الغور الشمالي.. أسر تواجه البرد بمنازل متهالكة وجيوب فارغة ومساعدات متواضعة
الغور الشمالي- مع اشتداد البرد وتعمق المنخفضات الجوية المصحوبة بالأمطار الغزيرة، تتأزم أوضاع أسرة الأربعينة فاطمة التي تقطن بالأغوار الشمالية، في غياب لا يحتمل لأبسط وسائل التدفئة داخل منزل ترتجف حيطانه من البرد، وسقفه من القصب، لا تستأذنه الأمطار بالدخول، رغم أنها وقبل أن تغرق أرضيته ويتلف أثاثه المتواضع، تلتقطها أوانيه التي فرشت بطريقة تبدو للوهلة الأولى كأنها عملية مبتكرة للحصاد المائي.
في وصف أدق لحال أسرة فاطمة، فإن أجواء المنزل من الداخل، كمن يجلس في باحته بالخارج، لبيقى الفارق البسيط هو تحقيق قدر من الاحتجاب عن الأعين، تحت غطاء تصبير الأنفس بما يعرف بـ “الستيرة ولا العدم”.
وسط هذه الظروف، تعيش فاطمة مع أبنائها الأربعة وزوجها الذي يعاني من أمراض مزمنة، لا يقوى معها على العمل، مرتهنا لما يحصل عليه من معونة وطنية شهرية ومساعدات غير منتظمة.
أسرة فاطمة ليست الحالة الوحيدة في لواء الغور، فهي واحدة من مئات الحالات، التي ربما تكون ظروفها أصعب، في لواء يقبع فيه الآلاف تحت خط الفقر، على امتداد مساحته من منطقة العدسية شمالا، وحتى الكريمة جنوبا، إذ تشتد قسوة الحياة خلال فصل الشتاء بما يحمله من أمطار ورياح وبرد قارص، يقابلها حياة قوامها النقص والقلة والعوز والافتقار، فمن غير المستبعد أن تجد أسرة تعيش على دخل لا يتجاوز 50 دينارا شهريا من الدعم التكميلي.
“الوضع صعب جدا، منزلنا غرفة تخلو من معاني الإنسانية، وصف أحبت فاطمة أن ترسله لعله يقابل بالاستجابة، ويساعد أسرتها التي ورغم وجود أفراد قادرين على العمل بقطاع الزراعة، غير أن القطاع نفسه يحتاج خلال فترة الشتاء من يساعده، إذ يبدأ بلفظ عمالته مع تراجع نشاطه إلى أدنى المستويات.
الدخول أكثر في تفاصيل الحياة اليومية للأسر المعوزة بلواء الغور الشمالي، يكشف عن معاناة تفوق الفضول، فليس مفاجئا أن تجد أسرا مهومة بتأمين وجبة يومية، بينما باقي مطلبات الحياة الأخرى كالملابس الدافئة أو النوم الآمن أو توفر وسيلة دفء أمور ترفية مستبعدة.
هذا الواقع ليس جديدا على لواء الأغوار الذي يصنف من بين المناطق الأشد فقرا في المملكة، إلا أن السنوات القليلة الأخيرة ومع تراجع أوضاع غالبية السكان، وجفاف مصادر الدعم التي كانت تتلقاها جمعيات خيرية تساعد بها العديد من الأسر، تحولت العديد من الأسر وفق ما يؤكد أفرادها من أسر معوزة إلى أسر -وعلى حد تعبيرهم- “مطحونة”.
بالعودة إلى ما رصدته “الغد” في منازل فقراء الغور، فإن الظاهر يشير بأن الأوضاع المادية متزايدة الصعوبة باتت تطرق أبواب غالبية منازل السكان، وتشكل تحديدا أمام التخفيف من آثار البرد والأمطار، فبأيدٍ خاوية يجهد العديد من أرباب الأسر لتوفير أبسط متطلبات الحياة اليومية، إضافة إلى تأمين وسيلة دفء وإن كانت بسيطة، فيما العديد من المنازل غير مهيأة لاستقبال تقلبات الطقس، وسط مطالبات مستمرة من الجهات المعنية بضرورة تفقد أوضاع الأسر والتواصل معها وليس مجرد الاكتفاء بتقديم مساعدات مالية تعتبر- وفق أرباب أسر- متواضعة.
