احتجاز جثامين الشهداء جريمة حرب واستهتار بالقانون
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم // مهدي مبارك عبد الله
منذ أكثر من خمسة عقود يواصل كيان الاحتلال الصهيوني الارهابي احتجاز جثامين بعض الشهداء الفلسطينيين والعرب حيث يحتفظ بها في ثلاجات الموتى او من خلال دفنهم في مقابر الأرقام وهي مدافن بسيطة محاطة بالحجارة دون شواهد مثبت فوق كل قبر فيها لوحة معدنية ملحقة بجثثهم أو بقاياهم تحمل رقم وليس اسم الشهيد ولكل رقم ملف خاص حول الشهيد تحتفظ به الجهات الأمنية الصهيونية في هذا الواقع غير الإنساني يبدو للفلسطينيين بانه ( لا فرق بين المقبرة المجهولة او الثلاجة شبه المعلومة فكلاهما بالنسبة لهم تعني مسيرة طويلة من العذاب ممزوجة بآلام والمعاناة والحزن والمرارة )
احصائيات الحملة الوطنية الفلسطينية لاسترداد جثامين الشهداء تشير إلى أن سلطات الاحتلال تواصل احتجاز جثامين 105 شهداء في الثلاجات بجانب 256 شهيدًا في مقابر الأرقام منذ الهبة الشعبية عام 2015 وان من أقدمهم الشهيد الاسير أنيس دولة من قلقيلية منذ عام 1980
في 27 آب من كل عام تحيي الجماهير الفلسطينية يوما وطنيا لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب المحتجزة لدى العدو الصهيوني حيث ينضم بهذه المناسبة اعتصام حاشد وفعاليات جماهيرية كبيرة أمام مقر الصليب الأحمر في جميع المحافظات الفلسطينية يشارك فيها ذوي الأسرى الشهداء المحتجزة جثامينهم بالإضافة الى القوى والفعاليات الوطنية والمؤسسات الحكومية والجمعيات الإنسانية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية وبعض الشخصيات الاعتبارية
سلطات الاحتلال أوقفت في عام 2008 احتجاز الجثامين ولكنها عادت إلى ممارستها كآلية ضبط وعقاب للفلسطينيين بقرار مباشر من الحكومة الإسرائيلية آنذاك حيث قرر مجلس الوزراء الصهيوني المصغر ( الكابينت ) عام 2015 العودة إلى سياسة احتجاز جثامين الشهداء بعد تحريك الملف قبل ذلك والإفراج عن عشرات الجثامين بقرارات قضائية مختلفة
المحكمة العليا الإسرائيلية التي تتماهى بشكل عنصري مع مطالب المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي أقرت في عام 2019 احتجاز الجثامين لاستخدامها ورقة مساومة بهدف ابتزاز عائلات الشهداء والتضيق عليهم ومبادلتهم مع أسرى إسرائيليين تحتجزهم حركة حماس في قطاع غزة منذ 2014 حيث ( تحتفظ حماس بأربعة أسرى إسرائيليين داخل قطاع غزة دون الكشف عن مصيرهم أو وضعهم الصحي )
هنالك 9 من الجثامين المحتجزة تعود لأسرى توفوا داخل السجون ومراكز التحقيق و 12 من الجثامين تعود لفلسطينيين من القدس و27 جثمان تعود لفلسطينيين من قطاع غزة و65 جثمان لفلسطينيين من الضفة الغربية و3 جثامين تعود لإناث و9 أخرى تعود لأطفال قتلهم الجيش الإسرائيلي بشكل متعمد في انتهاك فاضح للقوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي شرعتها الأمم المتحدة
بعدما استنفذت معظم عائلات الشهداء كل الإجراءات الادارية والقانونية لاسترداد جثامين ابنائها الذين سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي أو توفوا داخل سجونه دون جدوى بما في ذلك التقاضي امام المحكمة العليا اضطروا واقارب الشهداء يوم السبت الماضي 4 / 6 / 2022 الى تفيذ مسيرة غضب شعبية واسعة في ميدان المنارة وسط مدينة رام الله
وقد سبقتها مسيرة أخرى في غزة خلال شهر أيار الماضي رددوا خلالها شعار ( بدنا جثامين ولادنا ) ورفعوا صورهم وطالبوا المجتمع الدولي والإنساني التحرك العاجل والسريع للإفراج عنها لدفنهم وفق التقاليد والأصول الاسلامية والعادات والتقاليد الفلسطينية كما دعوا اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أخذ دورها الإنساني مع كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية من أجل ذلك
