تخفيض “القيمة الإدارية” لـ”الكرك القديمة”.. كيف يخدم توجه استثمارها والحفاظ على إرثها؟
حالة القلق إزاء إجراء دائرة الأراضي التي تنتاب البعض، تأتي من منطلق ما تعرضت له المدينة القديمة وعلى مدار عشر سنوات، من عملية إفراغ شبه كلي لجميع الأنشطة الحيوية، تبعته عمليات ترك تدريجية من قبل السكان لمنازلهم والتجار لمحالهم، حتى وصل الحال الآن بالمدينة لأن تأخذ اسم”المدينة المهجورة”، كما يصفها أبناء الكرك.
ووفق مواطنين، فإن ما تشهده المدينة القديمة، يثير شكوكا حول وجود عمليات متعمدة لإفقادها قيمتها، بدأت بإفراغها من الدوائر الرسمية والمؤسسات الأهلية والتجارية في وقت سابق، ومن ثم تأتي خطوة تخفيض القيمة الإدارية لأراضيها وعقاراتها وبنسبة كبيرة لتسهيل بيعها.
أصحاب وجهة النظر المشككة، تحدثوا أيضا عن عمليات شراء وبيع لأراضٍ بمساحات كبيرة، حدثت قبل سنوات، وأثارت حينها جدلا بين مواطني المحافظة.
مرة أخرى، يرى هؤلاء أن ما يجري من تخفيض للقيمة الإدارية لأراضي المدينة القديمة وبطريقة رسمية من قبل دائرة الأراضي يدعو إلى الشك والتساؤل حول أسباب ذلك، والهدف من ورائه.
في الناحية المقابلة، يجد آخرون أن إعادة تقييم القيمة الإدارية للأراضي والعقارات ليس فقط بالمدينة القديمة ولكن بعموم أراضي الكرك، أمر يصب في مصلحة الاستثمار، معللين ذلك بأن هناك أسعارا غير منطقية لبعض قطع الأراضي والتي تعطل مشاريع الاستثمار نتيجة ارتفاع الكلف.
يقول رئيس منتدى الفكر للثقافة والتنمية والنشاط السياسي والاجتماعي بالكرك الدكتور عودة الجعافره، إن قيمة الأراضي التي تتم بموجبها عمليات البيع والشراء بالكرك عموما ومدينة الكرك على وجه الخصوص، غير منطقية، حيث وصل سعر الدونم الواحد لمليون دينار في مناطق رئيسية، متسائلا كيف يمكن أن يتم الاستثمار فيها؟.
وأضاف، أن تخفيض القيمة الإدارية بما يتناسب والقيمة الفعلية، يمكن أن يسهم في استعادة مدينة الكرك لأهميتها وألقها، وخاصة في مجال الاستثمار، بحيث يقدم العديد من المستثمرين على شراء مواقع ومنازل تراثية بأسعار معقولة ويتم ترميمها واستخدامها في القطاع السياحي، وبذلك تدور عجلة التنمية من جديد بمدينة الكرك التي تبدو الآن مهجورة.
أحد سكان مدينة الكرك القديمة طارق المبيضين، يرى بأن سعر القيمة الإدارية للأراضي الجديد، يأتي في مصلحة المواطنين بشكل عام، مبررا ذلك أن أسعار الأراضي بالكرك مرتفعة جدا، ولا يمكن مقارنتها بأي منطقه بالمملكة.
وقال إن هناك مساحات واسعة من الأراضي وعددا كبيرا من البيوت القديمة مهملة بالكرك، نتيجة ارتفاع أسعارها، عل الأقل رسميا ما يمنع الاستثمار بها.
وتعتبر مدينة الكرك من أكثر المدن احتواء للأبنية والمواقع التراثية القديمة والتي يمكن استثمارها سياحيا. ولسنوات قليلة مضت، كانت جميع مقرات المؤسسات الرسمية تتواجد بوسط مدينة الكرك، قبل أن يتم نقلها إلى ضواحي مناطق المرج والكرك الجديدة والثنية، فيما لم يبق في وسط المدينة أي مؤسسة رسمية، ما قلل من حاجة السكان إلى ارتيادها، وأوقف ذلك النشاط التجاري فيها.
