شنطة سفر // سعيد ذياب سليم
==
قبل أن تفكر “بالشنطة” التي ستحملها هل سألت نفسك لماذا نسافر؟ وهل هي الأسباب نفسها التي من أجلها يرتحل الناس من الشمال إلى الجنوب و من الغرب إلى الشرق؟ أم أن لنا أسبابنا التي يقف عندها العالم المتحضر حائرا؟ أم أن الوضع الاقتصادي يدفع الأدمغة للهجرة -وأنت أحد هذه الأدمغة- هل هذا يعني أن من تبقى ممن يتشبثون بأذيال الوطن في حالة صوفية ينقصها الوعي بالمحيط الفيزيائي؟ أو كما قال صديقي باللهجة الدارجة مستنكرا “هبايل”؟
يرتحل الناس سياحة أو عبادة أو طلبا للعلم أو المال أو المغامرة! فأيهم أنت من بينهم؟
هل ظروف العالم اليوم تسمح لك بالتنقل بحرية حاملا هويتك و جيناتك السمراء؟
فإن عزمت فلا تفكر بحجم “الشنطة” كثيرا فالذي يقرر عنك هو ما تحمله وما تسمح لك وسيلة النقل بحمله ولا بالشكل أو اللون دع عنك ذلك لسيدة البيت فهن ربات الفنون ، ليس مهما أن تكون جديدة ربما تكفيك تلك ” الشنطة” التي حملتها معك عندما غادرت القرية لأول مرة أو تلك التي رافقتك أثناء حياتك الدراسية أو تلك التي تصحبها في رحلاتك العملية فقد تشعر نحوها بمشاعر عاطفية شكلتها السنوات والأحداث.
وماذا ستحمل فيها؟ مقتنياتك الشخصية و معجون الأسنان و زجاجة الدموع ودفء قلب تتدثر به من برودة الطريق وملف الذكريات؟
أين تذهب ؟ وأي الطرق تسلك؟ برا أم بحرا أم جوا؟
هل اخترت رفيق رحلتك أم أنت من النوع الذي يسافر وحيدا لترى ما ترسله لك الطريق؟
ربما مازال البعض يفكر بالرحلة سيرا على الأقدام جنوبا أو شمالا وهي رحلة تبذل فيها جهدا عضليا وعصبيا تواجه فيها الخطر و المشاق إلا أن كثيرا من الناس يفعلها هربا من المناطق الساخنة و ما أكثرها اليوم حول العالم على قلة من يصل وجهته سالما معافى!
فعلها “باولوكويليو” وسار في طريق الحج القديم باتجاه “سانتياغو دي كومبو ستيلا ” بالعربية هو طريق القديس يعقوب شمال إسبانيا وأثمرت رحلته هذه روايته الأولى بعنوان الحاج ” “The Pilgrimage قال “باولو كويلو” حول رحلته: “كن شجاعاً. واجه الخطر. لا شيء يغني عن التجربة.” وهي رحلة روحية لاستكشاف الذات و اختبار آفاق النفس و مكامن القوة والصعف.
ومنهم من يركب دراجة هوائية أو دراجة نارية كتلك التي ركبها “البرتو غرانا دو” وصديقه “أرنستو غيفارا” سنة 1952 وجابا عليها أصقاع أمريكا الجنوبية عبرا الفيافي و الصحاري وسارا على سفوح الجبال لكن الدراجة أُنهكت لكثرة الأعطال الميكانيكية التي أصابتها فتركاها و تسلّلا إلى سفينة لإتمام الرحلة، كتبا عن رحلتهما تلك في كتابين منفصلين وما حوت تلك القارة من جمال واستغلال و معاناة، جمال يفوق الخيال وصف بحيرات ذات مياه نقية و سطح فضي كالمرآة وشواطئ تدغدغ القلب وسلاسل جبال “الإنديز” العالية وغابات و صحار جافة ممتدة وفقر استشرى في ظل سياسات ذلك الزمن، تنقلا بين الأرجنتين و تشيلي و البيرو و كولومبيا وفينزويلا.
لا أعتقد أن تكون على درجة من الجنون -وهو شرط من شروط المغامرة- تكفيك لتركب جوادا هزيلا كما فعل * دون كيشوت ” وتخرج في مغامرة لمقاتلة التنين فلا تجد إلا طواحين الهواء في انتظارك!
ربما تستقل إحدى الحافلات لتصل لأقرب محطة للقطارات لتنطلق منها حيث شئت، أو لأقرب ميناء تبحر منه في جولة بحرية لزيارة الجزر او حواجز المرجان في بقاع مشهورة بها حول العالم.
لكن الرائج بين الناس ان تختار السفر جوا بما فيها من تجربة سياحية ممتعة، تنطلق بك الطائرة من مطار أشبه بمدينة صغيرة بما فيه من مرافق مختلفة تدلل فيها الجسد و الروح و القلب، تمر بالمطاعم و المقاهي و الأسواق و المكتبات و صالات المؤتمرات و العروض على أنواعها وصالونات العناية بالجمال والحدائق، تجعل من الترحال ملتقى ثقافي تلتقي فيه بألف فرصة تخرج منها بمغامرة.
لتحط في المدينة التي ترغب و تعيش تجربة إنسانية وبعدا حضاريا وتاريخيا مختلفا.
أما عن السياحة الداخلية فهي مغامرة لا تنتهي، فقد حبانا الله في الأردن مواقع سياحية متنوعة، منها البتراء إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة، والمغطس الذي يمر به طريق الحج المسيحي وجبل نبو و طبقة فحل، ومدن جرش و أم قيس و فيلادلفيا الأثرية ، و مقامات الصحابة رضي الله عنهم ،و المحميات الطبيعية و الغابات و البوادي و البحر الميت و وادي رم و مدينة العقبة مدينة البحر، تَحُف بها الفنادق و المطاعم والمقاهي والاستراحات السياحية ، وتصل بينها طرق رئيسية دولية ومطارات عمان و العقبة ،يحق لنا أن نفخر ونبتهج بوطننا الجنة.
هذا ما يفعله الناس في عالم خال من الكوارث و الحروب يتمتعون ببحبوحة اقتصادية يمارسون فيه حقوقهم في الحياة والتنقل بحرية.
هذه الحقائق البسيطة نوع من المستحيلات في مناطق كمدينة غزة و بعض دول القارة الإفريقية!
فهم يقطعون البحر الأبيض في مراكب مهترئة لا تكاد تبدأ رحلتها حتى تلفظ من عليها إلى البحر فيكملون رحلتهم سباحة ليس لمهارتهم في السباحة بل لبساطة أحلامهم و قلة الحيلة ليصلوا للساحل الآخر جثثا لا تكون واضحة المعالم في الغالب.
أما غزة القابضة على الجمر فهم يدفعون بسكانها ليختاروا الخروج من الجحيم طواعية، تؤمن لهم شركة السياحة المصرية المخوّلة بذلك السفر مقابل خمسة آلاف دولار أمريكي للفرد ومثلها لكل فرد من أفراد الأسرة !
فمن يقدر على ذلك ؟ أليس الموت أسهل بكثير؟
سعيد ذياب سليم
التعليقات مغلقة.