رمضان في الموروث الشعبي
الباحث محمود حسين الشريدة
=
يعد شهر رمضان المبارك من الأشهر ذات الطقوس الدينية التي تهفوا إليها الانفس، وتستعد فيها للطاعات والعبادة وصلة الأرحام، فصوم شهر رمضان المبارك بالنسبة لنا ركن من أركان الدين الإسلامي ، فكان الناس يهيؤون أنفسهم للصوم قبل قدوم شهر رمضان …
الذاكرة الشعبية لرمضان زمان في خربة الوهادنة
1 . كان رمضان في الزمن الماضي أجمل، كان أكثر ألفة ومحبة وتقارب وتماسك بين الأرحام والأقارب والجيران، في الحي أو الحارة على اختلاف منابتهم .
2 . كانت الموائد في شهر رمضان بسيطة ومتواضعة وجميعها من منتجاتهم الحقلية وقليلاً منهم من يشتري هذه المواد من الاسواق، ويُصنع منها أكلات شعبية بسيطة وغير مكلفة.
كانت المائدة الرمضانية …عبارة عن قليل من حبات التمر(العجوه) ، مع صنف واحد من الطعام في اغلب الاحيان، من طبيخ البندورة الطازجة ، ــ إن أتى رمضان في موسمها ــ أو مجففة (المشروح) المخزن لديهم ، أو طبيخ الرشوف، أو العدس أو البرغل أو الفريكة أو طبيخ الخبيزة ، والعكوب ، وبعض الخضروات البرية الاخرى في موسمها أو البيض البلدي أو مشتقات الالبان .
أما اللحوم فاستعمالها لا يتعدى مرتين إلى ثلاث مرات في الشهر … في بداية الشهر وتسمى غرة رمضان، ويوم العيد.
3 . كان الناس يتبادلون أطباق الطعام قبل أذان المغرب، حيث شكلت هذه العادة الرمضانية مزيداً من الألفة والمحبة والتماسك بين أبناء الحي أو الحارة
4 . زمان كانوا الناس يحافظون على عادة اجتماعية توارثتها الأجيال، كونها ترسخ معاني الرحمة وصلة الأرحام. وهي اجتماع الأسرة في اليوم الأول من رمضان، لدى كبير العائلة، الجد أو الأب ، الهدف منها لم شمل أفراد الأسرة وترسيخ العلاقات الاجتماعية بينهم .
5 . زمان كانت تواجه الناس مشكلة كبيرة في ثبوت شهر رمضان، فعندما يتحقق ثبوت شهر رمضان لدى دائرة القضاء الشرعي في العاصمة عمان، يتم إرسال برقية لاسلكية ،لعدم توفر خطوط هاتف بين العاصمة وقضاء عجلون ، ترسل البرقة إلى قيادة مقاطعة شرطة عجلون لإعلامهم بثبوت شهر رمضان أو غدا متمم لشهر شعبان …
وفي ليلة اليوم المتوقع تحري ثبوت شهر رمضان بها ، يرسل مخاتير القرى ، حارس القرية إلى قيادة المقاطعة في عجلون ، وينتظرون وصول الخبر من عمان ، وعند وصول خبر ثبوت شهر رمضان ، يتسلمه حراس القرى ويعودون ليلا إلى قراهم ، التي تبعد في بعض المناطق أكثر من 15 كلم ، وعند وصول الحارس إلى القرية يطلق عدة طلقات نارية من بندقيته ، يفهم الناس من خلالها ، ان غدا هو بداية شهر الصوم ، ويتكرر هذا المشهد في ثبوت يوم عيد الفطر وبنفس الطريقة .