في مصادفة ثانية، كانت وزارة السياحة والآثار قد نفذت في مدينة الكرك ثلاثة برامج تنموية لتطوير الواقع السياحي فيها، وهي مشاريع السياحة الأول والثاني والثالث، وشملت جميعها تطوير وتحديث البنية التحتية، كما شمل المشروع السياحي الأول، بناء مرافق سياحية بمحيط قلعة الكرك، إضافة إلى ترميم عشرات المباني والمواقع التراثية القديمة، وترميم منازل تعود ملكيتها لمواطنين بالقرب من قلعة الكرك وعاد أصحابها للسكن فيها من جديد بعد ترميمها.
وكانت تلك المشاريع قد أثارت في وقتها، تساؤل السكان حول أهميتها في ظل غياب الحركة السياحية، فيما تعود الآن القضية للواجهة مجددا، مع عمليات تخفيض أسعار الأراضي والعقارات، يغذيها إشاعات حول عمليات بيع لعشرات المنازل.
يقول مدير برنامج حماية التراث بجمعية السلم والتضامن الأردنية خالد برقان إن محافظة الكرك تضم آلاف المواقع التراثية التي يجب حمايتها من التدمير والتخريب والإزالة من قبل البلديات أو المواطنين باعتبارها إرثا وطنيا يجب الحفاظ عليه، لافتا إلى أن المدينة قد فقدت على مدى السنوات السابقة عشرات من المباني التراثية سواء كانت منازل أو مرافق رسمية مثل مبنى السرايا القديم الذي جرى هدمه رغم مكانته التراثية للمدينة قريبا من قلعة الكرك.
وقال الناشط حسين الصعوب إن ما يجري من عملية تخفيض لقيمة الأراضي والعقارات يدعو إلى الخوف والتساؤل حول أسباب ذلك في هذا الوقت بالذات، مشيرا إلى أن ما يجري له علاقة مباشرة بقيام أحد المستثمرين بشراء العقارات القريبة من القلعة وفي محيطها خارج إطار دائرة الأراضي والمساحة.
وأشار إلى أن هناك مخاوف لدى مواطنين بالمدينة والمحافظة بشكل عام، من أن تكون كافة المشاريع السياحية التي نفذت بمدينة الكرك، وعملية إفراغ المدينة من الدوائر الرسمية أولا، ولاحقا المحال التجارية والمنازل، هدفه استملاك العقارات جميعها بأسعار رخيصة، من أجل الاستثمار السياحي، من دون أن يستفيد السكان وأصحاب المنازل والأراضي.
ولفت إلى أن تخفيض القيمة التقديرية للأراضي من 300 دينار للمتر الواحد إلى 30 دينارا فقط، فُسّر من قبل البعض أنه يخدم المشترين فقط على حساب المواطنين وملاك العقارات، مطالبا بضرورة إعادة النظر بالتقديرات الجديدة التي تجري حاليا.
وقال المواطن رؤوف الحباشنة إن العقارات في مدينة الكرك ومنذ أكثر من 15 عاما تراجعت قيمتها بسبب انتقال الدوائر الرسمية والمحال التجارية وحتى السكان، وأصحبت خاوية، ومع ذلك لم تهبط إلى هذا المستوى المنخفض.
وبين أن حال تلك المنازل والمحال مزرٍ لكونها قديمة ولا يمكن أن يتم الاستثمار فيها إلا بكلفة مالية كبيرة ليست متوفرة لدى المواطنين من مالكي العقارات، متسائلا “هل من الممكن أن يكون هناك عمليات شراء تتم بأسعار منخفضة ومن ثم يعاد رفع قيمتها”.
من جهته، أكد رئيس بلدية الكرك المهندس محمد المعايطة، أن البلدية ليس لها أي علاقة بما يجري حاليا من عمليات تخفيض لقيمة تقدير أسعار الأراضي والعقارات بمدينة الكرك، لافتا إلى أن البلدية لديها خطة لإعادة تنشيط المدينة والاستثمار فيها.
وبين أن البلدية حاليا تقوم بحماية المباني التراثية وتمنع هدمها حرصا على حماية التراث، غير أنه أكد أن مسؤولية الحفاظ على المنازل والمواقع التراثية لا تستطيع البلدية تحملها وحدها؛ نظرا لكثرتها، إذ تحتاج إلى مشروع وطني بمشاركة جهات رسمية وشعبية مختلفة لإعادة إحياء المنازل والمواقع التراثية وجعلها جزءا من الحركة السياحية كما هو الحال في المدن القديمة والعريقة.
