السلم الاجتماعي Social Peace// الدكتور فخري النصر
=
يُعتبر السلم الاجتماعي في المملكة الأردنية الهاشمية ركن أساسي في تحقيق الاستقرار والأمن في المجتمع الاردني ، كما يُوفر العدل الكافل لحقوق الأفراد، وإذا ما فُقد السلم فإن النتيجة ستكون تدهور الأمن المجتمعي وزعزعة الاستقرار الوطني وستسود حالة من العنف المجتمعي بين افراد المجتمع .
ويمكن تعريف السلم الاجتماعي على أنه التعايش والاستقرار بين افراد القبائل والعشائر الاردنية والاقليات التي تعيش في هذا البلد مع وجود علاقة جيدة وقوية مع والدولة الاردنية الهاشمية بغض النظر عن الدين او الطائفة او الموقع الاجتماعي والوظيفي, وعندما يثق الشعب الأردني بأن قرارات الدولة عادلة ويتم اتخاذها من خلال أسس سليمة وجيدة، حتى ولو لم تنفعهم بشكل مباشر فيطمئن ويحدث الامن والاستقرار الاجتماعي .
ولا يعني السلم الاجتماعي بالضرورة إزالة جميع الاختلافات بين أفراد المجتمع ومؤسساتها وإجماع جميع هذه الأطراف على نفس القرار والرغبات، بل يعني إدارة القرارات بما يحقق أفضل مصلحة مشتركة لجميع الأطراف.
ويُمكن من خلال السلم الاجتماعي أيضًا تحقيق التعاون والتشارك بين الأفراد، مما يُحقق التنمية والتقدّم للمجتمعات، والنمو والازدهار في مختلف القطاعات، وتطوير المؤسسات والمنتجات الاجتماعية، حيث ينصب اهتمام الأفراد حول الإنتاج، والبناء، وتحقيق المصالح المشتركة، كما تتكاتف الجهود في خدمة الوطن والمجتمع.
على عكس ما يحصل في حالة العنف المجتمعي حيث ينشغل كل طرف بالانتقام من الآخر، وتغلب المصالح الخاصة على المصلحة العامة والمشتركة، وتجدر الإشارة إلى أنّه في هذه الحالة ليس فقط يستحيل التقدّم بل يصعب أيضًا الحفاظ على القدر الموجود من الحضارة وينهار كيان المجتمع , وحينها تضيع الحقوق وتُنتهك الحرمات، وتُدمر المصالح العامة، وتشعر كل جهة بأنّها مهددة في مصالحها ووجودها، فتتجه نحو الانتقام وإحراز أكبر قدر ممكن من السيطرة والغلبة.
تجدر الإشارة إلى أنّ ثقافة السلم الاجتماعي تحتاج إلى تعليم وتدريب لكي تُزرع وتُغرس في نفوس الأفراد، وذلك لتؤدي إلى ثمار السلام الاجتماعي الحقيقي، وهنا يترتب على كافة مؤسسات المجتمع ترسيخ وتمكين هذه الثقافة، ابتداءً من السلام الداخلي مع النفس إلى السلم المجتمعي والعام، بحيث يشمل السلام البيئي أيضًا والاهتمام بالتنمية المستدامة.
ويعد السلم الاجتماعي من ضروريات الحياة منذ بدء الخليقة إلى اليوم الحالي، وذلك بسبب العديد من الفوائد التي يقدمها السلم على الأفراد والمجتمعات، وتبرز أهمية السلم الاجتماعي في عدة جوانب، منها:
– غياب العنف والصراع والخوف لدى شرائح المجتمع الأردني.
– وجود مواطنين صالحين منتظمين بأنظمة المملكة الاردنية الهاشمية وقواعدها.
– تحقيق العدالة والوحدة والتعاون بين أفراد المجتمع الاردني .
– تطور المجتمع الاردني وتقدمه وازدهاره.
– زيادة مستويات السعادة والراحة للمواطنين الاردنيين .
– وسيلة للحفاظ على الحياة الاجتماعية في معزل عن الصراع الداخلي.
– حل سليم للنزاعات والصراعات الناتجة عن الاختلافات والتوترات الاجتماعية والنزعات العشائرية .
وهناك العديد من الطرق التي يمكن اتباعها لتحقيق السلم الاجتماعي في المجتمع الاردني وليس ضروريًا أن تكون هذه الطرق صعبة التحقيق، بل إن بعضها بسيط جدًا ولا يحتاج مجهودًا كبيرًا ومن أبرزها:
– تنمية النازع الديني والاخلاقي ولإيماني لدى افراد المجتمع الاردني .
