الأسير أبو هواش ينتزع موعده مع الحرية
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم // مهدي مبارك عبد الله
في البداية نبارك للأسير البطل هشام ابو هواش ولعائلته الكريمة وذويه ولكل الأسرى الأحرار الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية ولجماهير الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية انتصاره على السجان الإسرائيلي ليثبت مرة أخرى وهو يعانق الحرية لعدوه المجرم والعالم اجمع قدرة السجين الفلسطيني المقاوم على الصمود والتحدي وانتزاع الانتصارات العظيمة من المحتل وأجهزته الأمنية المختلفة
فضلا عن امتلاكه الارادة الصلبة التي لا تقهر بمقارعته للسجان لإزاحته حدود السجن والزنزانة وقهر ادوات التعذيب التي هدف للقضاء على روح المقاومة وإذلال كل من يشارك في عملياتها البطولية وتصفيته نفسيا وجسديا إن إلا أنه خاب ظنهم بعدما تمكن الأسرى من تحويل السجون إلى جامعات لتخريج القادة وصنع المعجزات وتحول سياسة الاعتقالات من إنجاز لحكومة الاحتلال وأجهزته الأمنية إلى عبء يستنزف إمكاناتها ويكشف هشاشة كيانها وهو ما تجلى قبل يومين حينما رضخت (إسرائيل) أمام إرادة أسير أعزل لا يمتلك إلا الحق الفلسطيني ليواجه تعنت وإجرام الاحتلال
مساء يوم امس الثلاثاء الماضي وبكل قوة انتزع الأسير أبو هواش 40 عام الذي ما زال يرقد في مسلخ آساف هروفيه الإسرائيلي سيء الذكر وهو بحالة صحية حرجة بعدما حقق بأمعائه الخاوية انتصارا على الاعتقال الإداري حيث علق إضرابه المفتوح عن الطعام الذي استمر 141 يوماً من الكرامة والتحدي بعد التوصل إلى اتفاق مع سلطات الاحتلال والعدوان بالإفراج عنه في 26 / 2 / 2022 بعد طول عناد وتصلب ورفض مطلق لأي تنازلات من الجانب الاسرائيلي ( جهاز الشاباك ) لتكسر شوكته وهيبته في نهاية المطاف ويرضخ رغما عن انفه ليحصل الاسير ابو هواش على الحماية والضمانات الكافية التي يستحقها بما فيها عدم تجديد اعتقاله الإداري مرة اخرى اضافة الى حمايته من الاضطهاد والقمع التعسفي في المستقبل
قرار الإفراج عن الأسير أبو هواش جاء مع دخوله في حالة صحية حرجة واتساع رقعة التضامن الشعبي والعالمي رفضا لاعتقاله الإداري وتزامنا مع رفع درجة التأهب القصوى لدى المجاهدين وتهديد المقاومة بالرد العسكري وقلب الطاولة على الاحتلال إذا ما أصابه أي مكروه
الاسير ابو هواش سطر ملحمة بطولية مع الاحتلال عنوانها التحدي والإرادة طريقا للانتصار كما حقق مجدًا يحتفى به وترفع له الهامات عاليًا بصموده الأسطوري في مواجهة إرهاب الاحتلال وغطرسته وطوال فترة إضراب لم تتوقف الجهود الشعبية والفصائلية والرسمية عن دعمه ومؤازرته والوقوف الى جانبه حيث تحول أبناء الشعب الفلسطيني إلى أسرة واحدة مندمجة مع عائلته ليصبح يوما فارقا في تاريخ الشعب الفلسطيني وصراعه مع الاحتلال الإسرائيلي ازداد فيه الإصرار على المضي في مشوار الكرامة والحرية للإنسان الفلسطيني
هذا الانتصار العظيم يعتبر إنجاز جديد يسجَل في سجلات الفخر للحركة الأسيرة ونضال وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وتحديه وإصراره على انتزاع حقوقه المشروعة وفرض إرادته الحرة بكل الوسائل الممكنة والمتاحة والعمل على فضح جرائم الاحتلال ضد الاسرى والسعي الى تحريرهم من قبضة السجان كواجب وطني وقضية إنسانية عادلة ومشروعة كما ان فيه رسالة واضحة بأن إرادة الأسرى ستبقى أقوى من بطش الاحتلال وسجانيه بالتفاف الشعب والمقاومة حولهم واحتضان قضيتهم بكل قوة وارادة وصمود وعزيمة واصرار على تحقيق الهدف حتى هزيمة الاحتلال ووقف بطشه وعدوانه مهما غلت التضحيات
