اخطب لبنتك قبل ابنك !
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم / مهدي مبارك عبدالله
العنوسة من المشكلات الكبيرة المتفشية في الكثير من المجتمعات وفي بلدنا اصبح ينظر كثير من الأردنيون بعين القلق إلى الإحصاءات التي تتحدث عن زيادة ظاهرة العنوسة بين الجنسين فضلاً عن تزايد لافت لحالات الطلاق ففي دراسة موثقة لمعهد ( تضامن النساء الأردني ) اجريت عام 2019 حذر من تداعيات أرقام ( الحالة الزواجية في الأردن ) التي أظهرت بأن نسبة العنوسة بلغت 45% من مجموع الفتيات في سن الزواج وان هناك مليون امرأة عزباء و44 ألف مطلّقة ( الأردن يحتل المرتبة الأولى عربياً في نسب حالات الطلاق )
ووفقاً للمؤشرات الجندرية لعام 2018 الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة فإن 2.726 مليون نسمة من سكان الأردن عازبون وعازبات و3.675 مليون نسمة متزوجون ومتزوجات و65.6 ألف نسمة مطلقون ومطلقات و301.6 ألف نسمة أرامل من الجنسين ويعزو مراقبون أسباب هذه التغيّرات الاجتماعية على واقع الأسرة الأردنية إلى أسباب تقليدية وأخرى حديثة حيث دخلت وسائل التواصل الاجتماعي على الخط، وسط تحذيرات خطيرة من تداعي أركان وكيان مؤسسة الزواج
اذا هنالك زيادة كبيرة في اعداد الفتيات ممن تجاوزن سن الزواج ما استرعى دق ناقوس الخطر من جديد فهل يبدأ أولياء أمور البنات المسلمات بالتحرك فعليا لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة ببعض العلاجات البسيطة والمؤثرة في نفس الوقت من مثل ( تيسير تكاليف الزواج وخاصة المهور وحث الشباب على الزواج وبيان فوائده و توفير والوظائف للشباب وعدم الإكثار من شروط الزواج او تقييد الفتاة بإكمال دراستها وقبول المجتمع لتعدد الزوجات ) وغيرها أم ننتظر حتى تأتي النيران على كامل الحقل وتحرق الأخضر واليابس لا قدر الله
من السنن الغائبة والمستغربة التي هجرها أكثر المسلمين وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم حين عرض الشيخ الصالح شعيب ابنته على موسى عليه السلام في قوله تعالى ( قالاني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين على ان تأجرني ثماني حجج فان اتممت عشر فمن عندك وما اريد ان اشق عليك ستجدني ان شاء الله من الصالحين ) فصاحب مَديَن يعرض ابنته على موسى عليه السلام وهو الذي جاء غريباً مهاجراً ولم يتحرج من هذا العرض ولم يشترط في موسى أن يكون من ( قومه أو وطنه أو جلدته ) وإنما اكتفى بشرط هو الدين والخلق والكفاءة
ان اخطر ما يعانيه بعض المسلمون اليوم هو غفلتهم عن السنة النبوية المطهرة واعتبار من يطلب من الرجل الصالح أن يتزوج ابنته إهانة له ولابنته وأنها تستحق أن يتقدم لها الرجل مثل باقي البنات وخوفه أن يحقرها لأنه طلب منه أن يتزوج ابنته فهل نجد الآن من يتصدى لظاهرة العنوسة ويواجهها بهذه السنة الغائبة والمستغربة عند كثير من الناس
سأذكر لكم حادثة حقيقية حصلت في احدى المناطق بالمملكة العربية السعودية بعـد انتهاء صلاة الجمعة في مسجد الحي قـام رجـل مسن وقـال ( يا جماعة لدي في المنزل خمس بنات في سن الزواج فإن كنتم تعرفون من ترضون دينه وخلقه فزوروني في بيتي ومن لا يعرف بيتي فليسأل عنه إمام المسجد ورغـم جراءة الطلب الا انه استحق إشادة الحضور ولم تمر السنة إلا وقد تزوجن كلهن لقد كان هذا الرجل شجاعاً وحكيماً وذكياً أيضاً كونه بهذه الطريقة لم ينقذ بناته من العنوسة فقط بـل رفع فرصة حصولهم على أفضل زوج من بين المتقدمين
