إرهاب الدرونز الأمريكي الحقائق المخفية والاكاذيب المعلنة !
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
الطائرة بدون طيا ر او الطائرة المسيرة او الزنانة او الدرونز هي تسميات مختلفة لذات النوع من الطائرات غير المأهولة التي يوجهها مراقبون يجلسون أمام شاشات الكمبيوتر على بعد آلاف الأميال أو تبرمج مسبقًا نحو الهدف وفي الغالب تحمل أجهزة كاميرات للتصوير والمراقبة أو قذائف وصواريخ للأغراض العسكرية ومؤخرا جرى استخدامها في الأعمال المدنية الزراعية ومكافحة الحرائق وحراسة ومراقبة خطوط المياه وانابيب النفط والاحراش والمنشآت الهامة والحساسة
تتميز هذه الطائرات بخفة وزنها ومحدودية حجمها ودقة اصابتها وطول مداها وانخفاض تكلفتها مقابل الطائرات الحربية التقليدية وقد غيرت بفاعليتها المدمرة طبيعة الحروب الجوية بحيث أصبح المتحكم في الطائرة غير معرض لأي خطر حقيقي كما أصبحت هذه الطائرات جزءا لا يتجزأ من أي معركة عسكرية في مختلف الساحات والميادين وعلى وجه الخصوص في صراعات الشرق الأوسط كما انها تعتبر من أحدث تقنيات التكنولوجيا العسكرية التي استطاعت التأثير على موازين النصر والهزيمة وقد بدا ذلك جليا في ليبيا وسوريا وناجورنو كاراباخ وأوكرانيا
الطائرات بدون طيار أو الدرونز هي سلاح امريكا الخاص والمفضل الأشبه بألعاب الفيديو حيث يشن فيها طرف هجوماً على طرف آخر من دون أن يتكبد الخسائر المعتادة في المواجهات الحربية الغادية
كثيرا ما طالعتنا وسائل الاعلام المختلفة بأخبار تفصيلية حول الهجمات او عمليات الاستطلاع والتصوير التي قامت بها طائرات دون طيار تابعة لحزب الله اللبناني او جماعة انصار الله الحوثيون او حركة حماس على بدائيتها في حين اشتهرت الطائرات التركية من طراز بيرقدار ذات الكفاءة العالية في حرب أذربيجان وأوكرانيا وكذلك الحال بالنسبة للطائرات المسيرة الإيرانية التي استخدمتها القوات الروسية مؤخرا ضد المدن والتجمعات العسكرية الأوكرانية ولم نسمع في ذات الوقت اخبار مشابهة عما تقوم به قوات الجيش الأمريكي بواسطة طائرات الدروز من قتل وتدمير واجرام شبه يومي في مختلف مناطق العالم
يذكر انه مع تولّي إدارة دونالد ترامب الحكم خلفاً لباراك أوباما نفذت القوات الأمريكية أكثر من 50000 غارة جوية في العراق وسوريا وأفغانستان لم تراعي فيها مطلقا مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين او تلتزم بقانون النزاعات المسلحة وقواعد توجيه الضربات الجوية وان لخطأ في تحديد الهوية كان عاملاً رئيسياً في 17 بالمائة من الحوادث الناجمة عنها ما تسبب في بثلث الوفيات والإصابات بين المدنيين
إضافة الى ذلك انه في كثير من الأحيان قُتل مدنيون في غارات نفَّذت بناءً على معلومات استخباراتية منقوصة أو قديمة أو مبهمة مثلما حدث في الغارة التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 10 مدنيين في مدينة الطبقة في سوريا عام 2017 وفي حالات كثيرة تجاوزت الانفجارات المحيط المتوقع للانفجار وادت الى سقوط العديد من الضحايا المدنيين الابرياء