– تعزيز القيم الاسلامية والاخلاق لدى افراد المجتمع الاردني .
– كتابة المقالات والمنشورات عن السلم الاجتماعي ونشرها في الصحف أو المجلات ووسائل التواصل الاجتماعي .
– المشاركة في المهرجانات والنشاطات والفعاليات المحلية التي تدعم السلم الاجتماعي وتنبذ العنف المجتمعي .
– مساعدة الآخرين والافراد قدر الإمكان، حتى لو كانت المساعدة بسيطة.
– تعلم مبدأ اللاعنف وكيفية ممارسته وتطبيقه.
– التطوع مع الجمعيات والهيئات والمنتديات التي تهدف إلى نشر السلم الاجتماعي.
– تنظيم نشاطات ومهرجانات مجتمعية تهدف إلى زيادة الوعي المجتمعي وتعريف الناس بالسلم الاجتماعي وأهميته.
– الدعوة إلى المساواة في حقوق الإنسان والرعاية الصحية والتعليم والفرص والسلامة العامة والأمن المحتمي .
– البحث عن طرق للحوار والنقاش والتفاعل التعاوني مع الآخرين الذين لديهم خلفيات متنوعة ووجهات نظر وقيم مختلفة.
– التعرّف على التجارب الإنسانية الأخرى وتقديرها، وتوسيع دائرة التعاطف والاهتمام من خلال التركيز على ما يهم العالم ككل.
– الانضمام إلى مجموعات ومنظمات عالمية مهتمة بالسلام والعدالة الاجتماعية.
– التعرّف على الطرق البناءة في حل الخلافات واستخدمها لإدارة النزاعات والتحديات.
ويمكن تلخيص أركان السلم الاجتماعي في:
– حكومة اردنية هاشمية متنوعة من افراد المجتمع والمناطق الجغرافية تعمل لخدمة الشعب الاردني بشكل فعال ويتم تقدير جهودها من قبل المواطنين مما يولد الثقة بين أفراد المجتمع والحكومة.
– بيئة عمل سليمة امنة سواء أكانت مؤسسات حكومية أم خاصة، فإن بيئة العمل الجيدة والظروف الاقتصادية الجيدة تساعد في بناء دول سلمية.
– توزيع عادل للموارد المادية والوظائف القيادية العليا بين افراد المجتمع الاردني مع قبول حقوق الغير ويجب على الدولة أن تسن القوانين والانظمة والتعليمات التي تضمن حقوق جميع أفراد المجتمع، وعلى أفراد المجتمع تقبل حقوق الآخرين.
– بناء علاقات ايجابية وجيدة مع الدول المحيطة، فالدول التي ترغب بأن تحافظ على سلامها لا بد لها من أن تشكل علاقات جيدة وسلمية مع الدول المحيطة بها.
– التدفق الحر للمعلومات، فنشر المعلومات بطريقة صحيحة وسلمية يؤدي إلى زيادة معرفة الأفراد بمشاكل المجتمع ورفع القدرة على حل هذه المشاكل.
– وجود رأس مال كافٍ، يجب أن يكون رأس مال المجتمع كافيًا لرعاية الشباب وتعليم المواطنين والعديد من الخدمات التي تسهم في جعل المواطنين صالحين.
– وجود رعاية صحية شاملة لإفراد المجتمع وتامين صحي لجميع المواطنين والمقيمين في المملكة الاردنية الهاشمية .
– وجود تعليم مجاني في المدارس والجامعات لجميع افراد المجتمع الأردني مع تفعيل ضريبة التعليم على الجميع.
– محاربة الفساد والواسطة والمحسوبية : ويعنى سوء استخدام الموقع الوظيفي من أجل تحقيق مكاسب شخصية. سياط الفساد يلهب ظهور الناس كل يوم، في صورة شراء سلعة أكثر من ثمنها، والحرمان من خدمة يحتاجها الشخص، أو عدم الحصول علي فرصة عمل لغياب الواسطة. فقد تحول الفساد إلي أداة لتسيير الحياة اليومية من خلال تحريك تروس البيروقراطية المتكلسة، وشراء الولاء، وتجنيد التابعين، وحشد الأنصار، وبناء قاعدة التأييد، وخدمة المصالح الضيقة، وهو ما يتسبب في إحداث فجوة حقيقية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع، وهو ما يؤدي إلي ارتفاع مستوي التوتر الاجتماعي، ولجوء بعض الفئات إلي العنف والجريمة.
