الأردنيون يحيون ذكرى تعريب الجيش اليوم
يحتفل الأردنيون في الأول من آذار (مارس)، بذكرى تعريب قيادة الجيش العربي، عندما اتخذ جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال عام 1956 قراره الجريء بإعفاء الضباط الإنجليز من قيادة الجيش، وعلى رأسهم رئيس الأركان الفريق جون باجوت كلوب واستبدالهم بضباط أردنيين، فكان القرار بظروف ذلك الوقت، مصيرياً وإنجازاً نوعياً للقيادة الهاشمية الحكيمة.
وقال جلالته وقتها “أيها الضباط والجنود البواسل أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم ضباطاً وحراساً وجنوداً، وبعد، فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا أن نجري بعضاً من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيِش فنفذناها متكلين على الله العلي القدير، ومتوخين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتها وإنني آمل فيكم كما هو عهدي بكم، النظام والطاعة”.
واحتفل أحرار العرب من المحيط إلى الخليج بالقرار الاردني، الذي دفع الحركات الوطنية في كل مكان، للسير على خطى القيادة الهاشمية في التخلص من الاستعمار، هذا على المستوى الخارجي، أمَّا داخليا فكان حدثاً مفصلياً أسهم بتحقيق قفزات في التدريب والتحديث والتطوير، ومنذ ذلك التاريخ، بدأت مسيرة التطور التي ارتقت بالقوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي لأعلى درجات الاحترافية وفق المقاييس العالمية، ما جعلها الى اليوم، تحظى باحترام عالمي وفي مرتبة متقدمة بين جيوش العالم، وقادرة بعون الله ودعم القيادة الهاشمية على تولي مسؤولياتها وواجباتها، للمحافظة على وطنٍ قويٍ وآمن في إقليم مضطرب يعجُّ بالصراعات ويعيش حالة عدم استقرار منذ عقود.
كان إيمان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، بأثر هذا القرار على تحقيق الأمن القومي العربي المتناغم مع الأمن الوطني، فالعرب في كل مكان من الوطن العربي، وفي مقدمتهم الأردنيون سيقفون صفاً واحداً لدعمه، لذلك طلب جلالته عقدَ جلسة طارئة لمجلس الوزراء ليرأسها بنفسه، ويصدر قرار مجلس الوزراء رقم (198)، الذي نصّ على: إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني، وترفيع الزعيم راضي عنّاب إلى رتبة أمير لواء، وتعيينه رئيساً لأركان حرب الجيش العربي الأردني. إنهاء خدمة كل من القائم مقام باترك كوجهل مدير الاستخبارات، و الزعيم هاتون مدير العمليات العسكرية، واستبدالهم بضباط أردنيين.
وإثر ذلك، أبلغ الضباط البريطانيون بمغادرة عمّان، كما استدعي السفير البريطانيّ وأبلغ بفحوى القرار، وفي صبيحة الجمعة 2 آذار (مارس)، وبعد مغادرة الضباط البريطانيين مطار عمان، وعند الساعة الـ7.30، بثت الإذاعة الأردنية القرارَ الملكي الذي أعلنه جلالة الملك الحسين من الديوان الملكي الهاشمي، وقال فيه “أيها الشعب الوفي، هنيئاً لك جيشك المظفّر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن ونذر روحه لدفع العاديات عنك، مستمداً من تاريخنا روحَ التضحية والفداء، ومترسّماً نهج الأُلى في جعل كلمة الله هي العليا”.
كما خاطب نشامى الجيش العربي، قائلا “رأينا نفعاً لجيشنا وخدمةً لبلدنا ووطننا، أن نجري بعض الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، فنفّذناها متّكلين على الله العليّ القدير ومتوخّين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتها، وإنني آمل فيكم كما هو عهدي بكم النظامَ والطاعة”.
وما إن تلقّى الأردنيون هذه البشرى، حتى خرجوا بالآلاف آمِّينَ قصرَ رغدان العامر، فامتلأت ساحاته بهم وهم يهتفون للحسين “حييتَ يا حسين.. ملك الشعب.. رمز الوطنية”، فخطب جلالته في أبناء شعبه الذين وفدوا مؤيدين قراره وملتفّين حول الراية الهاشمية، قائلاً “إخواني، إنه لَيوم مبارك، وأني لَسعيد بهذه المناسبة التي أتحدث فيها إليكم.. وأحيّي فيكم هذه الروح الوطنية النبيلة، وأهنّئكم بجيشكم.. لقد قمنا بالحركة.. وكُتب لنا التوفيق… لقد قمت وأبناء هذا الوطن وبهذا الجيش بهذه الحركة، ووفّقنا الله، فأهنّئكم، والله يوفّقنا إلى استعادة حقوقنا المسلوبة، ولنعمل معاً يداً واحدة في خدمة الوطن وفي سبيل استعادة حقوقنا”.
وبعد مضي 68 عاماً على هذا القرار التاريخي، وتزامناً مع احتفالات المملكة باليوبيل الفضي لتسلم جلالة القائد الأعلى سلطاته الدستورية، يكمل جلالة الملك عبدالله الثاني على خطى الملك الباني يرحمه الله، بتأهيل وتدريب وتسليح منتسبي القوات المسلحة والذين أصبحوا أنموذجا في المنطقة والعالم، ومثالا يحتذى بهم في الاحترافية والانضباط والقوة، وها هم اليوم يسجلون للعرب، صدق قوميتهم وعروبتهم ورسالة إسلامهم السمحة في التعامل مع الأشقاء الذين ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، من تشريد وتدمير وقتل ودماء تراق وبيوت تتهدم، ويرسمون الابتسامة على وجوه من ذاقوا ويلات الكوارث والحروب، وقدمت هذه المؤسسة الوطنية العريقة كواكب من الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من أجل فلسطين، قدسها ومقدساتها وبياراتها التي نطقت أشجار زيتونها تروي قصص الشهداء الأبطال.
سجَّل التاريخ أن الأردنيين بقيادتهم الهاشمية كانوا السباقين في التخلص من آخر شكل من أشكال الاستعمار، والذي مثل استكمال السيادة الوطنية الأردنية، والخطوة التي لم يسبقهم إليها أحد، فمن حيث آلية اتخاذ القرار، كان قرار التعريب قراراً سريعاً ومفاجئاً للعرب قبل بريطانيا العظمى، أي أنه لم يسبقه أي ترتيبات أو مفاوضات، ومن حيث التوقيت، كان الأسبق زمنياً؛ لأنه صدر في مستهل آذار 1956، ثم تلاه الاتفاق المصري البريطاني لإجلاء القوات البريطانية عن مصر في الـ18 من حزيران (يونيو) 1956.-(بترا)
التعليقات مغلقة.