من الضروري ان نبين انه مخطئ من يظن أن أميركا تتجه الى إنهاء حروبها سواء في الشرق الأوسط، أو أي منطقة أخرى في العالم وربما صحيح أنها توقفت عن شن غزوات أو خوض معارك مباشرة أو إرسال عناصر بشرية الى بلد ما لاحتلاله كما فعلت مع أفغانستان في 2001 والعراق 2003 الا اننا في كل يوم نسمع عن ضربة لطائرة من دون طيار” الدرونز المسلحة ” في منطقة محددة من الكرة الارضية تثبت معها أميركا أنها ماضية في حروبها الأبدية ولم تتخل عن نزعتها العدوانية والاجرامية لأنه من الصعب جدا تصور عالم تعيش فيه أمريكا بدون تدمير وقتل وارهاب
منذ عام 2004 قتل ما بين 9000 و 17000 شخص بينهم 2200 طفل تحت ستارما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب في أفغانستان والصومال وسوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى وقد تعمدت إدارة أوباما حينها إخفاء العدد الحقيقي للمدنيين الذين قتلوا في ضربات الطائرات دون طيار حيث كان يتم تصنيف الأشخاص المجهولين الذين قتلوا في الغارات بأنهم أعداء حتى لو لم يكونوا الأهداف المقصودة ودون التحقق إذا ما كان الشخص المستهدف ارهابيًا حقيقيًا أو مدنيا أو مجرد مشتبه به
إدارة بايدن الحالية لا زالت تواصل شن الضربات بالطائرات دون طيار وتنفذ العمليات الخاصة ومهام التدريب والمشورة والمساعدة في جميع أنحاء العالم وواشنطن كانت ولا زالت تستخدم الطائرات بدون طيار كأداة مباشرة لتنفيذ سياسة الاغتيالات التي أصبحت عنصرًا مركزيًا في سياستها تطلق عليها توصيف مثيرة للجدل ” القتل المستهدف ” او” العمل المميت ” لتفريغ المصطلح من الدلالات السلبية للقتل والحرب
كالعادة بررت أمريكا مسألة عدوانها على الدول والشعوب بأنها لا تزال في نزاع مسلح عالمي مع هذه الجماعات التي تصفها بالإرهابية مما يعني أن قوانين الحرب بنظرها تنطبق على عملياتها وان ما قامت به فرقة العمل السري 48- 4 في الصومال واليمن وغيرها كان ضرورة استراتيجية
الوثائق المسربة تؤكد أن أول ضربة بطائرة دون طيار خارج منطقة حرب معلنة كانت في أوائل الألفية الثانية ومع ذلك لم يصدر البيت الأبيض حتى أيار عام 2013 معايير اواجراءات لتنفيذ مثل هذه الضربات في حالات محددة ب بوقوع تهديد وشيك أو شبه مؤكد من قبل الهدف المقصود
عندما تولى الرئيس أوباما منصبه كانت هناك ضربة أمريكية واحدة بطائرة دون طيار في اليمن في تشرين الثاني 2002 وبحلول عام 2012 كان يتم الإبلاغ عن غارة بطائرة دون طيار في اليمن كل ستة أيام واعتبارًا من اب 2015 قُتل أكثر من 490 شخصًا في غارات بطائرات دون طيار في اليمن وحده يبدو انهم كانوا مفتونون بقدرة وحدة العمليات الخاصة ووكالة المخابرات المركزية بالعثور على اي رجل في وسط الصحراء في قرية صغيرة متهالكة وإلقاء قنبلة على رأسه وقتله
رغم الأهمية الكبرى للشرق الأوسط كمنطقة هيمنة ونفوذ قديمة وحيوية لأمريكا الا أن إفريقيا احتلت أيضا مكانة بارزة في أذهان المسؤولين في البنتاغون ومبنى الكابيتول والكونغرس ومراكز الفكر المؤثرة في واشنطن حيث اعتبروا المنطقة الممتدة من ليبيا إلى منطقة الساحل في غرب إفريقيا إلى القرن الأفريقي أرضية خصبة لاستخدام عناصر العمليات الخاصة و المستشارين العسكريين والوكلاء المحليين والبعثات الاستخباراتية السرية وقد كانت الطائرات من دون طيار المسلحة والفتاكة الوسيلة الأهم لإبراز القوة الامريكية بذريعة ولادة داعش من جديد وانتشار الجماعات الأخرى المرتبطة بالقاعدة في المنطقة