نعلم جيدا انه في مجتمعاتنا المحافظة لا تملك البنات فيها خيارات كثيرة بخصوص زوج المستقبل ويمكنها ويمكن لأسرتها رفض أول وثاني عريس ولكن بعد رفض الثالث تبدأ فرصة البنت في التراجع وتشكيل سمعة عنها برفضها للخطاب كما تتقلص فرص اختيار زوج المستقبل بسبب حالة الفصل الحادة بين الجنسين الشاب لا يملك غير الموافقة على ما تختاره والدته أو ترشحه شقيقاته أما وضع الفتاة فحالها أسوأ بكثير لأن الشاب يملك على الأقل فرصة البحث مرة اخرى في حين لا تملك الفتاة غير انتظار من يطرق الباب ولا يمكنها أن تبحث في بيوت الناس عن زوج المستقبل مثل الشاب مجتمعها المتحفظ يمنعها حتى من التصريح بالصفات التي ترغبها في شريك حياتها وتضطر غالباً للموافقة على أول أو ثاني خطيب يطرق الباب ولا يسمح لها الأهل بالانتظار أكثر كي لا تدخل تحت مظلة العنوسة المخيفة وكي لا تحتجز خلفها أخوات أصغر منها سنا عن الزواج
لقد كنت من بين بعض الداعين قبل سنوات الى فكرة وضرورة انشاء محركات وتخصيص مواقع للزواج الشرعي توضع تحت إشراف وزارة الاوقاف او دائرة قاضي القضاة او أي جهة اخرى معنية هدفها توسيع خيارات البحث عن شريك المستقبل وتتعامل بسرية تامة مع رغبات الشباب والشابات وتبحث في آلاف الطلبات الواردة إليها من خلال برمجيات معلوماتيا منظمة للتوفيق بين ( رأسين بالحلال ) وحين يكتشف البرنامج أفضل مطابقة يتواصل الموظف المختص مع الشاب أو الفتاة لتأكيد الطلب والتقدم لأسرتها رسمياً
اليوم أنقل إليكم وإلى الآباء خصوصاً فكرة إضافية وجديدة هي تفعيل وتطبيق المثل المعروف ( اخطب لبنتك قبل ابنــك ) لنفعل ذلك بكل جراءة وشرف وكرامة وشجاعة كما فعل الأب المسن في المسجد ودون خجل أو تردد فالخجل الذي قد يصيبنا هو بكل تأكيد أهون بكثير من حالة العنوسة أو القبول بأي طارق لأبوابنا بصورة اضطرارية
ولماذا نتردد أصلاً وهو حق شرعي وسنة حميدة فعلها الأنبياء والصالحون من قبلنا ولماذا لا نعيد إحياءها وقد تزوج بفضلها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين خطبته لنفسها السيدة خديجة بنت خويلد التي أرسلت إليه خادمتها نفيسة والتي قالت له يا محمد ما الذي يمنعك من الزواج فقال ليس عندي من المال ما أتزوج به فقالت له فإن دعيت إلى المال والجمال ألا تجيب فقال لها ومن هي قالت له خديجة ذات الشرف والمال والجمال ففهم مقصدها وقبل عرضها وجعلت خديجة عمها عمرو بن أسد وكيلاً لها في حين كان وكيل الرسول صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب
ايها الاباء ايها الاعمام ايها الاخوان ايتها الامهات مرة اخرى لا داعي للخجل والتردد وترك مستقبل بناتنا عرضة للحظ ومن يطرق الباب قبل الآخر قلت إن خطبة الرجل (للبنت) من سنن الأنبياء والصالحين وكلنا يعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قـد زوج ابنته رقية إلى عثمان بن عفان وحين ماتت زوجه بـأختها أم كلثوم حتى لقب ( بذي النورين ) رضي الله عنه
وكان عمر بن الخطاب قد عرض ابنته حفصة على أبي بكر رضي الله عنه بعد مصرع زوجها خنيس يوم أحد فصمت ولم يجبه فعـاد وعرضها على عثمان بن عفان الذي قال قد بدا لي ألا أتزوج فـانكسر خاطر عمر وشكا حزنه إلى رسول الله الذي قال له سيتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة. فتزوج الرسول حفصة وتزوج عثمان أم كلثوم ابنة رسول الله
وقبل ذلك بكثير عـرض شعـيب على نبي الله موسى تزويجه إحدى ابنتيه بعدما أدرك رغبتهما بالزواج حين قالت إحداهن ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرهُ إِنَّ خَيْر مَنِ اسَتأْجَرْتَ الْقَوِيّ الْأَمِين ) فـقال لموسى صراحة إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ وما العيب في ذلك