لا تزال سلطات الاحتلال الصهيونية بكل عنجهية ووقاحة ترفض وبشدة الكشف عن مصير68 شخص من المفقودين الذين لا تتوفر لعائلاتهم معلومات كافية حول مصيرهم أو حتى إعطاء شهادات وفاة لذوي الشهداء أو تقديم قوائم بأسماء من تحتجز جثامينهم وأماكن وظروف احتجازهم في مخالفة واضحة لمعاهدة لاهاي لسنة 1907 التي تتعلق بقوانين الحروب وأعرافها
لقد اعترف كيان الاحتلال قبل سنوات امام الراي العالمي والمنظمات الدولية بالفوضى والإهمال في عملية احتجاز الجثامين وفقدان بعضها وهنالك تقاري فلسطينية مؤكدة تتحدث عن سرقة أعضاء منها واستخدامها في معالجة مرضى إسرائيليين في إصابات الحروق الجلدية ولا تعترف اسرائيل سوى بـ (110) جثامين موجودة في مقابر الأرقام وترفض الإفراج عنها
الدولية الصهيونية اللقيطة هي الكيان الوحيد في العالم الذي يواصل معاقبة الموتى واحتجاز تاريخهم المشرف وسيرتهم الذاتية وجثامينهم في مقابر سرية تحمل أرقاماً بديلة لأسمائهم والتي لا تملك أية جهة محلية او دولية أياً كانت معلومة عنهم سوى الاحتلال نفسه وذلك في إهانة لإنسانية الإنسان حتى بعد موته
الطريقة التي يتم بها التعامل مع جثامين الشهداء مهينة ولا تحفظ حرمتهم ولا تقدر كرامتهم إذ يتم في أغلب الأحيان طمر الشهيد بالرمال والطين دون وضع عازل إسمنتي كما يدفن أحيانا أكثر من شهيد في حفرة واحدة وربما تضم الحفر شهداء من الرجال والنساء معا بصورة مخالفة للشريعة الاسلامية
رغم المطالبات المتكررة لتسليم جثامين الشهداء إلا أن سلطات الاحتلال ترفض الإفراج عنها لغايات استخدامها كورقة تفاوضية مع المقاومة في سلوك عدواني واجرامي بشع يعد سابقةً خطيرة لم يشهدها التاريخ في الأمم الاخرى سيما عندما يتعلق الأمر باحتجاز جثامين شهداء لشعب محتل وبانتهاك كبير لقواعد القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية جنيف الأولى التي تلزم الدولة القائمة بالاحتلال بتسليم جثامين الشهداء لذويهم لدفنهم حسب معتقداتهم والسؤال هنا ماذا تريد إسرائيل من الجثة أم أنها تريده أن تكمل الجثامين عقوبة السجن في الثلاجات أو مقابر الأرقام
الانسان الفلسطيني يشكل هدفاً أساسياً لكيان الاحتلال ولم يتوقف الاستهداف على أجساد الأحياء بل طال أجساد الشهداء بالاحتجاز والاعتقال في ثلاجات الموتى تارة وفي مقابر الأرقام تارة أخرى لاستخدامها في المساومة كوسيلة ردع ثبت فشلها ورغم كل ذلك ايدتها الهيئة الموسعة للمحكمة العليا الإسرائيلية بقرارها الخاص بملف احتجاز الجثامين عام 2018 والذي جاء فيه ان قانون الطوارئ المعدل لعام 1948 يعطي للقائد العسكري صلاحيات احتجاز ودفن جثامين الشهداء واستغلالها في عمليات تبادل الأسرى في الحاضر والمستقبل
العالم الغربي الذي يدعي العدالة والتحضر لا يرى دولية الفصل العنصري وهي تعاقب الإنسان الفلسطيني والعربي بعد موته من خلال اختطاف جثامين الشهداء واحتجازها في مقابر الأرقام أو الثلاجات التي لا تراعي حرمة الأديان وتنتهك حرمة وكرامة الإنسان وتحرم ذوي الشهداء من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم وتشييعهم إلى مثواهم الأخير حسب الشريعة الإسلامية
أمام هذه الحقائق والمعطيات التي يمارسها كيان الاحتلال الغاصب من الضروري جدا التحرك العاجل فلسطينيا وعربياً ودولياً نحو تدويل قضية جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال وإحالة ملفهم لمحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة باعتبار استمرار احتجازهم يشكل جريمة أخرى بعد قتلهم العمد وإعدامهم خارج إطار القانون وهي جريمة حرب مكتملة وجريمة نكراء ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني مع إمكانية استخدام كل ذلك كورقة ضغط لإجبار الاحتلال للإفراج عن جثامين الشهداء وإغلاق هذا الملف نهائياً
mahdimu.barak@gmail.com