمًا، في ظل مطالب متعددة باستحداث غرف صفية جديدة لمدرسة الغدير الأساسية، لتمكين الطلبة من الحصول على بيئة تعليمة مناسبة، ووضع حد لمعاناة الاكتظاظ في غرف صفية متهالكة.
أما قضية النقل فهي مشكلة ثالثة تعمق سابقتيها، فالمنطقة وفق الأهالي ما تزال غير مخدومة بوسائل النقل العام، ويتنقّل الأهالي بواسطة مركبات الخصوصي، وهو أمر لا يمتلكه غالبيتهم.
يقول مختار المنطقة وعضو بلدية المفرق الكبرى، موسى عليمات: إن “تنويع الخدمات وتقديمها للغدير بدءا من استحداث مركز صحي أولي وانتهاءً ببناء غرف صفية جديدة غير تلك المتهالكة والمكتظة بالطلاب أمر بالغ الأهمية”.
وأضاف عليمات لـ”الغد”، “هذان الأمران مطلبان أوّليان؛ ليكونا خارطة طريق جديدة لبناء مستقبلنا ومستقبل أبناءنا من بعدنا ولتوفير فرص لجميع أهالي المنطقة وإعادة الأمل والطموحات”.
ويبلغ عدد الطلبة في المدرسة الوحيدة في الغدير 260 طالبا وطالبة، وتفاقمت مشكلة الاكتظاظ نتيجة ارتفاع عدد الطلبة بعد اللجوء السوري منذ بداية الأزمة السورية.
ويكشف الأهالي عن مطالبات متكرة منذ 10 سنوات تقدموا بها إلى وزارة الصحة ومجلس المحافظة بإقامة مبنى لمركز صحي أولي أو استئجار مبنى ضمن المواصفات الطبية التي من شأنه سد حاجة السكان وإعفائهم من عناء الذهاب إلى أقرب مركز صحي (الذي يبعد حوالي 7 كم) خارج المنطقة.
ويقول “حسام” أحد سكان المنطقة: “نواجه ظروفا معيشية صعبة نتيجة فقر الخدمات، مستشهدا ومن باب التوضيح “توفير المياه للمنازل تحد مستمر،إذ إنّ غالبية الأهالي عاجزون عن توفيرها، لاسيما أصحاب الدخل المحدود غير القادرين على شراء صهاريج مياه على نفقتهم الخاصة”.
“تكرار الصدمة”، وصف يعبر فيه أهالي المنطقة عن خيبة الأمل التي يعيشونها كل عام نتيجة عدم تحقيق وعود يطلقها أعضاء المجالس المحلية المتعاقبة، والتي تتبدد بعد إقرار الموازنة السنوية التي تضع منطقة “الغدير” خارج حسابات المشاريع، لتبقى محرومة بانتظار فارق تاريخي يضع المنطقة في حسابات إقرار الموازنة السنوية.
من جانبه، يقول عضو “اللامركزية” عارف الجرايدة، إن “استحداث مركز صحي في منطقة الغدير الأبيض أمر مستحيل في الوقت الحالي لأن المجلس قد أقر الميزانية لهذا العام وتم الانتهاء منها”.
وأضاف الجرايدة لـ”الغد” أن “على الأهالي الانتظار للعام القادم وسيتم تخصيص مبلغ من الموازنة، وأن بناء مبنى جديد والذي ربما يأخذ وقتاً طويلاً أو الاستئجار في المنطقة لمبنى قريب وبرغبة ملحة من الأهالي، يكون بطلب من وزارة الصحة”.
وأشار إلى أنه “فيما يخص استحداث 4 غرف صفية فقد دخل هذا الأمر حيز التنفيذ، ومن المتوقع تنفيذه هذا العام.
وأكد مدير صحة المفرق الدكتور فيصل مكاحلة إن “الوزارة تضع ضمن استراتيجياتها بروتوكولا خاصا بمديرياتها في كل المحافظات في ما يخص استحداث مراكز صحية أولية وشاملة في كل منطقة”.
وأضاف مكاحلة لـ”الغد”: “أول تلك الشروط أن لا يقل عدد السكان في المنطقة عن 4 آلاف نسمة، وثاني الشروط البعد الجغرافي عن أقرب مركز صحي أولي بمقدار 3 كم تقريباً والمركز الصحي الشامل 7 كم”.
وأشار إلى أن تلك الأسس المبنية لدى وزارة الصحة تعتمد على توفر وبالدرجة الأولى قطعة أرض بشرط أن لا تقل مساحتها عن 2 دونم، والأهم من ذلك مدى الحاجة الفعلية لتلك المراكز في المنطقة.