استمرارالحرب الأمريكية على لإرهاب وتغول الاستعمار الفرنسي الجديد اديا إلى تأجيج حركات المقاومة الإقليمية وزيادة العنف المسلح وإضفاء الطابع الإسلامي على المظالم المحلية ولا يمكن في هذا الشأن رغم مرور الزمن ابراء ساحة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية في عهد الرئيس باراك أوباما وصبيها المفضل آنذاك مستشارها للأمن القومي جيك سوليفان من مسؤوليتهما في تأسيس التحالف الحالي للجهاديين في مالي والنيجر
ليس من المستبعد في المرحلة الراهنة ان يقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن بمحاولة جديدة لتنظيف الفوضى القديمة في القارة الافريقية استكمالا لحروب امريكا السابقة التي اعتمدت فيها على طائرات من دون طيار كانت تتمركز في المطارات والقواعد السرية والعلنية الموزعة بين العديد من الدول الافريقية خاصة بعد تخفيض وزارة الدفاع الامريكية من وجودها في أفغانستان قبل انسحابها واغلاقها لجميع القواعد العسكرية في أوروبا وتهويل خطر الإرهاب في شرق إفريقيا
البداية كانت في جيبوتي وهي ( دولة أفريقية صغيرة تقع بين إثيوبيا وإريتريا ) حيث كان يقع مركز القيادة الأساسي لفرقة عمل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التي تقوم بعمليات مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا في ذات الموقع السابق للجيش الفرنسي حيث تواجد بحدود 4000 من أفراد الخدمة والمدنيين الأمريكيين بالإضافة الى أكثر من اثنتي عشرة طائرة من دون طيار مسلحة وربما زاد العدد مع تكثيف النشاط العسكري الامريكي في افريقيا وقد استخدمت شواطئ مدينة كيسمايو منصة بحرية للطائرات من دون طيار ومركز مراقبة للحركة الملاحة في بحر العرب
بعد ذلك انتقل التواجد العسكري الامري الى الجارة الصومال لمواجهة جماعة الشباب الإسلامية الصومالية حيث لجأت واشنطن إلى قواعد لعب مختلفة متجنبة نشر قوات كبيرة حيث عززت من دور الجواسيس وغارات العمليات الخاصة وضربات الطائرات من دون طيار وفي أواخر عهد الرئيس دونالد ترامب أمر بسحب القوات الأمريكية الفاشلة منذ فترة طويلة وبلا هدف من الصومال وإرسال معظم الجنود إلى الدول المجاورة وهناك شكوك في أن يعمد بايدن الى إعادة النظر بقرار ترامب ويضاعف الحضور العسكري الأمريكي في البلاد
أمريكا ظلت طوال السنوات الماضية تنكر وجود قوات لها في ارض الصومال حوالي 800 – 500 جندي امريكي وقد بقي الكثير مما فعله الجيش الأمريكي هنالك تكتنفه السرية الا أنه من الواضح أن الأمريكيين يفعلون أكثر من مجرد جمع المعلومات الاستخباراتية ودعم القوات الأفريقية
في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب زادت الضربات الجوية حيث نفذ ما لا يقل عن 63 غارة جوية خلال عام واحد فقط مع 39 هجوم آخر في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 وبالنسبة لإدارة بايدن فمنذ توليه الرئاسة سجل توجيه ضربتين فقط لطائرات دون طيار استهدفت جماعة الشباب الإسلامية المتمردة كهدف ظاهري لكنها في كثير من الأحيان كان الهدف الحقيقي مدنيين صوماليين محاصرين منذ فترة طويلة حيث وصل عدد القتلى إلى680 فضلا عن فرار عشرات الآلاف من الصوماليين من مناطق كانت تقصفها القوات الامريكية بانتظام
خلافا لجيبوتي والصومال أنشأ الجيش الأمريكي قواعد صغير لإيواء أسطول من الطائرات من دون طيار للطائرات من طراز ” ريبر ” المزودة بصواريخ هيلفاير والقنابل الموجهة بالأقمار الصناعية في كل من إثيوبيا وكينيا وارخبيل سيشيل الاستوائي الواقع على بعد 800 ميل تقريبًا من الساحل الصومالي
