أبو الدخان
منذر محمد الزغول
–
تاريخ نشر المقال / 13-02-2019
عندما كنا صغاراً نلعب ونلهو ، كان جُل همنا أن نعيش يومنا دون أي منغصات، نمارس ألعابنا التقليدية التي كانت معروفة في زماننا ذلكآ آ كالكمبستير و الخارطة و كرة القدمآ وفي كثير من الأحيان كنا نمارس هذه اللعبة بأبريق بلاستيك حيث كان من النادر جداً توفر كرة قدم، وكنا أيضاً نمارس عدد منآ الألعاب الأخرى التي لا أتذكرها جيداً ، والأهم آ من ذلك أن السعادة كانت تغمرناآ لأننا كنا نشعر بقناعة حقيقيةآ ورضا تام رغم أننا لم نكن نملك من حُطام هذه الدنيا أي شيء.
آ
على الجانب الآخر كانت نساء الحارةآ يمارسن هوايتهن في الجلوس معاًآ على شكل مجموعات، والطبع في ذلك الزمن لم تتوفر وسائل التكنولوجيا التي نعرفها الأن ، فكان مسك الشل ومناقشة القضايا الأسرية هي حديث نساء الحارة، والأهمآ أن نساء الحارةآ كن أيضاً يستفدن من وقتهن بالجلوس معاً وخاصة في مجال ما يسمى تشريط الملوخية وعدد من الواجبات المنزلية الأخرى ،حيث كانت الجارات يساعدن بعضهن البعض بهذه المهماتآ المنزلية.
آ
صورة لا أجمل ولا أروع كانت تتشكل يومياً في جميع حاراتنا ، فكل يمارس عمله وهواياته ، وتكاد تتكرر هذه الصورة كل يوم ، وفي المساء تجد الجميع في منازلهم البسيطة ، وفي كثير من الأحيان قد لا تجد إلا القليل القليل يسهر الى ما بعد الساعة العاشرة مساء بسبب الحركة الدائمة والعمل المتواصل خلال النهار.
آ
ما كان يلفت نظري في ذلك الحين أن أكثر شتيمة كنت أسمعها من أطفال وفتيان الحارة عندما كانوا يتشاجرون ويختلفون على أمر ما هيآ ( ولكآ يا أبو الدخان ) ، وطبعاً كان الشخص المعني بهذه الشتيمةآ يغضب غضباً شديداً وينزعج عندما يسمع هكذا مسبة وشتيمة وكأنه ارتكب خطيئةآ كبرى لا يمكن معها أن يُحسّن صورته بعد ذلك مهما فعل ، رغم أن غالبية ما كان يدخنه فتيان الحارات في ذلكآ الوقت هيآ أغصان الملوخية اليابسةآ التي تركتها نساء الحارة بعد تشريطها، و قد يكون الدخان المعنيآ هو دخان الكمال واللولوآ وبعض الأنواع الأخرى التي كانت معروفة ذلك الزمن ، وفي كثير من الأحيان أيضاً قد يكون بعض الشباب حصلوا على الدخان من خلال الأعراس وبيوت العزاء والأعياد حيث كان من المعروف أنه كانت هناك عادات توزيع الدخان في هذه المناسبات.
آ
كانت مسبة وشتيمة (ولك يا أبو الدخان) قاسية وشديدة ، وكان يعتبرها الشباب والفتيان في ذلك الوقت شتيمة ما بعدها شتيمة ، بل كانت تعتبر إساءة كبيرة للشخص المعني ، رغمآ أنه لم يسرق الدخانآ ولم يحصل عليهآ بطرق غير مشروعة، والأدهى والأمر من ذلك أنه إذا رافق هذه الشتيمة تهديد بإبلاغ ولي الأمر والأب حول قيام إبنه آ بالتدخين، فتكون أيضاً المشكلة والطامة الكبرى ، حيث كان الآباء وأولياء الأمور في ذلك الوقت يمارسون دورهم الأبوي على أكمل وجه ، وكان الأبناء يخشون من أباءهم خشية لا يعلمها إلا الله العلي القدير .
آ
فبعض سجائر الملوخية والكمال واللولو رغم أنها جاءت بكثير من الأحيان بطرق مشروعةآ كانت تشكل حالة من الرعبآ والخوف للأبناء والشباب في ذلك الزمن ، وكانوا حينها يحسبون ألف حساب لأولياء أمورهم .
آ
اليوم وللأسف الشديد ماذا عسانا أن نقول أمام مئات الأطنان من الدخان الفاسد المليء بالقمامة والأعشاب الضارة التي لم يهتز لأصحابها رمش أو جفن ، بل استمروا بغيّهم وظلمهم وفسادهم دون أي وازع من ضمير أو أخلاق ، لكنآ هل يا ترى لو قلنا لأحدهمآ ( ولك يا أبو الدخان ) هل سيغضب ويزمجرآ كما كنا نغضب ونزمجر ونحن صغار ، أم سيقول و هل من مزيد.
آ
ولك يا أبو الدخان….. الله لا يقيمك ولا يرفع عنك شدة وعن كل من سهل لك عملك وتعاون معك بالترويج لدخانك الفاسد ، ولن نشكوكم إلا للواحد الأحد القهار ليأخذ لنا حقنا وحق الوطن منك ومن كل من عاثوا بالبلادآ آ فساداً وظلماً .
والله من وراء القصد ومن بعد ،،،