أيضاً من الجميل والمفيد ان نذكر قصة العالم العابد الجليل سعيد بن المسيب الذي رفض تزويج ابنته للوليد بن عبدالملك ابن الحسب النسب والملك وزوجها لتلميذه الفقير ( كثير بن أبي وداعة ) بعدما غاب كثير عن دروس سعيد وحين حضر سأله عن السبب فأخبره بموت زوجته فقال له هل تزوجت بأخرى قال كثير ومن يزوجني وأنا فقير قال سعيد أنا أفعل فقام وقال لمن في المسجد اشهدوا أنني زوجته ابنتي فعاد كثير إلى بيته فرحاً مسرورا
وحين حل الظلام سمع طرقاً على الباب فقال من فأجابه أنا سعيد يقول كثير ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ففتحت الباب فوجدته واقفاً وخلفه ابنته تحاذيه في الطول فقلت يرحمك الله هلا أخبرتني فأحضر إليك فقال سعيد كرهت أن تبيت ليلتك بغير زوجة وقد عقدت على ابنتي فأدخلها وأغلق الباب خلفها فسقطت المرأة من الحياء قال كثير فخشيت أن يعلم الناس أن في بيتي امرأة غريبة ويظنوا بي الظنون فقمت وصعدت على سطح المنزل أنادي الجيران اشهدوا أن سعيد بن المسيب زوجني ابنته وهي الآن في داري يقول فـسمعتني والدتي فحضرت وقالت بحقي عليك لا تمسها حتى أصلحها لك
كل هذه القصص وغيرها نقدمها لتشجعنا على أن نخطب لبناتنا قبل أبنائنا ولنؤكد مرة اخرى أنها سنة الأنبياء والصالحين التي نالت بفضلها ابنة شعيب شرف الزواج من نبي الله موسى ونال عثمان شرف الزواج بابنتي رسول الله ونالت السيدة خديجة ثم نالت ابنة عمر حفصة شرف الزواج من خاتم الأنبياء والمرسلين
إن كنت أباً أو شقيقاً او عما أو خالا وغلبك الحياء فـتحدث مع إمام المسجد وإن لم ترغب بمفاتحة زميلك الأعزب ابعث إليه مديرك أو صديقك في العمل ليساعدك على فعل الخير وإن لم تعرف شاباً مناسباً صارح معارفك المخلصين ليخطبوا لابنتك أواختك من يعرفونه ويرضون دينه وخلقه
محاربة العنوسة لم تعد مسالة عابرة بل اصبحت قضية مهمة للغاية وخطيرة تحتاج إلى وقفة صادقة من قبل كافة وسائل الإعلام و كذلك أئمة المساجد في تفعيل دورهم بإرشاد الآباء و تحذيرهم من المغالاة في المهور و نتائجها الوخيمة في إحداث العنوسة لبناتهم والتركيز على المهور الرمزية ومظاهر الزواج البسيطة والمختصرة وليكن وجهاء وأعيان البلد هم القدوة في ذلك ولنتذكر أن من ( سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها الى يوم القيامة (
من المؤسف جدا اننا لا زلنا اسرى لعادات وتقاليد تحتاج إلى أجهزة كمبيوتر متطورة لحل المشاكل التي تركتها في حياتنا لعل أبسط حل لها هو بأن نتخلى عن تلك العادات والتقاليد التي تكبلنا بقيود ثقيلة ما أنزل الله بها من سلطان يومها اعتقد انها ستحل جميع مشاكلنا بما فيها قضية العنوسة الخطيرة قبل ان نصل الى حد الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في ترسيخ فكرة العزوف المطلق عن الزواج من قبل الذكر والانثى في مجتمعنا بعيدا عن مبررات ارتفاع كلفة المعيشة والنفقات وغلاء المهور وقلة الوظائف لتصبح حالة نفسية مستقرة ذات ابعاد تراكمية تغذيها جملة الافكار السوداوية وحالة الضبابية واليأس المنتشرة بين معظم الشباب والشابات
أنا شخصياً سبق وان حدثني صديق لي وهو دكتور جامعي متنور بانه ذات يوم أعجبت بالتزام وتدين وأخلاق أحد طلابه فقال له صراحة لو كان عندي اخت او كانت ابنتي بسن الزواج لـ ( خطبتك من أهلك ) ولا نريد في هذه العجالة والمساحة الضيقة الحديث عن واقع وحال النساء المطلقات والأرامل وان نتساءل من يملك الشجاعة في تزويجهن
.
ختاما نعيد بعض الحديث لعل في ( الاعادة افادة ) مؤكدين ان التحرج والتردد وانتظار من يطرق الباب أولاً يقلل فرص البنات في الحصول على الزوج المناسب بل ويدخل كثير منهن تحت مظلة العنوسة وتذكروا دائما القول المأثور ( زوجوهن وأعينوا عليهن والله الهادي )
ودمتم باللف خير
mahdimubarak@gmail.com