المحاكم العسكرية التمييزية الاسرائيلية تعتبر أداة من أدوات الاضطهاد وأحد أهم أركان نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بعدما باتت معروفة على نطاق واسع يأنها وصمة عار على مبدأ العدالة كونها لا تلبي الحد الأدنى لمعايير المحاكمة العادلة وأن ممارسات الاحتلال بما في ذلك الاستخدام غير القانوني للاعتقال الإداري تهدف في الاساس الى اضطهاد الشعب الفلسطيني وقمع حريته
ما خاضه الأسير البطل هشام ابو هواش هو جزء مهم من المعركة المفتوحة والمستمرة مع الاحتلال التي يخوضها الأسرى البواسل في كل يوم والتي تتطلب الاسناد الشعبي والرسمي الذي يعد ركيزة أساسية للنضال الوطني الفلسطيني على كافة الصعد وصولاً إلى اسقاط ما يسمى بالاعتقال الإداري المستند إلى ما يزعمه الاحتلال ملفات سرية وذلك إلى غير رجعة مهما تجبر الاحتلال
لا شك بانه حتى يستمر هذا الكيان العنصري اللقيط على أرض فلسطين ويعيش مستوطنيه حلمهم المريض دفع الفلسطيني مقابل ذلك الثمن الغالي من جودة حياته وفرصه وصحته ودماء ابنائه وفقدان بيته الذي يأويه والشارع الذي يسير فيه في ظل بنيته تحتية متهالكة ونظامه الصحي هو الأكثر بؤسا وشقاء ناهيك عن أعمارًا الشباب والشياب التي تمضي في السجون الاسرائيلية التي اهلكت أجسادهم من صنوف المعاناة والتعذيب والقهر والتي كان آخرها بقايا جسد هشام أبو هواش الممدد أمام العالم بلا قدرة على الحراك والذي لم يبق منه إلا هيكل عظمي وبقايا انسان بشري بعدما اطعم جسده للفناء قطعة وراء قطعة
نعلم جيدا إن معركة الأسرى عموما وضحايا سياسة الاعتقال الإداري خصوصا طويلة المسار وصعبة لن تنتهي بانتهاء معركة الاسير ابو هواش ولكن هذه المعركة وفي كل محطة فيها شكلت نتيجتها فارق مهم في مصير فلسطين وأهلها فما يحدث هو مجالدة مستمرة بين منطق اخرق قام عليه المشروع الصهيوني البغيض وبين منطق الحق بوجود هذا الشعب المحتل وبين تلك الأفكار والممارسات والجرائم التي تريد تكريس سلطة القوة ليسجد لها عموم الناس في ارض فلسطين خاضعين منهزمين وبين ذلك الرفض الإنساني بكلمة وفعل بعدم الانصياع للخضوع والذلة والاضطهاد والسعي المقاوم لاستعادة الإنسانية ومعنى وجودها
لابد مع هذا الحدث الكبير من استخلاص العبر والدروس من هذه المعركة الاسطورية التي مثلها البطل ابو هواش وكان عنوانها الابرز الصراع مع العدو لا زال مستمراً وعلينا أن نتعلم ونراكم هذه الانجازات التي يحققها المناضلين بتضحياتهم العظيمة وصولاً لتبييض السجون التي يجب ان تكون أولوية مركزية لكل الفصائل وأجنحتها العسكرية ليبقى الشعب والمقاومة الدرع الحامي لأسراه ومناضليه الذين لن يدخروا جهداً في الدفاع والمقاومة بكل الوسائل مهما كلف من تضحيات ليؤسسوا طريق الحرية ويعيدوا تصويب المفاهيم والفكر والثقافة بإن من ( يقاوم في النهاية ينتصر )
يذكر ان أبو هواش عانى في الفترة الأخيرة من إضرابه عن الطعام من وضع صحي حرج حيث كان يتعرض لغيبوبة متقطعة اضافة الى ضعف في حاسة البصر وعدم القدرة على الكلام ومشاكل اخرى في عضلة القلب وضمور في العضلات
