سور الأردن: الأطول في العالم بعد الصيني.. ينتظر استكمال التوثيق
يذهب أستاذ علم الآثار القديمة البروفيسور في الجامعة الهاشمية د. محمد وهيب إلى أن سور الأردن هو الأطول في العالم بعد سور الصين العظيم، مشيرا إلى أن سور الأردن الذي يمتد طوله لـ 150 كيلو مترا من الحسا إلى رأس النقب ينتظر حتى الآن استكمال التوثيق.
ويضيف أن وباء كورونا تسبب في تعطيل عملية الاكتشافات والأبحاث التي تقوم بها البعثات الوطنية بالتشارك مع البعثات الاجنبية، إذ تأثرت كغيرها من قطاع السياحة.
ويوضح أن العمل جار لتوثيق اكتشاف طريق “الإيلاف القرشي”، الممتد من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام عبر محطات الأردن في غرندل ووادي عربة وبير مذكور وطلاح وغور الصافي والبلقاء وشمال المملكة، وكذلك الفرع المتجه عبر جنوب فلسطين تجاه شواطئ غزة، حيث توفي قائد قافلة الإيلاف هاشم بن عبد مناف، وعليه سميت غزة هاشم.
ويشير وهيب في لقائه مع “الغد”، إلى أبرز العوائق التي تواجه عملية التنقيبات في الأردن، شح الموارد المالية، وهي أبرز عائق أمام الباحثين لاكتشاف المزيد من المواقع المهمة في الاردن، كما أن إشراك المجتمعات المحلية خارج إطار العمل المأجور يواجه بعض التحديات لحماية تلك المواقع من الاعتداءات، ولا بد من استخدام التقنيات الحديثة لحفظ الإرث الحضاري المنتشر بكثافة على أرض الأردن المباركة.
ويلفت وهيب لوجود أهم حضارات في الأردن، وتبدأ من الحضارة الحجرية في “عين غزال” والحضارة “البرونزية” في وادي عربة، وحضارة “عصر الحديد” في دير علا، وحضارة “العصر الهلنستي” في عراق الأمير، وحضارة “الروم” في العديد من المدن، مثل: جرش وأم قيس وعمان وطبقة فحل وغيرها وحضارة العرب الأنباط في البترا وجوارها وحضارة البيزنطيين في أم الجمال وأم الرصاص، وتلك الكنائس التي ما زالت موجودة، وحضارة عصر الإسلام في قصور البادية والحميمة والعقبة وعمان والبلقاء والمقامات، وفي معظم المحافظات والطرق ومحطات الحج والمساجد التاريخية هنا وهناك. ويشير إلى أنه تم اكتشاف أضخم طائر زاحف في العالم في عمان في مطلع الخمسينيات ويحمل اسم “فيلادلفيا”، فلقد حبا الله هذه المدينة بإرث حضاري متميز وفريد مرورا بالعصر الإسلامي عندما أصبحت عمان محطة لقافلة الإيلاف القرشي الهاشمي.
ويتابع، تعد مدينة فيلادلفيا سحر الشرق، وقد أبهرت الرحالة والعلماء والباحثين بإرثها العظيم عبر العصور، ولذلك سميت مدينة المحبة الأخوية “فيلادلفيا”، واكتشفت صورها في “خريطة بوتنجر”، العالمية التي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، كما كشفت صورتها الفسيفسائية على أرضية “كنيسة استفانوس”، في أم الرصاص التي ترجع للقرن السادس الميلادي، وقد زينت سقوفها بالقرميد الأحمر والأسوار العالية والبوابات والساحات، فكانت من أعظم مدن الشرق التي تشبه في طبيعتها المدينة اليونانية أثينا، وما زالت آثارها ظاهرة رغم اختفاء أجزاء منها خلال فترة الحكم العثماني، مثل الحمامات التي اكتشف جزء منها حديثا، وما زال موقع سبيل الحوريات الذي لا يوجد شبيه له قائما في وسط المدينة، كما أن بوابات المدينة المسماة بروبيليا كانت تزين مداخلها، والمدرج الصغير بجوار المدرج الكبير تحفة لا مثيل لها في مدن الرومان العالمية، فهي تحفة رائعة في فن هندسة العمارة، وتقوم أمانة عمان حاليا بإعداد خطط وبرامج للمسارات فيها لوضعها على خريطة السياحة العالمية.