من جانبه، أكد مدير التربية والتعليم في المفرق أيوب المشاقبة أن المديرية لديها خطة إستراتيجية قد دخلت حيز التنفيذ بدءً من عام 2024 لزيادة واستحداث 4 غرف صفية بالتنسيق مع مجلس المحافظة لمدرسة الغدير الأبيض بخصصات مقدارها 40 ألف دينار.
وأضاف لـ”الغد” أن مجلس المحافظة والمديرية سيضاعف المخصصات لقطاع التعليم في عام 2025 بمقدار 40 ألفا وعلى موازنة عام 2026 بمقدار40 ألفا أخرى، لتصبح القيمة الإجمالية لمخصصات قطاع التعليم في المنطقة قرابة 120 ألف دينار خلال الثلاث سنوات القادمة وذلك لاستكمال الإجراءات اللازمة لإنشاء 4 غرف صفية جديدة.
وتابع: “ما تقوم به المديرية واجب لتقديم أفضل الخدمات للمنطقة بما يخدم الطلبة ولتعزيز التعليم في هذه المرحلة، وذلك بحل مشكلة الاكتظاظ التي يعاني منها الطلبة جراء ضيق الغرف الصفية”.
وقال: إن التربية تولي اهتماما شديدا لواقع قطاع التعليم في منطقة الغدير، وهناك إمكانية بتزويد المدرسة بكرفانات مؤقتة، ومجهزة بوحدة صحية كاملة ومكيفة ومجهزة بأثاث ومستلزمات صفية ملائمة لتعليم الطلبة بأعلى مواصفات البيئة التعليمية، ليشعر الطالب أنه داخل غرفة صفية مبنية وهناك العديد من التجارب في محافظة المفرق التي اثبتت نجاح الكرفان”.
وأكد أنه “خلال منتصف عام 2026 ستكون جاهزة ويتم تسليمها بشكل رسمي للمدرسة، معتبرا أن هذه من الحلول التي تعمل مديرية التربية والتعليم على إحلالها في عدة مناطق داخل المحافظة مثل منطقتي (دحل والبستان) والمناطق المحيطة بمحافظة المفرق”.
وبشأن النقل العام في المنطقة، وصف مدير هيئة قطاع النقل في المفرق علي الشمري أن “النقل العام للمنطقة يعتمد على نسبة البلاغ المقدم للهيئة؛ قائلا “لم يردنا أي شكاوى من قبل الأهالي لمشكلة نقص خدمة النقل العام وذلك بسبب ضعف حركة نقل الركاب لمنطقة الغدير الأبيض مما أدى إلى عزوف مشغلي النقل العام عن تقديم الخدمة للمواطنين”.
وتابع الشمري لـ”الغد” أن ” هنالك مركبتين عموميتين تعملان على تقديم خدمة النقل العام على خط المفرق – المنصورة وتشكل اكتفاء، وذلك لقربها من المنطقة”.
وأضاف أن الخدمة لن تغير واقع النقل الحالية، وأرجح ذلك إلى أن مصدر النقل ما يزال هو ذاته منذ سنوات بالنسبة لتلك المنطقة، وأن نسبة الملائة وضعف الحركة والتوجه إلى استخدام المركبات الخصوصية عوامل سلبية تؤثر على عمل المركبات العمومية من خلال سيارات النقل المشترك (بك اب).
بدوره، يقول العضو السابق في مجلس المحافظة، محمد أبو عليم ومن واقع تجربته السابقة، “قبل قرابة 4 سنوات عند تسلمه العضوية، كانت منطقة الغدير الأبيض تشغل حيزا كبيرا لديه، وعمل على اقتطاع مخصصات قيمتها ألفي دينار وذلك من أجل استحداث مركز صحي يخدم أهالي المنطقة”.
وأضاف أبو عليم لـ”الغد”: “فعليا تم تخصيص المبلغ إلا أنه تفاجأ بعدم وجود قطعة أرض لبناء المركز عليها، ولم يكن هناك أرض فعلية مملوكة لوزارة الصحة آنذاك”.
وتابع: “الأرض كانت تعود بالأصل لوزارة التربية والتعليم وكان موقعها بجانب مدرسة الغدير الأساسية للبنين”، موضحا أن “الأرض أصبحت المعيق الأساسي الذي أوقف المشروع تلك الفترة”.
وبين أن “العمل داخل مجالس المحافظات لم يتغير عن السابق، فهو ما زال يعمل بنظام المركزية وليس اللامركزية، فلو كانت القرارات مترجمة ربما كان ذلك أسهل وأيسر عليهم كأعضاء في اللامركزية”.
ولفت إلى أن “موضوع مدرسة الغدير أهم من بناء المركز الصحي، إلا إذا تم استئجار مبنى، معتبرا أن العقبة وحجر العثرة أمام أي عضو يريد العمل بجدية هي عدم وجود مخصصات كافية بالإضافة لصعوبة الإجراءات واتخاذها”.
التعليقات مغلقة.