طوفان الأقصى: دروسٌ للحاضر والمستقبل// : أ.د.عبد الناصر زياد هياجنه
لم تنتهِ المواجهة مع الكيان الصهيوني بعد، وإنما هي جولةٌ على طريق التحرير والانتصار للحقوق وزوال الاحتلال. لن يستطيع أحدٌ مناجزة الله، أو تغيير الحتمية التاريخية الثابتة بأن الحق منصورٌ والباطل مدحور. لقد كان “طوفان الأقصى” طوفاناً بالمعنى الكامل والعميق، فقد جرف في طريقه كل المتخاذلين من عجمٍ ومن عرب. وأسقط أقنعةً لطالما خدعت الكثير بحقيقة “الحضارة” الغربية القائمة على المادة والزيف والظلم والافتقار لأي محتوٍ أخلاقي وانساني –والمعنيّ بذلك بدرجةٍ كبيرة النظم الغربية الرسمية-. كما أنه أعاد للأذهان حقيقة أن الشعوب المكافحة للتحرر، ستتحرر بالقوة لا بغيرها. وإذا أراد الانسان التأمل فيما جرى من أحداثٍ ومواقفَ ومآلات، فإنه لا بد أن يتوقف عند جملةٍ من الملاحظات أوردُ هنا أبرزها.
أولا: من الحماقة والضعف، الاعتماد على الأمم المتحدة والقانون الدولي لحماية الناس والحقوق، فهما بشكلهما الحالي مجرد “كذبة كبيرة” وأداة طيّعة في يد الأقوياء وهم قلةٌ – بلا أخلاقٍ وضمير – لديها رصيدٌ من القوة المادية المجردة وتظن أن بوسعها التحكم في مصير العالم.
ثانياً: الاعتماد على الذات؛ فمن الحماقة الاعتماد على أحدٍ في مسألة التحرر الوطني، فإذا كانت التحالفات مفيدة للحصول على الشرعية والإمداد بوسائل القوة المادية والسياسية، فإن الأصل في قضية التحرر الوطني هم أصحاب الأرض والحقوق، فهم وحدهم القادرون على فرض معادلات المواجهة وحمل القضية إلى واجهة الأحداث في خضم الزيف والظلم وفيضان القذارة الذي يطفحُ به عالم اليوم.
ثالثاً: خُرافة حل الدولتين؛ فمن الجنون والاستسلام استجداءُ ما يُعرفُ بحل الدولتين، فكيف نجعلُ من حدود الهزيمة سقفاً للمطالبة بالحقوق؟ هي دولةٌ واحدةٌ فقط، فلسطينُ بأرضها وسمائها من بحرها لنهرها، ولا مكان أبداً لحلٍ آخر يرفضه العدو نفسه – بغباءٍ لا يمكن فهمه – مع التحفظ الشديد على ما يمثله هذا الحل من خيانةٍ وتخاذلٍ وتفريطٍ بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، أصحاب الحق الكامل في فلسطين كلها.
رابعاً: من الضروري التسلح بعناصر القوة المادية والإعداد للمواجهة، فبدون القوة لن يسمع أحد صوت الناس، وبغيرها لن تُسترد الحقوق أياً ما كانت شرعيتُها في عالمٍ لا مكان فيه للضعفاء. ما يتطلب الكثير من الإعداد والعمل لامتلاك وبناء عناصر هذه القوة البشرية والمادية.
خامساً: فشل منظومة العمل الرسمي العربي وانكشافها؛ فلا يمكن في ظل الوضع الراهن للنظام الرسمي العربي وجامعة الدول العربية، الحديث عن مرتكزات لأمن قومي عربي أو لأمن وطني للدول العربية. فقد بات من الواضح أن الرِهان على الأنظمة العربية في حسم الأمور أو المساعدة في ذلك، هو رِهانٌ خاسرٌ بكل المقاييس. فمع تبايناتٍ محدودة – وغير مؤثرةٍ على العموم – لم يقدم النظام الرسمي العربي ما يمكن اعتباره مقبولاً لتغيير قواعد المواجهة، فأبرز اللاعبين والمتأثرين بالمواجهة مع الكيان الصهيوني أكدوا في العلن رفضهم لتهجير الفلسطينيين لكنهم لم يفعلوا شيئاً معتبراً لمنع هذا التهجير وتعزيز صمود الفلسطينيين في أرضهم. بل وصل التخاذل و/أو التآمر لدرجة المساس بالسيادة الوطنية والانتقاص منها خوفاً أو طمعاً من الانخراط في المواجهة ولو كان ثمن ذلك هو التأثير سلباً على الأمن الوطني بالمنظور الاستراتيجي. فالدول ليست مجرد جمعياتٍ خيرية لتقييم الإعانات الإنسانية على أهمية ذلك ووجوبه، بل هي كيانات تملك موارد ومصالح وأوراق ضغط ومواقف تمليها عليها السيادة الوطنية والأمن الوطني.
سادساً: الأهمية المطلقة للأمن الغذائي والمائي والصحي، فلا يمكن الاعتماد على الغير أو الظروف في تحقيق تلك “الأمانات” الاستراتيجية الحاسمة في الصمود ومواجهة الأخطار والطوارئ.
سابعاً: الأهمية المطلقة للجانب المعنوي في الصراع، فبدون التعبئة المعنوية والدينية للأفراد لن يكون بوسعهم الصمود في وجه الحروب والعدوان، ناهيكَ عن خوض الحروب ودفع العدوان والانتصار على المعتدين.
ثامناً: أهمية الإعلام بكل أشكاله ووسائله في كشف الحقائق وتفنيد الأكاذيب ومنع تزييف الوعي الفردي والعام، ومواجهة العدو ودحض سرديته البائسة المتهافتة، والتأثير على جبهته الداخلية والخارجية.
تاسعاً: عدم الاستسلام للسرديات الانهزامية التي تريد تكريسَ الأمر الواقع باعتباره من المسلّمات التي لا يمكن تغييرها أو تحديها بالمواجهة. فالكيان الصهيوني كيان مصطنع وغير متجانس وجيشه مجرد عصابات إجرامية ويمكن هزيمتها بالجهاد الصادق.
عاشراً: الصبر الاستراتيجي؛ فالحق منتصرٌ بأهله وتوفيق الله ونصره، ولذلكَ مقارباتٌ واقعيةٌ ينبغي السعي الحثيث لتحقيقها بعيداً عن الأحلام والأوهام والتواكل. والمواجهة مع مشروعٍ عالمي تآمري بغيض تحتاج صبراً على الظلم والقهر والتضحيات الجسيمة والمقدّرة، والمهم هو تحويل هذا الصبر إلى طاقاتٍ إيجابيةٍ للعمل والإعداد. فلا تحرر بلا تضحيات، ولا انتصار بغير اعداد وعمل جاد.
ولعلي لا أُبالغُ، إذا قُلتُ بأن طوفان الأقصى هو من أكبر الأحداث التي عايشتها وأنا أخطو قريباً من الخمسين، ولعلي أشهدُ مواجهاتٍ قادمةٍ تتحقق فيها الأماني بتحرير فلسطين، عربيةً إسلاميةً بيد أهلها الشرعيين ودحر الصهاينة المعتدين، ودفن المشروع التآمري الذي يمثله الكيان الصهيوني البغيض، فإن كان ذلك، فلله الحمدُ والمِنة، وإن لم أكن على ذلكم من الشاهدين، فحسبي من اليقين أن ذلك قادمٌ لا محالة، وإني لا أراه بعيداً إن شاء الله.
التعليقات مغلقة.