وحول ما يقال إن “75 %”، من مدينة البترا غير مكتشف حتى الآن، يوضح وهيب أنه لا توجد أرقام حقيقية لنسبة حجم المكتشف من غير المكتشف في البترا، “لأننا لا نعلم ما يوجد أسفل التراب حتى نقدر الحجم، وأيضا ليس مطلوبا من الجهة المشرفة على البترا اكتشافها كلها بحيث تحرم الأجيال القادمة من التكنولوجيا المستقبلية من المشاركة في الاكتشاف”. ومن المتوقع، بحسب وهيب، استخدام وسائل متطورة مستقبلا وأكثر دقة من عالمنا الحاضر، ونسبة ما تم الكشف عنه من البترا حاليا منذ زيارة الرحالة بيركهارت لها يعتبر ويظهر عظمة هندسة العرب الأنباط، والجهود الأردنية التي بذلت على مدار 100 عام لاكتشاف هذه المدينة الوردية.
وعن طبيعة عمل عالم الآثار، يشرح وهيب أن عمله يندرج في التنقيب والاكتشاف وإعداد الدراسات والأبحاث والكشف عن إنجازات البشرية ولا يفرق بين موقع وآخر، فكله نتاج الإنسان والحضارات المتعاقبة، وعليه واجب وطني في التعريف بحضارات الوطن الأثرية وإلقاء المحاضرات بشكل دوري للنهوض بالوطن وتشجيع السياحة التي تعتبر من أهم اقتصاديات الدول.
وحول الطريق الأنسب من أجل الترويج للآثار في الأردن يرى وهيب، أن الطرق التقليدية لترويج الآثار أصبحت لا تجدي نفعا، ويجب أن يكون هناك طرق حديثة، داعيا هيئة تنشيط السياحة لتقوم بإعداد خطط تستند إلى وسائل الترويج الإلكترونية العالمية التي سيكون لها أثر في المستقبل على اقتصاديات السياحة في الأردن، والتركيز على السياحة الخليجية العربية، ففيها فوائد كثيرة ونحن بحاجة إليها. واكتشف وهيب العديد من المواقع الأثرية المهمة في الأردن، ومن أبرز هذه الاكتشافات المواقع التالية “موقع عماد المسيح، طريق الحج المسيحي، طريق الإيلاف القرشي، موقع عين ساليم التاريخي، ديار لوط، ميناء الزارة، توثيق اكتشاف الطائر العملاق، توثيق اكتشاف أقدم مئذنة في العالم، اكتشاف حضارات وادي سحم، اكتشاف حضارات الرصيفة، اكتشاف حضارات الزرقاء، توثيق كهف الرقيم، اكتشاف حضارات الرامة والكفرين، توثيق اكتشاف الجفر، توثيق اكتشاف حضارات الطفيلة، اكتشاف كهف البصة- عراق الامير… وغيرها من الاكتشافات”.
يقول وهيب، تم اكتشاف السور منذ العام 1948، وتم توثيقه عن طريق تصويره جواً في العام 1982، وتمت دراسته من طرف الفريق الأردني ودائرة الآثار العامة في 1992، ثم التنقيبات الأثرية حوله واستمرار التوثيق حتى يومنا الحاضر، مبينا أن السور يعد ثاني أطول سور في العالم بعد سور الصين، كما أنه يعد أقدم سور في العالم من فئة الأسوار الطويلة التي يزيد طولها على 100 كيلومتر؛ حيث يمتد من منطقة رأس النقب ومحافظة معان عبر الشوبك والفجيج وجرف الدراويش وصولاً إلى وادي الحسا في محافظة الطفيلة، مشيرا إلى تعرض بعض أجزاء السور للتلف بسبب شق الطرق الحديثة والزراعية.
عزيزة علي/ الغد
التعليقات مغلقة.