إدوارد سعيد وجدلية الاستشراق


عمر سامي الساكت

=

بقلم / عمر سامي الساكت

قد لا يعرف بعضنا هذه الهامة الضخمة رغم زخم إنتاجه الثقافي وخاصة الجدل الواسع الذي خلفه بسبب خوضه في الاستشراق، كاتب أمريكي من أصول فلسطينية قاتل بقلمه وقرطاسه للدفاع عن الشرق العربي تحديداً والقضايا العربية وعلى رأسها فلسطين وقد وافته المنية عام 2003م.

 لقد صنف سعيد الإستشراق إلى ثلاثة فئات الأولى أكاديمي (كل من درس وكتب وتحدث عن الشرق سواء زاره أملا) والثاني تمييز وجودي بين الشرق والغرب يستغل علم الإنثروبولجي (علم يدرس أصل النوع الإنسانى والظواهر المتعلقه به، وتطور وطبيعة وثقافة البشر) والتصنيف الثالث أسلوب غربي للسيطرة على الشرق وتسهيل إحتلاله واستغلال ثرواته واستعباد أهله.

أيدلوجية سعيد ذهبت إلى أن الاستشراق قد استـُغل لخدمة أغراض سياسية ولدعم الهيمنة الغربية على الشرق حيث يقول بأنه تم تمريغ أنف الثقافة في وحل السياسة، ويوضح أيضاً بأن الاستشراق قد انتقل من معناه الأكاديمي العلمي الموضوعي إلى التحييز لخدمة الاستعمار ومصالحه، ويعزز ذلك بالعديد من الأقوال والمؤلفات للمستشرقين مثل قول كارل ماركس بوصفه الشرق ” إنهم عاجزون عن تمثيل أنفسهم، ينبغي أن يُـمثلوا” وفي شذرات تاريخية (ملحوظات غير منشورة 1893م) تحدث بيركهاردت عن الاسلام كشئ بائس عار وتافه، – والعياذ بالله، وبالمناسبة هو نفس الباحث الذي سـُجل له إعادة إكتشاف البتــراء وكتابة ملاحظات عنها وعن البدو المحيطة بها – ويذكر آرثر جيمس بلفور الوزير الأسبق لشؤون اسكتلنده ورئيس وزارء أسبق ومتمرس في الأزمات صاحب وعد بلفور المشؤوم، يقول ” ويمكنك أن تنظر إلي تاريخ الشرقيين بأكمله فيما يسمي بشكل عام المشرق دون أن تجد أثراً لحكم الذات على الإطلاق،  كل القرون العظيمة التى مرت على الشرقيين – ولقد كانت عظيمة جداً – انقضت في ظل الطغيان و الحكم المطلق” والكثير من الكتب التي تسئ للشرق العربي ولم يفلت منها لا نبينا الكريم ولا القرآن العظيم،  مثل كتاب مصر الحديثة للورد كرومر الذي يصور أهلها بالسذاجة وأنهم متملقون وخداعون وعندهم قسوة على الحيوانات وكذابون إلى أخره من الأوصاف السيئة، كما يرى إدوارد بأن هذه الصورة السوداوية عن الشرق والعرب لم تتغير كثيراً بين الماضي والحاضر، ويربط سعيد ربطا جميلا بين الفترة الزمنية  من 1810م التي قيل فيها الكثير من الإساءات والإهانات للشرق والعرب الكثر وبين 1910م وماقاله كرومر أن الفتح الغربي للشرق ليس فتحاً بعد كل حساب بل حرية، أي أنها نفس العقلية وطريقة التفكير وفي عــام 2006 أي بعد مرور مئة سنة أخري تقريبا نجد رامسفيلد وديك شينى وبوش وآخرين في الحزب الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية وطونى بلير يحملون ذات الأفكار والمنهج بل ويتكلمون بذات الكلمات تقريباً، فقالوا عن إحتلال العراق بأنه تحريراً لأبناءه من الظلم والطغيان وزرع لمفاهيم الديمقراطية، ويقول سعيد بأن هذا يكشف العلاقة الوطيدة بين المستشرقيين والأنظمة الاستعمارية الإمبريالية في ترويج ونشر وحشد الرأي العام من أجل أهداف وغايات أخري بعيدة كل البعد عن أصول البحث العلمي ويضيف سعيد بأن القوى العظمي درست جميع الأقليات من يهود وروم أرثودوكس وأرثودوكس ودروز وشركس وأرمن وأكراد والمذاهب والملل المسيحية الصغيرة المختلفة وخطط لها وتم التآمر عليها من قبل هذه القوي العظمي. 

ويعلق سعيد على موقف حظر النفط العربي عن الغرب أن الرأي الشعبي الغربي كان يتسائل لماذا يمتلك بشر كهؤلاء العرب حق إبقاء العالم المتطور الحر الديمقراطي الأخلاقي مهدداً؟ علاوة على الصورة السوداوية المكثفة والمركزة التي في الأفلام والتلفاز الغربي التي تربط العربي إما بالفسق أو الغدر أو الخديعة أو تاجر رقيق أو ما شابه.

 وينبه إدوارد سعيد من ظاهرة تفريغ وإنتاج أعوان مثل هؤلاء المستشرقين وينقلون نظرة الغرب الفوقية للشرق إلى النظر بها إلى أبناء جلدته أما علاقته بالغرب فهم أسياده وأنه المخبر الذي ينتمي إلى السكان الأصليين وقد يكونوا تجاراً والأدهى أن يكونوا أكاديميين يناصرون الفكر الاستعماري الغربي ويبثونه، أو مسؤوليين يخدمون ويحامون عن المصالح الاستعمارية.

وأخيراً أقول بأنه لا شك بأن هنالك تيار أخر مختلف يتذكر بعض المستشرقين بدراساتهم الأكاديمية ومساهماتهم في حضاراتنا وإنصافهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولكتابنا المقدس ومنهم من تأثر واسلم أمثال الطبيب الجراح الفرنسي موريس بوكاي وكتابه المنحوت في صخر الحضارة وغيره لكنني أعتقد بالسيد إدوارد سعيد تبنى التنبيه من خطر تيار معين من المستشرقين، لذا أعتقد بأنه يستحق منا كل الإحترام والتقديـــر.

 
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.