من جهته، أكد الناطق الاعلامي بدائرة الأراضي والمساحة الدكتور طلال الزبن أن موضوع تقدير القيمة الإدارية قديم، منذ عام 2020، بحيث يكون هناك تقدير جاهز لكل الأراضي بالمملكة، وليست بالكرك وحدها.
ولفت إلى أن سبب وضع قيمة إدارية هو الابتعاد عن الاجتهاد البشري في تقدير قيمة الأراضي، إضافة إلى تطوير عملية البيع والشراء لتتم بسرعة بدلاً من التأخير لأكثر من أسبوعين في بعض الأحيان.
وأضاف أن تقدير قيمة الأراضي بالكرك تم من خلال لجنة محلية جمعت أطراف عدة أصحاب اختصاص، وعملت على تقدير القيمة للأراضي بمدينة الكرك وغيرها.
وأشار الزبن إلى أن إعادة التقدير للقيمة الإدارية للأراضي والعقارات يجري بشكل دوري، ليكون عادلا ويحاكي الواقع، مؤكدا أن مدينة الكرك القديمة لم يجر فيها أي عمليات بيع أو استملاك منذ سنين.
كما أكد مصدر بدائرة الأراضي والمساحة بالكرك، أن ما يدور من حديث حول أهداف وراء عملية تخفيض القيمة التقديرية للأراضي ليس له أساس من الصحة.
وقال المصدر لـ “الغد”، “لا توجد أي عمليات بيع واسعة للعقارات بالكرك، ولا يوجد أي هدف من وراء تخفيض القيمة”.
وأوضح أن إعادة تقدير القيمة الإدارية للأراضي والعقارات يجري كل أربع سنوات، ليكون عادلا ويحاكي الواقع، مؤكدا أن مدينة الكرك القديمة لم يجر فيها أي عمليات بيع منذ سنوات بسبب ظروف هجرة المواطنين منها.
ولفت إلى أنه لا وجود لأي عمليات استملاك أيضا في مواقع بالمدينة، وأي استملاكات تجري وفقا للقانون وبطرق واضحة، مشددا على أن ما يتم حاليا هو عمليات انتقال بين الورثة، لافتا إلى أن تخفيض أسعار الأساس “القيمة الإدارية” إجراء يتم بمختلف المناطق بالمملكة كل فترة بموجب لجان من أبناء المنطقة نفسها وليس من خارجها، وبإمكان المواطنين الاعتراض على القيمة الجديدة لعقاراتهم.
يشار إلى أن السعر الإداري هو وضع قيمة إدارية لكل قطعة أرض في المملكة، بحسب موقعها الجغرافي من حيث المحافظة والحوض الذي تتبع له داخل المحافظة.
ووفق تقديرات رسمية، فإن مدينة الكرك ومختلف المدن وبلدات المحافظة تضم زهاء 1500 موقع تراثي قديم ما بين منازل تراثية كانت مأهولة لوقت قريب، وأصبحت مهجورة الآن، إلى المباني الرسمية من السجون القديمة والأبراج وقاعات والمساجد والكنائس والأسواق القديمة والمطاحن والمدارس القديمة، وغيرها من المباني التراثية الأخرى.
وفي مدينة الكرك لوحدها، يوجد زهاء 280 منزلا قديما تراثيا، أغلبها مهدد بالإزالة بفعل العوامل الطبيعية أو لضرورة استخدام المواقع القريبة منها لأغراض البناء الحديث.
وتشير سجلات بلدية الكرك إلى وجود زهاء 280 منزلا قديما مهجورا وخاليا وبعضها آيل للسقوط، حيث ظهر أنه بعد عملية حصر للمنازل المهجورة، أن زهاء 280 منزلا قديما غير مأهولة بالسكان، منها 200 منزل يمكن إصلاحها وإعادة السكن فيها أو افتتاح محال تراثية فيها، في حين أن هناك زهاء 80 منزلا غير صالحة على الإطلاق، وهي إما آيلة للسقوط أو ساقطة بالفعل ومتهدمة نهائيا.
في حين، تؤكد مصادر في وزارة السياحة والآثار أن حوالي 50 % من منازل وبيوت مدينة الكرك، هي بيوت تراثية قديمة ويمكن العمل على ترميمها وإعادتها للحياة.
التعليقات مغلقة.