الأسير أبو هواش معتقل منذ الـ27 من شهر تشرين الأول عام 2020 وحول إلى الاعتقال الإداري لمدة ستة شهور وهو متزوج وأب لخمسة أطفال وقد تعرض للاعتقال عدة مرات سابقًا وبدأت مواجهته للاعتقال منذ عام 2003 بين أحكام واعتقال إداري وبلغ مجموع سنوات اعتقاله (8) سنوات منها (52) شهرًا رهن الاعتقال الإداري وها هو اليوم يؤكد بصموده وجوعه للحرية وبحالة التضامن والاسناد الشعبية والدولية انه سجل انتصاراً جديداً وهاماً باسم الحركة الفلسطينية الأسيرة ضد السجان الصهيوني وأدواته القمعية والاجرامية
وكما ستتغنى الأجيال القادمة ( جيل بعد جيل ) بهذا انتصاراً الذي اثبت بأن الحرية تنتزع ولا توهب في ذات الوقت وبهذه المناسبة العامرة بالفرح والشموخ والعزة تجمعت حشود من المواطنين أمام منزل أبو هواش ببلدة دورا غرب مدينة الخليل بالضفة الغربية تزامنت مع إطلاق ألعاب نارية وهتافات داعمة للمقاومة تشيد بصموده وانتصاره على السجان وتدعوا لنصرة الأسرى والمعتقلين
كما رددت الجماهير المناصرة للأسرى والمقاومين يوم خرجت عن بكرة أبيها من قبل ان السبيل الوحيد لانتزاع الحقوق واستعادة الكرامة الوحيد بات الشعار الذي يرفع في كل مظاهرة ( حط السيف قبال السيف واحنا رجال محمد ضيف ) كيف لا وهي القوة العالية التي جسدت معنى الترابط بين الكل الفلسطيني قولا وعملا حينما دكت حصونهم إيفاء بوعدها لمنع العدو من الاستمرار في جريمة التطهير العرقي في حي الشيخ جراح التي شكلت نقطة تحول استراتيجي وبدء مرحلة جديدة في مواجهة الاحتلال
ولا زالت إسرائيل تخشى تكرار المشاهد التي عايشتها مدن الداخل المحتل خلال معركة سيف القدس وعجزها عن التعامل مع المواجهات الغاضبة, كان لها دورت فعال في إقناعها للتراجع عن قرارها والإذعان لمطالب الأسير ابو هواش بالإفراج عنه في ظل المظاهرات التي شهدتها مدن الداخل المحتل وأمام المستشفى الذي يرقد فيه وترديدهم لشعارات مؤيدة للمقاومة ومطالبتها بالعمل للإفراج عنه ( يا أبو عبيدة يا مغوار سمعنا صوت الإنذار ) ما يؤكد بأن نبض أحرار فلسطين لا يزال يعشق تربها وترابها
خلف القضبان يقبع أكثر من4500 اسير وأسيرة بينهم أسرى أطفال و آخرين مرضى يعانون من سياسة الاهمال الطبي التي تتعمدها إدارة مصلحة السجون وهناك أمراض مزمنة و أخرى خطيرة تهدد حياة الأسير وقد تصل به إلى أن يستشهد و لا تقوم إدارة سجون الاحتلال بتقديم أي مساعدة طبية سريرية فائقة لأولئك الأسرى المصابون بأمراض الأورام والسرطانات ومرضى السكري وضغط الدم
تهنئتها للشعب الفلسطيني وأبنائه المخلصين ولكل أحرار العالم الذين تحركوا بواجب الإسناد والتضامن مع الأسير أبو هواش حتى استطاع تحقيق انتصاره على الاحتلال والذي سيسجل في سفر النضال الفلسطيني الخالد واننا تدعوا الأحرار من كل ابناء فلسطين والعالم إلى استمرار بالفعاليات الشعبية الداعمة والمساندة للأسرى الابطال وتصعيد العمل النضالي من خلال العمليات البطولية والمقاومة لنصرتهم ليدرك العالم قاطبة بأنهم ليسوا وحدهم في معركة انتزاع حقوقهم وتعزيز صمودهم وثباتهم وكسر سيف الاعتقال الإداري المسلط على رقابهم ما أمكن
وأن المعركة لازالت مستمرة ولن تتوقف حتى تحقيق وانتزاع حريتهم جميعاً من خلال نهج التحدي والمقاومة الذي يشكل امتداداً لإرادة وعنفوان الشعب الفلسطيني الذي يصر على مواصلة طريقه للتخلص من نير الاحتلال وجرائمه وحتى النصر في ظل الانبطاح المهين والمخزي لمن أصروا على السقوط في وحل التطبيع وعار التنسيق الأمني مع الاحتلال
mahdimubarak@gmail.com