6 . ومن الذكريات الجميلة في رمضان … المسحراتي
وهو رجل يُعين من قبل المختار ، يجوب الحارات ذات الأزقة الضيقة والمتعرجة ، وهو يضرب على تنكه من الصفيح ، أو يدق على أبواب المنازل ، وينادي على سكانها بأسمائهم .لأنه يعرف جميع سكان القرية بأسمائهم، أو يُنشد بعض المدائح أو الأقوال المحببة مثل :
يا نايم وحد الدايم … تسحروا تسحروا. فان في السحور بركة، وكم كانت فرحة الأطفال كبيرة وهم يلاحقون المسحراتي في حاراتهم وهم يرددون معه يا نايم وحد الدايم .
7 . أما وقت الإفطار …. مدفع رمضان
ونظرا لعدم توفر أجهزة الراديو، وقليل من الناس من يقتني ساعة توقيت ، يعتمد الناس في إفطارهم أو إمساكهم عن الطعام ، على رفع الأذان من مسجد القرية ، ولعدم توفر الكهرباء لا يوجد سماعات مكبره للصوت على مآذنه المساجد ، فكان إمام المسجد يرفع الآذان مباشرة من فوق المئذنة أو سطح المسجد وكان هناك وظيفة ظريفة للأطفال وهي مراقبة المؤذن عندما يظهر من شرفة المئذنة، فيصيح الأطفال الذين يراقبونه من فوق أسطح منازلهم ( طلع ، طلع ، طلع ) ، وهذا إيعاز لربة البيت لفرد مائدة الطعام ، لأنه بالعادة يظهر الشيخ على مئذنة المسجد قبل وقت موعد الإفطار بخمس دقائق على الأقل ، وعند رفع الآذان ينزل الأطفال مسرعين ، من فوق أسطح المنازل لتناول طعام الإفطار….
8 . زمان كان الناس أكثر ترابطاً ، ومن باب التكافل الاجتماعي الحقيقي كانوا يتبادلون ما يعدون من طعام عند الإفطار، وبالتالي يتنوع الطعام في بعض البيوت …… وكانوا يعتمدون على مياه الآبار وجرار المياه في شربهم وإعداد الطعام . كما تحرص الأسر في العشرة الأواخر من رمضان على إخراج زكاة الأموال ويتم توزيعها على مستحقيها من الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل
9 . ومن العادات الرمضانية كان الناس يستعدون لاستقبال ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان بجو روحاني فيه كثير من الرجاء والأمل بالقبول والمغفرة ،
10 . ويحرص الناس في أواخر رمضان في أيام الوقفات ( الوقفة الصغيرة وهي يوم 28 رمضان والوقفة الكبيرة يوم 29 رمضان بإخراج زكاة الفطر وكانوا يسمونها ( الفُطرة ) وتوزيعها على المحتاجين ليستعينوا بها على حاجاتهم يوم العيد ، ويدفعون اجرة المسحراتي ، وفي اغلب الأحيان يدفع له كمية من القمح عن كل أسرة
11 . كانت النساء تنهمك في أواخر شهر رمضان بتنظيف البيوت استقبالا ليوم العيد ، وتجهيز بعض الحلويات المصنوعة محليا مثل : اللزاقيات أو أقراص العيد ، التي كانت تقدم لأفراد الأسرة والضيوف صباح العيد ، وأيضا من العادات الرمضانية القديمة كانت تأخذ النسوة بعض هذا الخبز وبعض الحلوى مثل راحة الحلقوم عند زيارتها في الصباح الباكر يوم العيد للمقابر للدعوات وقراءة الفاتحة للأموات من الأقارب ، ويوزع على الأطفال والمحتاجين.
12.أما الرجال فبعد انتهاء صلاة العيد يزورون المقابر ويترحمون على الموتى بالدعاء وقراءة الفاتحة ويعودون لبيوتهم استعدادا للسلام على الأقارب والجيران وصلة الأرحام ، وتكتمل فرحة الأطفال عندما يأخذون العيدية من والديهم أو إخوانهم الكبارأو الأقارب.
صياما مقبولاً وفطورا هنيئا وكل عام وانتم بخير