يقول أرباب أسر لـ “الغد”، “المساعدات المقدمة لا تكفي أحيانا لدفع أجرة المنزل، وتبقى جميع الأمور الحياتية اليومية معلقة تحت شعار الفرج”.
أم شيماء من سكان اللواء، يأبى الفقر مفارقة أسرتها -على حد تعبيرها- تقول واصفة ظروفها الصعبة “الأوضاع في الشتاء كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، برودة الأرض التي نفترشها تنخر أجسادنا، نستعين بالحطب رغم خطورة إشعاله داخل المنزل من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الدفء”.
وتبين أن الدعم الذي تتلقاه الأسرة من صندوق المعونة لا يكفي لتلبية أبسط المتطلبات، والمساعدات التي كانت تصلهم لمجابهة الشتاء كالأغطية والملابس اللازمة للأطفال قلت كثيرا؛ لأن غالبية الجمعيات باتت عاجزة عن تقديم المساعدات.
وتضيف، “معاناتنا خلال فصل الشتاء لا توصف مع هطل الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، خاصة وأن أوضاعهم الاقتصادية السيئة تحول دون توفير أي وسيلة تدفئة لمجابهة تدني درجات الحرارة أو حتى توفير ملاذ آمن”، موضحة “أن مخاوفهم تزداد مع اشتداد الرياح التي تكاد تقتلع سقف المنزل المتهالك”.
من جانبها، تؤكد رئيسة جمعية تلال المنشية تهاني الشحيمات أن الشتاء يشكل عبئا ثقيلا على العديد من الأسر الفقيرة في لواء الغور الشمالي التي تعجز عن توفير مصادر التدفئة كون معظمها تعجز في الأصل عن توفير لقمة العيش لأبنائها، إلا من خلال المساعدات أو رواتب صندوق المعونة الوطنية التي لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية.
وتتابع: أن الجمعية تساهم بحل بعض أو جزء من المشكلة، من خلال العمل على توزيع طرود غذائية بسيطة أو أغطية، ولكن عدد المحتاجين في تزايد ويفوق قدرة الجمعيات.
وتؤكد الشحيمات لـ “الغد”، أن تراجع القطاع الزراعي وخصوصا قطاع زراعة الحمضيات الذي كان يؤمن مصدر دخل لعد كبير من الأسر في الأغوار أسهم في اتساع رقعة الفقر، حتى بات الهم الأكبر لأي أسرة هو توفير الطعام والماء، مشيرة إلى أن غالبية منازل هذه الأسر متهالكة ولا يمكنها بأي حال درء مخاطر الشتاء عن ساكنيها.
وتشير إلى أن هذا الواقع المؤلم يدفع الغالبية من الفقراء والمعوزين للجوء إلى الوسائل البدائية للحصول على الدفء كإشعال النيران داخل المنزل، لافتة إلى أن موسم الشتاء بما فيه من خير ورحمة وبركة إلا أنه يبقى كابوسا للأسر الفقيرة جراء عدم القدرة على توفير أبسط متطلبات الحياة.
في المقابل، يرى مصدر من مديرية التنمية الاجتماعية بالأغوار، أن وزارة التنمية الاجتماعية ومديرياتها الموجودة في الألوية تعمل بشكل دائم على تقديم المساعدات للأسر المتضررة نتيجة الأمطار، وتشمل هذه المساعدات وسائل تدفئة وأغطية وفرشات ومعونات طارئة، إضافة إلى المساعدات العينية والنقدية، موضحا أن المديريات في فصل الشتاء تحرص على توفير غرفة طوارئ لمساعدة المواطنين في أي ظرف طارئ، ويتم ذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى.
يذكر أن لواء الغور الشمالي من المناطق الأشد فقرا، ويصل عدد سكانه إلى قرابة 140 ألف نسمة موزعين على مناطق عدة تتبع لـ 3 بلديات، ويبلغ عدد المستفدين من صندوق المعونه الوطنية حوالي 440 مواطنا، من مختلف الفئات.
التعليقات مغلقة.