الحركة الصهيونية الجديدة ( الامر 9 ) النشأة والهدف


مهدي مبارك عبدالله

نقدم هذه المقالة للقارئ الكريم من بوابة اعرف عدوك وهي المقولة المشهورة القديمة والجديدة كما انها النصيحة الغالية التي تعتبر مسألة حياة وموت وحاجة ملحة حرص عليها الأولون ولا زال يتمسك بها الآخرون

سُئل الأستاذ الراحل ميشال إده المحامي والسياسي والوزير اللبناني السابق يوماً ما هي جريدتك اليومية المفضّلة فأجاب بإيجاز بنبرة شكسبيرية دقيقة جريدة العدو الصهيوني ( هآرتس ) لأنني أبدأ يومي بقراءتها ومن خلال اتعرف على بعض من واقع العدو لان متابعة العدو وفهم ماذا يخطّط لنا وبالتالي في نستطيع رسم خطواتنا لمواجهته وفقا للاستراتيجيات التي يضعها حول العالم العربي

منذ بداية العام الجاري وبعد عملية طوفان الاقصى لم تتوقف قطعان من العصابات الهمجية والاجرامية عن اعتراض طريق الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة حيث عرفت هذه الجماعة عن نفسها باللغة العبرية ( تساف 9 ) وبالعربية ( الامر 9 ) وإن اسم هذه المجموعة مستوحى من ” الأمر الخاص تساف – 8 ” الذي أرسله جيش الاحتلال الإسرائيلي لاستدعاء جنود الاحتياط في حالة الطوارئ وهي تعتبر الذراع التنفيذي لسياسات الحركات المتطرفة الكبرى في اسرائيل وامتداد تنظيمي لليمين المتدين وعلى رأسها حزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه إيتمار بن غفير الذي طالب أكثر من مرة بوقف إدخال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة تماهياً مع نشاط هذه الحركة المجرمة التي تقف بأجساد أعضائها لتغلق المعابر في وجه شاحنات المساعدات الانسانية لكن من الواضح ان سياسة الحصار و التجويع كأداة عقاب جماعية كانت ولا زالت تُرتكب من اعلى المستويات السياسية والأمنية الرسمية في إسرائيل

بداية التأسيس والتحشيد لحركة الامر 9 كانت بمبادرة شخصية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي من قبل الزوجين ريعوت ويوسف بن حاييم وهو خريج إحدى المدارس الدينية وهما إسرائيليان يعيشان في بلدة نتيفوت في منطقة النقب جنوب إسرائيل حيث اتخذت الحركة شعارا لها ( لا مساعدات حتى يعود آخر المختطفين ) بعد تظاهرة 11 كانون الثاني 2024 بالقرب من معبر كرم أبو سالم الفاصل بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة وهو المنفذ الذي تدخل منه المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من دون تدخل أي من قوات الجيش او الجهات الرسمية لوقف احتجاجاتهم وقد سُجل أول نشاط للتنظيم لمنع المساعدات في 10 كانون الثاني 2024 بمشاركة حركة ” إم ترتسو“ وهي حركة خارج البرلمان تعمل على تعزيز القيم الصهيونية لدى حيش الاحتلال وقد شكلت الأحزاب اليمينية المتطرفة الكبيرة حاضنة واحتواء ومسايرة لهذه الحركة الناشئة وهم يتسابقون لكسب رضاها وأصواتها وتوفير البيئة المناسبة لعملها والتغاضي عن محاسبتها والسعي لمنحها الحصانة

التقديرات الاولية تشير الى ان عدد اعضاء الحركة يبلغ حوالي 15 ألف شخص الا أن العدد في الواقع أكبر من ذلك حيث دعم وشارك في أعمال مرتبطة بنشاطات الحركة منذ انطلاقها اكثر من 300 ألف إسرائيلي لتصبح واحدة من أبرز المنظمات الإسرائيلية المتطرفة التي ظهرت مؤخراً في المشهد السياسي والاجتماعي الإسرائيلي والتي ساهمت في تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير في قطاع غزة حيث يواجه العديد من الناس المجاعة الحقيقية وهو ما جعلها محور اهتمام الإعلام اليميني الصهيوني مثل القناة الإسرائيلية 14

