الدوافع والمعيقات في الخطط الإسرائيلية لاغتيال حسن نصر الله


مهدي مبارك عبدالله

في بوادر تصعيد عسكري مفتوح ترتفع وتيرته ولهجته من قبل حزب الله تجاه إسرائيل خاصة بعد الفيديو الذي نشره الحزب لتصوير جوي فوق مناطق استراتيجية وعسكرية في ميناء حيفا وبعض مناطق الشمال والتأكيد المتكرر لأمين عام الحزب حسن نصر الله في تصريحاته الأخيرة وهو يتحدث بنصف ابتسامة ساخرة وثقة عالية بالنفس إنه في حال نشوب حرب شاملة فالقتال ضد إسرائيل سيكون بلا سقوف وبلا قواعد وبلا حدود وبلا ضوابط ولسنا خائفين من الحرب ولا نخشاها ومع هذا الخطاب التعبوي خرجت العديد من التقارير الصحفية والتحليلات السياسية التي تلمح إلى استعداد تل أبيب هذه المرة للجوء إلى نوع آخر من التصعيد ضد الحزب ليس عسكري بالمعنى التقليدي يتجسد بالإعلان المبرمج عن قدرة إسرائيل على تتبع تحركات السيد نصر الله و ورصد مكانه وامكانية استهدافه في أي وقت

العديد من المراقبين والخبراء ومعظم الدوائر الامنية تعترف علنا بقدرة إسرائيل على تنفيذ تهديداتها باغتيال نصر الله اذا سنحت الفرصة وأرادت ذلك إلا أنها من الصعب أن تدخل في مغامرة محفوفة بالمخاطر الشديدة التي ستترك تبعات مخيفة على المنطقة وعلى إسرائيل نفسها وفي موازاة ذلك يتردد السؤال الجدي هل تقدم إسرائيل فعلا على هذه الخطوة الانتحارية كسبيل للخلاص من حالة الرعب والتهديد المستمرة في جبهة الشمال بالإضافة الى محاولة تفكيك اسس البناء الهرمي داخل الحزب كما يأمل معظم القادة العسكريين والسياسيين الاسرائيليين وعلى راسهم رئيس الحكومة نتنياهو ام ان زوبعة هذه لن تتعدى مفهوم الحرب النفسية والمواجهة ضمن حسابات ردعية محددة كجزء من قواعد الاشتباك المعمول بها من قبل الطرفين

لا شك أن نصر الله يتقدم قائمة المطلوبين منذ توليه قيادة الحزب وسلطة الاحتلال لا تخفي مساعيها المتواصلة لتصفيته وهو ما أكده قادتها في مرات عديدة عبر وسائل الإعلام المختلفة لان ذلك سيشكل إنجازاً كبيرا لحكومة الاحتلال رغم ان القيام بهذه العملية يرتبط بعدة ظروف واستعدادات لتحقيق نجاحها

ما صرحت به إسرائيل حول قدرتها على اغتيال نصر الله يمكن اعتباره تهديدا جادا استنادا بالنظر إلى سوابق نجاحها في اغتيال أمين عام حزب الله السابق عباس الموسوي وعماد مغنية وقادة ميدانيين بارزين ( سمير القنطار وسامي عبد الله أبو طالب ووسام الطويل وحسين يزبك وفضل إبراهيم ) وغيرهم من القيادات المتقدمة بالتالي فإن من اغتال هؤلاء بالتأكيد يستطيع اغتيال نصر الله وللفهم اكثر نبين ان اغتيالات إسرائيل لقادة حزب الله هي عملية ردع تكتيكية وليست استراتيجية منظمة حيث تسعى اسرائيل من خلالها إلى تعطيل امكانات الحزب .بتوجيه الضربات المؤلمة لقادته ذات القيمة العسكرية لإظهار قدراتها على تحديد هوية القادة والوصول لمواقعهم بدقة وسهولة واغتيالهم عندما تريد

بين الحين والآخر تبرز تقارير صحفية وتصريحات استخبارية إسرائيلية تتحدث عن تحقيق اختراق عميق في هيكل حزب الله التنظيمي يسهل اغتيال نصر الله في أية لحظة وهو أمر غير صحيح في تقديري خاصة في هذه المرحلة الحساسة والصعبة والمؤكد أن إسرائيل لا تعرف مكان نصر الله لأنه مجهول مكان الإقامة اصلا وقد انتقل مؤخرا من الضاحية الجنوبية في بيروت إلى مكان سري مجهول وإذا حددت اسرائيل مكانه فلن تتأخر لحظة في اغتياله إذا سمحت لها الظروف الأمنية و العسكرية بذلك ومن الواضح ان إسرائيل هي نفسها التي تسرب هذه المعلومات والأخبار غير الدقيقة في محاولة بائسة لخلق الاباك والتوتر داخلً قيادات الحزب وبين عناصره لردعهم عن اتخاذ اي إجراءات عسكرية متطرفة ضدها دون حاجة للجوئها الفعلي للاغتيال المباشر