منذ أن أطلق الارعن بوش الابن شعار وصيحة الحرب على الإرهاب والناس لا تتوقف عن التحليل والرغبة في معرفة تعريف الإرهاب ومؤسساته لكن مع ذلك فقد بقي التعريف مُبهماً وغير منصف أو محايد في أحيان كثيرة حول ما هو الإرهاب ومن هم الإرهابيون وهل يمكن اعتبار الولايات المتحدة دولة إرهابية بالنظر إلى احتجازها أسرى لأكثر من 12 عام من دون محاكمة في معتقل غوانتانامو أم لا وهل يعد قصف أمريكا لقرى يمنية وأفغانية وسورية وعراقية إرهابً أم أن له مبررات أخرى تحتمها الضرورة الدولية كما تدعي واشنطن زور وبهتان
تقنية طائرات الدرونز دخلت الخدمة في الأسلحة الأميركية في وقت متاخروفقا لمصادر عن الكونغرس الذي أقر بأن نسبة هذه الطائرات بلغت 31 في المائة من مجموع الطائرات العاملة ويبلغ عددها 7.494 طائرة مقابل 10.767 طائرة بأطقم طيارين وعلى الرغم من كل ما أثاره استعمال هذا النوع من الطائرات من أسئلة حول القواعد الأخلاقية لاستخدامها بعدما حصدت أرواح المئات من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء في العراق واليمن وأفغانستان وسوريا وغيرها دون أن تفقد أمريكا روح واحدة
العديد من المنظمات الحقوقية داخل أميركا وخارجها تداعت للاعتراض على استخدام طائرات الدرونز الامريكية في ملاحقة الإرهابيين لان المدنيين غالبا ما يدفعون الثمن بالإضافة الى اعتبارها إرهاب امريكي منظم تغيب فيه أبسط شروط العدالة حين توضع قائمة الأعداء المفترضين الذين ستحصدهم الدرونز بشكل افتراضي بحت وعلى الشبهات والتخمين
احيانا كثيرة كانت تقع أخطاء جسيمة في المعلومات الاستخباراتية حيث كانت معظم عمليات الاستهداف متسرعة وغير دقيقة فيما يعتبر تناقض صارخ مع الصورة التي روّجت لها الحكومة الأمريكية عن الحرب التي تشنّها باستخدام الطائرات المسيّرة ذات قدرات الرصد الفائقة والقنابل دقيقة التوجيه فيما حل التعتيم والإفلات من العقاب محل تعهدات الشفافية والمساءلة القانونية وتوخي أعلى درجات الحذر كي لا يلحق الضرر بأشخاص غير مقصودين ولم تتضمن أية وثيقة إقراراً بوقوع خطأ رغم انه ممكن حتى مع استخدام أفضل التكنولوجيا في العالم سواءٌ بسبب المعلومات المنقوصة أو التفسير الخاطئ للمعلومات المتاحة
الشواهد والوقائع على استهداف المدنيين بالظائرات المسيرة والتقليدية عديدة اسرد لكم بعضها عل سبيل المثال لا الحصر الغارة الخاطئة على بلدة خشامر في اليمن التي أودت بحياة اربع اشخاص كانوا في يحلسون في بستان للنخيل يعود لجار لهم وكذلك الغارة التي وقعت في عام 2016 على قرية التوخار شمال سوريا التي قصفت منازل بعيدة عن جبهة القتال كان يحتمي بداخلها بعض المزارعين وعائلاتهم وعدد من سكان القرية حيث قُتل أكثر من 120 شخصاً من سكان القرية و الغارةً بطائرة مسيّرة على كابول تسببت بمقتل 10 أشخاص من عائلة أفغانية واحدة كانوا على الطريق العام في مركبتهم الخاصة
وفي عام 2016 صرح الجيش أنه قتل الأسترالي نيل براكاش المعروف بتجنيد المقاتلين لحساب تنظيم داعش في غارة على أحد المنازل شرق الموصل وبعد شهور على الواقعة أُلقي القبض على براكاش وهو يحاول عبور الحدود من سوريا إلى تركيا وقد قُتل أربعة مدنيين في تلك الغارة بحسب ما ذكر البنتاغون هذه صورة مصغرة عن الارهاب الأمريكي الدولي الذي لا زالت تتهم به الاخرين بكل عنجهية ووقاحة
mahdimubarak@gmail.com