التشكيلات الاساسية في صفوف حركة ” الامر 9 ” تعتمد في الاساس على انضمام الجنود الإسرائيليين من قوات الاحتياط الذين شاركوا في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ومن بعض أهالي المحتجزين والمخطوفين وسكان تم إجلاؤهم من مستوطنات في غلاف غزة ونشطاء وأعضاء في الكنيست، مثل النائب تسفي سوكوت من حزب الصهيونية الدينية وقد بأت عملها ا من خلال التحرك الميداني بالتوجه نحو المعابر البرية والبحرية من أجل إيقاف الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية ومنعها من العبور إلى غزة وإحراقها وإتلاف حمولتها بهدف تجويع أهالي قطاع غزة وقتلهم وتهجيرهم

وهو مطلب عنصري قديم ولا زال يتكرر سواء من جانب رئيس واعضاء الحكومة الاسرائيلية أو من جانب المجموعات الاستيطانية والأفراد والمسؤولين والعسكريين السابقين والمؤثرين وبعض الحاخامات مثل حاخام صفد شموئيل الياهو كبير حاخامات صفد الذي ارسل صلاة خاصة تُسمى ليشم يهود إلى نشطاء الحركة وكذلك الحاخام المتطرف دوف ليئور الذي اصدر مرسومً ديني يدعو فيه الإسرائيليين إلى انتهاك يوم السبت المحرم لدى اليهود لمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة. باعتباران التجويع حتى الموت وسيلة مفضلة لمحاصرة المقاومة ودفعها للاستسلام وهو ايضا سلاح فتاك للضغط على المدنيين لترحيلهم رسم معالم ما يسمى باليوم التالي للحرب في مخالفة صارخة لكافة القوانين والاعراف الدولية والإنسانية

هذه الحركة الصهيونية الجديدة تدعمها الاحزاب الدينية المتطرفة وجهاتٌ ومسؤولون حكوميون أبرزهم حزب الليكود الإسرائيلي بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يستغل التنظيم للتهرب من حرج حلفائه الأمريكيين والأوروبيين بضرورة ادخال المساعدات الغذائية والطبية للقطاع اضافة الى استعمال الغاضبين كراس حربة في مواجهة معارضيه المطالبين بالهدنة كما يروج من خلاله تأييده لاستمرار الحرب واعتماد السردية الليكودية بالضغط العسكري على المقاومة كضمان وحيد لإطلاق سراح الرهائن وفي المقابل تواجه حركات واحزاب إسرائيلية اخرى تناهض الحرب وتنشط من أجل التوصل إلى هدنة وإطلاق سراح المخطوفين الى ضغوط متواصلة لوقف نشاطها واعتقال عناصرها من قبل الشرطة الاسرائيلية

المؤكد في هذا الشلأن ان هذه الحركة العنصرية المتطرفة ترعرعت و انبثقت من أجواء التحريض والعدائية والكراهية لكل ما هو فلسطيني ومن مشاعر الرغبة في الانتقام التي سادت المجتمع الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى ومنذ أن قال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت جملته ” لا كهرباء ولا طعام ولا غاز كل شيء مغلق نحن نقاتل حيوانات بشرية ” وبعد فرض الحصار المحكم على القطاع وصدور التعليمات بوقف جميع أشكال المساعدات الإنسانية وإمدادات المياه عن غزة ومع التصريحات الحاقدة والمتطرفة لوزير الأمن القومي بن غفير الذي قال حينها ( علينا أن نتوقف عن تقديم المساعدات لهم نريدهم أن يزحفوا إلينا ويستجدوا الصفقة ) ولا يفوتنا ات ننوه ايضا الى ما كرره وزير المالية سموتيرتش امام وسائل الاعلام المحلية والدولية ( إنه قد يكون من الأخلاقي تجويع مليوني غزي ) وفي وقت يحتاج قطاع غزة إلى 500 شاحنة يومياً على الأقل، تُدخل 60 شاحنة حيث تقف الشاحنات على المعابر في طوابير لا نهائية تنتظر موافقة الإسرائيليين