الإجراءات والاحتياطات الامنية الصارمة المحيطة بالأمين العام لحزب الله دقيقة جدا ومعقدة للغاية وتهتم بأدق التفاصيل لضمان سلامته وهي أهم المعيقات الرئيسية امام الخطط الاسرائيلية في الوصول اليه =وضمن الاحتياطات الاحترازية في هذا الإطار لا يقوم نصر الله بزيارة والدية الا مرة واحدة في السنة وبشكل مفاجئ له تسعة إخوة وأخوات وظهوره وتنقلاته نادرة جدا واخر ظهور علني له أمام الجماهير كان في عام 2008 لدى استقباله الأسير سمير القنطار الذي أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى ولا زال يبتعد عن أسرته التي تعيش وفق ترتيبات أمنية آمنة وسرية وهو أب لأربعة أبناء وبنت واحدة وقد قتل نجله الأكبر هادي عام 1997 وقبل أي احتفال جماهيري تقوم مجموعات حراسة أمنية علنية وسرية بوضع الحواجز ومنع السيارات والدراجات النارية وغيرها من الوصول للمكان تخوفاً من عمليات اغتيال محتملة

من البديهي جدا أنه ليس من السهولة المحافظة على امن وسلامة شخص مثل حسن نصر الله الذي تتربص به كثير من العيون ويزداد حجم التهديدات من حوله ويكاد أن يكون في اعلى قمة الاستهداف من قبل جهات مختلف دولية وعلى راسها إسرائيل وأجهزة مخابرات كالموساد وال CIA ناهيك عن اعداء وعملاء الداخل اللبناني

وحدة النخبة التابعة للأمن الداخلي للحزب تتولى حماية نصر الله بشكل مباشر وعناصرها ليسوا رجال امن عاديين انما هم خلية عمل محترفة لديها القدرة على احباط اي مخطط لاستهدافه حيث تم تدريبهم وتأهيلهم خصيصاً لهذا المهمة في مراكز تدريب متقدمة في روسيا وبلغاريا وفي معسكرات الحرس الثوري الايراني ويصل عددهم لـ 150 رجل وهم مدربون بشكل أمني وعسكري متميز

اما بالنسبة لطاقم الحماية الشخصي لأمين عام حزب الله فيصل تعداده إلى نحو 20 حارس أمن من ذوي الخبرة والقوة المخلصين تم تدريبهم لهذه المهمة فقط وهم يرتدون دائما اللباس الموحد الفاخر والجميل وسترات واقية من الأفضل ما في العالم وفي الآونة الاخيرة تمّ تعزيز الترتيبات الأمنية حول نصر الله بعد التحذيرات الايرانية بان اسرائيل تخطط لاستهدافه وقد طلب منه الانتقال الى ايران لحمايته الا انه رفض ذلك بشدة

اغتيال نصر الله اذا ما حصل ( لا قدر الله ) قد يفرز نتائج عكسية ويؤدي إلى انتقام شديد من جانب حزب الله وتأجيج النزاع وتعميق الأزمة الراهنة فلدى حزب الله ترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف التي حصل عليها من إيران وبعض الدول الشرقية والسوق السوداء والتي ليست بحوزة أغلب الجيوش النظامية في المنطقة وهي قادرة على بلوغ جميع الأراضي الإسرائيلية والسيناريوهات المتوقعة ترجح قيام عناصر الحزب بهجوم كبيراً وشامل واحتلال اراضي إسرائيلية رداً على تصفية نصر الله كما قد يؤدي اغتياله إلى زعزعة البنيان السياسي للبنان وتعميق المأزق والشرخ الأميركي الإسرائيلي المتأزم جدا

اسرائيل تعلم جيدا قبل غيرها ان حزب الله لا يعتمد على زعامته فقط وهو تنظيم بهيكل هرمي ومعظم قادته مؤهلين لتولي مهام القيادة وقد يكون الخليفة لنصر الله أكثر عدوانية وشراسة وأصعب في التعاطي والتعامل مما يعني بدء مرحلة وعهد أكثر تعقيد بالنسبة لإسرائيل وشعبها ومن ابرز القادة الذين عملوا على أمن نصر الله القائد العسكري الأعلى لحزب الله ورئيس الأجهزة الخاصة مصطفى بدر الدين قبل مقتله في سوريا عام 2016 ومستشار شؤون الاستخبارات حتى عام 2012 خليل حرب ورئيس الأمن المركزي وفيق صفا ورئيس جهاز الأمن والحماية الخاصة أبوعلي جواد ورئيس المجلس التنفيذي للحزب صفي الدين وابن شقيقه وخليفته والمقرب منه حسين الخليل