– العدالة الاجتماعية: تعد العدالة الاجتماعية ركنا أساسيا من أركان السلم المجتمعي لا يمكن أن يتحقق سلام اجتماعي في أي مجتمع إذا كانت أقليته تحتكر كل شيء، وغالبيته تفتقر إلي كل شيء. الصراع بين الطرفين سيكون السمة الغالبة. ولا يقتصر مفهوم العدالة الاجتماعية علي المشاركة في الثروة، وتوسيع قاعدة الملكية لتشمل قطاعات عريضة من المجتمع، والحصول علي نصيب عادل من الخدمات العامة، ولكن يمتد ليشمل ما يمكن أن نطلق عليه “المكانة الاجتماعية”، التي تتحقق من خلال مؤشرات واضحة مثل التعليم. وتقتضي العدالة الاجتماعية أن يحصل كل شخص علي فرصة حياتية يستحقها بجهده، وعرقه، وهو ما يعني انتفاء كافة أشكال المحسوبية والواسطة، التي تعد الباب الملكي للفساد..
– حرية التعبير : تعد حرية التعبير من مستلزمات عملية بناء السلام الاجتماعي في أي مجتمع. فمن الثابت أن المجتمعات تقوم علي التعددية الثقافية والدينية والنوعية والسياسية، كل طرف لديه ما يشغله، وما يود تحقيقه. القاسم المشترك بين الجماعات المختلفة هو أساس بناء المجتمعات. ولا يتحقق السلام الاجتماعي دون أن تتمتع كل مكونات المجتمع من مساحات متساوية في التعبير عن آرائها، وهمومها، وطموحاتها. في مناخ عقلاني يسوده الانفتاح يمكن الاستماع إلي كل الأطراف، وتفهم كل الآراء، دون استبعاد لأحد، بهدف الوصول إلي الأرضية المشتركة التي يلتقي عندها الجميع.
– الاحتكام إلي القانون: يمثل “حكم القانون” في المجتمع الحديث أحد أهم عوامل تحقيق المساواة والعدالة في العلاقات بين الأفراد، والجماعات. يعني حكم القانون عدد من النقاط الأساسية:
* الأفراد متساوون أمام القانون بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق.
* مؤسسات العدالة، الشرطة والنيابة والمحاكم تطبق القانون علي الأفراد بحيدة كاملة بصرف النظر عن موقعهم الاجتماعي، أو انتمائهم الديني، أو نفوذهم السياسي.
* يكون اللجوء إلي مؤسسات العدالة ميسورا مكفولا للجميع، لا يتحمل فيه الشخص أعباء مالية تفوق إمكاناته المالية أو مستواه الثقافي.
* تطبق مؤسسات العدالة القانون في إطار زمني معقول، يسمح لها بتداول الأمر بجدية، وفي الوقت ذاته لا يؤدي إلي إطالة أمد التقاضي علي نحو يضيع حقوق المواطنين.
* تنفذ الأحكام الصادرة عن مؤسسات العدالة بحزم دون تسويف أو تأخير, وهذه المعايير الأساسية التي تحكم تجسد مفهوم “حكم القانون” في المجتمع. يؤدي حضورها إلي ما يمكن أن نطلق عليه “التوقع الاجتماعي”، ويعني ذلك أن الأفراد يتوقعون نظاما قانونيا في المجتمع، يحكم علاقات بعضهم بعضا، يقوم علي وضوح القوانين، وشفافية عملية التقاضي، والحزم في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية واجبة النفاذ. غياب بعض هذه المعايير أو جميعها إلي إهدار لمفهوم المساواة بين المواطنين في المجتمع، ويدفع الأفراد إلي الاستناد إلي قوانين من صنعهم، مثل البلطجة، والرشوة، وجميعها تعبر عن اهتزاز مفهوم “حكم القانون” في نفوس الأفراد، وهو ما يؤثر علي السلام الاجتماعي في المجتمع.
حقيقة مقال رائع يصلح لأن يكون خارطة طريق نحو تحقيق السلم المجتمعي.. بدأ بتعريف السلم المجتمعي.. ثم أهميته..ثم الاستفاضة بالتحدث عن اركان السلم المجتمعي.. أهمها عدالة توزيع الأدوار والأموال.. وسيادة القانون.. وحية التعبير.. وصيانة الحقوق.. وتحديد الواجبات.. وأهمية عدالة التعليم وتقدمه.. وعدالة تقديم الخدمات الصحية.. لا تراجعها.. واختيار النخبة للادارة.. وخلق المرجعيات والقدوات للمجتمع كصمام أمان.. وتظافر الجهود بين أبناء المجتمع الواحد
للعمل سوية تحت مظلة الدولة..
شكرا لك دكتور فخري بحجم السماء.. لأنك تدق أجراس الوعي..