الأردن الكبير… إلى أين؟!
نعيم محمد حسن
–
بقلم / نعيم محمد حسن.
ذات صباح ذهبت إلى مخبز قريب من منزلي، وكالعادة طلبتُ الخبز الأسمر، لأنه صحي و مليء بألياف القمح التي تساعد كثيرا على هضم ما تعجز عن هضمه عجنات هذا الخباز الوافد الينا، حفظه الله. فأرتاح من الضغط على المعدة و بالتالي لا أعاني من أية عوارض أو أزمات عصبية أو ما يسمى بالقولون العصبي. ولأن معظم الأردنيون يعانون الأمرين من هذا الذي يسمى بالقولون العصبي، بسبب وبدون أن نعرف السبب فهذه هي أحوال معظم الناس هذه الأيام. ليس مهما السبب، المهم من أوجد السبب. سامحه الله.
مرضٌ آخر يعاني منه الأردنيون هو (السكري) و لن أدخل في مسبباته وتفاصيل حياته، حيث أصبح هذا المرض الصديق الودود لمعظمنا ولا مجال إلا لطاعته واتباع أوامره، حتى وصل الأمر أن نرشحه ليكون وصيا علينا في تقنين كل ما لذ وطاب.
و في بلد الأسرع زيادة في عدد السكان على مستوى العالم، وخلال أقل من عشر سنوات زاد عدد سكان الأردن بنسبة لا تقل عن عشرين بالمئة، لنجد أن قضية؛ (العجين أسمر و الخبز أبيض) قد طفتْ على السطح فذو الجباه السمراء حارت بطونهم و توقفت أمعاهم عن هضم كل ما يدور فيها وحولها، فالخبز الأبيض يأتينا من كل مكان حتى غطى الخبز الأبيض على عجيننا الأسمر…فكيف يكون عجيننا أسمرا و يصبح خبزنا أبيضا! وأنقلب بيت الشعر المشهور للشاعر الدمشقي فخري البارودي إلى: ( بلاد العربي أوطاني من الرمثا إلى المفرق و من كركٍ إلى معان إلى أربد فعجلون).
و يأتينا كاتب مرموق على مستوى الوطن و العالم، أقدره و أحترمه لكنني أختلفُ معه ليقول لنا أن “الأردن الكبير يتشكل” وعلينا أن نهضم المكونات الجديدة واستيعابها من دون أن يتبدل لون الهوية الأردنية أو تفقد خصائصها.” ويُقارن هذا الإندماج من وحي أن ” أكثر من نصف الفلسطينيين الذين لجأوا للأردن بعد “النكبة” و”النكسة” استحقوا حقوق المواطنة عن جدارة” وأنا أتفق مع هذا الطرح في هذه الجزئية، لكن حقوق المواطنة هذه لم تكن أبدا مكتسبة بل كانت جزءا لا يتجزء من كوننا شعبا واحدا لا شعبين حقيقة واقعة بحكم وحدة المصير والهدف من قضيتنا (قضية القدس وفلسطين) التي هُجر جزءٌ كبير من شعبنا من أجلها وفي سبيلها، ولأننا في الأردن وفلسطين نعتبر هذه القضية قضيتنا الأولى وبالتالي وجدنا أنفسنا أمام خيار واحد، هو الوحدة الوطنية النابعة من كون مصيرنا ومصلحتنا و هدفنا واحد؛ وهو أن الكيان الصهيوني غاصب و محتل لأرضنا من البحر إلى النهر ويجب تحريرها.
أما أن يكون اللاجئ إلينا بسبب فتن و ثورات و حروب داخلية و طائفية في دول شقيقة وأحيانا صديقة، فهذا أمر مختلف تماما فنحن لا نعرف كينونة هذا القادم إلينا. فهل نستطيع أن نهضم الطائفي والمفتتن عن دينه والمتعلق بنظامه الدكتاتوري(الطاغوت) إلى هذه الساعة….؟! نعم نستقبل الضيف العربي المحترم الذي يعي تماما أن أمنه من أمن الأردني. فليس مسموح له بممارسة أجنداته السياسية الخاصة به على أرض الأردن.
من هنا أعتقد أن الحل الأسلم أن تبقى عجينتُنا سمراء نقية وبالتالي يبقى خبزنا أسمرا مفيدا. نعم نضع حلولا سياسية وأمنية و مناطق أمنة لعودة الضيف العربي إلى بلادة أمنا مطمئنا. وننائ بأنفسنا عن ادخال مكونات جديدة، صعبة الهضم، إلى أمعائنا. و إلا سينشئ عن عكس ذلك عسرا شديدا، عندها سننزف دما وتكون الندامة حيث لا ينفع الندم.
“الأردن الكبير يتشكل” نعم، ولكن ليس على حساب أصحاب الجباه السمراء، الحارسة لحدود الوطن داخليا وخارجيا. فالأردن أولا وأخيرا هو للأردنيين ولمن عايشهم وحدة الدم والهدف والمصير في قضية فلسطين. نعم نبقي طيبين و لكن بحذر شديد ولا تدفعنا العاطفة بإسم المكون الجديد، الوطن الكبير، الأردن كبير وسيبقى كبيرا بشعبه الأصيل الطيب، لا بمكونات جديدة لا نعرف عنها شيئا.
amman1959@ymail.com