السلطات الامريكية فرضت في 14 حزيران 2024عقوبات على بعض قادة الحركة ونشطائها من بينهم شلومو يحزقيل وهاي ساريد لتعطيلهم القوافل الإنسانية المتوجهة إلى غزة التي تحمل الغذاءً والوقود والأدوية والاعتداء عليها وقد حمل المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن ضمان سلامة المساعدات وعدم التعرض لها وأن امريكا لن تتسامح مع من يقومون بأعمال التخريب والعنف والنهب التي تتعرض لها تلك المساعدات وهو ما دفع الحركة لاتهام واشنطن بأنها تتصرف ضد عائلات الرهائن لأن هذه المساعدات حسب زعمها المكذوب تذهب مباشرة إلى منظمة حماس الإرهابية كما اقر الاتحاد الأوروبي في وقت سابق فرض عقوبات مماثلة على الحركة التي يتواجد اعضائها بشكل مستمر عند المعبر في شمال قطاع غزة لعرقلة الإمدادات الإغاثية

تحت شعار ” بك ننتصر” هاجمت جماعة الامر 9 قوافل المساعدات الإنسانية ومنعت دخولها الى قطاع غزة في انتهاكاً وخرق خطيرين لقواعد القانون الدولي الإنساني لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الاضافي الملحق باتفاقيات جنيف وغيرهما من المعاهدات والمواثيق الدولية

اليات وتكتيكات عصابة ” تساف 9 ” التخريبية تقوم وفق برنامج عملها الداخلي على المطالبة بإعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة وضمان الأمن في إسرائيل على الجبهتين الشمالية والجنوبية كما تسعى إلى تبني سياسة واضحة وقوية ضد أعداء إسرائيل ولتحقيق هذه الأهداف، تعتمد الحركة على مجموعة من الأنشطة والاحتجاجات بما في ذلك إغلاق الشوارع الرئيسة لمنع مرور الشاحنات والمعابر المؤدية إلى قطاع غزة والضفة الغربية مثل معبر إيرز ومعبر ترقوميا ومعبر اللنبي على سبيل المثال

كما تدعو الحركة الى تنفيذ الاحتجاجات الصامتة مثل إطفاء الانوار ليلا ومطالبةً الحكومة الإسرائيلية بوقف تزويد غزة بالكهرباء حتى عودة المخطوفين والعمل على إحراق الشاحنات وتعطيل عمل المنظمات الدولية على سبيل المثال وإغلاق مداخل مكاتب الأونروا في القدس ومنع العمال من دخول المبنى ووفقا لمعلومات مؤكدة تبين أن أفراداً من الجيش الإسرائيلي يقومون بإبلاغ المستوطنين والناشطين اليمينيين عن مواقع شاحنات المساعدات المتجهة إلى غزة مما يمكنهم من منع تلك القوافل وتخريب حمولتها وقد أكدت راحيل تويتو المتحدثة باسم “حركة الأمر 9″، صحة هذه المعلومات في مقابلة صحفية احريت معها مؤخرا

خلاصة القول انه رغم أن ما تقوم به مجموعة ” تساف 9 ” يتوافق كليا مع توجه وتطلعات الأغلبية الإسرائيلية باستمرار الحرب والقتل والحصار في غزة إلا أن هنالك أصواتًا كثيرة إسرائيلية ترتقع ضدها وتعتبرها سببًا في تعقيد المفاوضات وضبابية المشهد وتصاعد الأزمة الإنسانية وزيادة خطر المجاعة في قطاع غزة حيث يعاني آلاف الأطفال من سوء التغذية الحاد وقد تبنت هذا التوجه بشكل أساسي صحيفة هآرتس العبرية من خلال كتاباها و مقالاتها المختلفة

كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.