على مدى شهرين متتاليين اجرت اجهزة أمنية تابعة لفيلق القدس الايراني تحقيق مستقل في الضاحية اللبنانية الجنوبية لكشف شبكات العملاء والتجسس التي تسرب معلومات مهمة عن أماكن وجود قادة المقاومة الذين تغتالهم إسرائيل يومياً بشكل دقيق بعد أن كانت أصابع الاتهام الأولية موجهة لأنصار مجموعات سياسية لبنانية معارضة لحزب الله لكن حيثيات التحقيقات أظهرت أن ( أجهزة الهواتف النقالة الذكية ) وبعض التطبيقات والبرامج خصوصاً ” واتس آب” هي الجواسيس الأساسية في لبنان وكذلك في غزة وسوريا والعراق وأن جميع الذين اغتالتهم إسرائيل كانوا يستخدمون “واتس آب” للاتصال بأقاربهم وقد تم تعيين أماكن وجودهم الدقيق من خلال هذا البرنامج وأن بعض الذين التقوا حسن نصر الله مؤخرا كانوا يحملون معهم هواتف ذكية وفيها تطبيقات بينها “واتس آب” وهو ما مكّن الإسرائيليين من تحديد مخابئ عدة كانت تُعتبر آمنة بالنسبة لنصرالله حيث طُلِب منه التوقف عن استخدام تلك الأماكن وتأمين أخرى جديدة ومنع استعمال الهواتف الخلوية الذكية لكل من يتعامل معه أو يدخل عليه

يذكر ان السيد نصر الله قد تعرض خلال السنين الماضية للعديد من محاولات الاغتيال بعضها تم الكشف عنها والبعض الآخر مازال من الاسرار وكلها باءت بالفشل نتيجة للتدريب والتجهيز العالي لأفراد حمايته فقي أبريل 2006 اعتقلت شبكة خططت لاغتيال نصر الله من خلال استخدام صاروخ من طراز لاو مضاد للدبابات استهدف سيارته أثناء حضوره مهرجان في حارة حريك بالضاحية الجنوبية وفي 30 يوليو 2011 وقع انفجار في مبنى سكني في الضاحية يعتقد أن نصر الله كان مستهدف فيه حيث كان مقرراً أن يلتقي بكبار مسؤولي الحزب وبعد شهر انفجرت سيارة مفخخة قرب قاعة الشهداء حيث كان سيلقي نصر الله كلمة بمناسبة مرور سبع سنوات على حرب لبنان كما جرت محاولة اغتيال فاشلة من خلال التسمم الغذائي تم الكشف عنها قبل تنفيذها عام 2004 ومحاولة اغتيال فاشلة اخرى نفذتها الطائرات الإسرائيلية خلال عدوان 2006 على موقع كان يتواجد بداخله

فصل الخطاب ومع الأخذ بعين الاعتبار كل التهديدات الاسرائيلية على محمل الجد والتوقع بفشل جميع الجهود الدولية والاقليمية بما فيها محاولات التفاهم الأميركي – الإيراني المباشرة لمنع توسيع دائرة الحرب على الجبهة اللبنانية الجنوبية وتأمين تفاهم مشترك لوقفها فإن ظل المؤشرات الواقعية تدل على ان إسرائيل لن تستطيع تنفيذ وعيدها وخططها الإجرامية

النتيجة ان اغتيال نصر الله أمر مستبعد سبب العديد من الظروف والأسباب الموضوعية التي يتعين أخذها بالاعتبار قبل الإقدام على هذه الخطوة المتهورة ولا سيما طبيعة الظروف السياسية والتداعيات العسكرية المتوقعة من حزب الله ومحور المقاومة فضلاً عن انعدام الجدوى السياسية والأمنية منها ولهذا ستبقى الخطط المعدة لهذه الغاية حبيسة اجندة الاستراتيجية الإسرائيلية والبروباغندا الاعلامية للتقليل من وطأة التحدي الذي قام به نصر الله في خطابه الأخير بعدما أصبحت صورة الردع لدى الاحتلال تتهاوى وجيشه يبدو مهزومًا ومنهارًا أمام تزايد قوة وتحدي محور المقاومة

باحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.