السلاح النووي الإسرائيلي الخطر المسكوت عنه !
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم ببرنامج ايران النووي ومراحل تطويره
واستجماع القوى المعادية لإبقاء الحصار المطبق والعقوبات المشددة ووسائل
المراقبة المكثفة سارية المفعول لا نجد في المقابل من يتحدث باي صيغة او
لغة عن البرنامج النووي الصهيوني والذي يعلم العالم بأكمله أنه من أكبر
وأخطر المشروعات الذرية على وجه الارض وذلك بذريعة قديمة وجديدة وهي
مضحكة فحواها ( عدم اعتراف اسرائيل العلني بامتلاكها ) للسلاح النووي
وما يزيد الأمر قذارة ووقاحة واستهبال أن ثلاثة دول من مجموعة خمسة زائد
واحد ( امريكا وفرنسا وبريطانيا ) والتي قادت المفاوضات النووية مع
ايران تشارك تل ابيب في جريمتها المتمثلة بخداع العالم بعدم الانضمام لأي
معاهدات وهي تعلم بكل التفاصيل بل وشاركت تاريخيا في وجود هذا المشروع
الاسرائيلي وكان لها دور رئيس في التواطؤ والمساعدة المالية واللوجستية
والفنية ولا زال مستمرة في مساعداتها للبرنامج النووي الاسرائيلي حتى
اليوم
الولايات المتحدة مؤخرا وفي أثناء زيارة رئيس وزراء الإسرائيلي نفتالي
بينيت للبيت الأبيض أكد الرئيس بايدن له استمرار المواقف والتفاهمات
الاستراتيجية بين امريكا وإسرائيل فيما يتعلق بالبرنامج النووي العسكري
الإسرائيلي غير المعلن وفقا لما كشف عنه موقع أكسيوس الأمريكي نقلا عن
مسؤول إسرائيلي كبير اطلع على فحوى الاجتماع
هذا الاسلوب اصبح جزء من الطقوس المعتادة بالنسبة لكل رئيس أمريكي منذ
بداية عهد ريتشارد نيكسون ففي أول لقاء له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي
التزم بعدم ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل للانضمام إلى معاهدة حظر
انتشار الأسلحة النووية أو التخلي عن ترسانتها النووية مقابل موافقة
إسرائيل بالإبقاء على غموضها النووي والامتناع عن أي تجارب نووية أو
التهديد بضربة نووية لأي دولة معادية في العالم
ثم جاءت التفاهمات الاستراتيجية التي تم مناقشتها لأول مرة بين الرئيس
الامريكي نيكسون ورئيسة الوزراء الإسرائيلي آنذاك غولدا مائير في عام
1969 وفي ذلك الوقت كانت القدرة النووية الإسرائيلية قد تجاوزت نقطة
اللا عودة
بعدها كرر الرؤساء الامريكيون فورد وكارتر وريغان وجورج دبليو بوش
وكلينتون تلك التفاهمات في اجتماعاتهم الأولى مع نظرائهم الإسرائيليين
وفي عام 1998 خلال مؤتمر واي ريفر للسلام طلب رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو من الرئيس بيل كلينتون تحويل تلك التفاهمات الشفوية إلى وثيقة
مكتوبة وقد وافقت امريكا على ذلك ووقعت على رسالة تعهدت فيها بأن
الولايات المتحدة ستسمح لإسرائيل الاحتفاظ بقدرتها على الردع
الاستراتيجي بغض النظر عن أي مبادرة او اتفاق يتم ابرامه لمنع انتشار
الأسلحة النووية في العالم
ومع مطلع عام 1999 حل رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك محل نتنياهو
ووقعت امريكا رسالة التعهدات مرة أخرى وكذلك فعل الرئيس جورج دبليو بوش
عندما وقعها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون وعندما تولى الرئيس
باراك أوباما منصبه في عام 2009 كانت حكومة نتنياهو قلقة من أنه سيضغط
بشأن برنامجها النووي لكن أوباما وقع الرسالة خلال اجتماعهما الأول في
ايار عام 2009 حسبما ذكرت ذلك صحيفة واشنطن تايمز بعد عدة أشهر
أما في فترة تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الرئاسة فقد وقعت رسالة
التفاهمات الخطية وفقا لمضمون الإملاءات والمطالب الاسرائيلية وبأدق
تفاصيلها وروعي ادخال بعض النصوص التي تضمن عدم التراجع عنها او خرقها
بعض الوثائق البريطانية السرية للغاية والتي حصلت عليها مؤخرا محطة بي بي
سي نيوز نايت أظهرت أن بريطانيا أرسلت مئات الشحنات السرية من المواد
المحظورة إلى إسرائيل في الخمسينيات والستينيات وتمت الصفقة وقتها من
خلال شركة نرويجية استخدمت كواجهة بعدما حصلت على عمولة بنسبة 2 ٪ على
مجمل الصفقة
اما فيما يتعلق بدور فرنسا فقد كانت من الدول السباقة في تقديم المساعدة
الفنية لبناء مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي مع بدء عمله عام 1957 حيث
استمر بنائه ما بين سنتي 1962 و1964 وقبل ذلك كان هناك تعاونا علمي في
عام 1949 تمثل بدعوة بعض العلماء الإسرائيليين للمشاركة في البرنامج
النووي الفرنسي وفي عام 1960كانت أول التجارب النووية الفرنسية التي
شارك فيها علماء إسرائيليون جنبا إلى جنب مع العلماء الفرنسيين مع
تمكينهم من الوصول إلى جميع الوثائق والمخططات السرية وبيانات
الاختبارات الى ان قام الرئيس الفرنسي شارل ديغول بفصل البرنامج الفرنسي
عن الإسرائيلي
بقي زعماء وقادة اسرائيل يسوقون الخداع اللفظي والاعلامي على العالم
والداخل الاسرائيلي حول حقيقة برنامجهم النووي بفضاضة بالغة ففي 18 ايار
عام 1966 قال رئيس الوزراء ليفي إشكول امام الكنيست إن إسرائيل ليس لديها
أسلحة ذرية ولن تكون أول من يدخلها إلى المنطقة وهي السياسة التي أوضحها
بعد ذلك ولأول مرة شمعون بيريز إلى الرئيس الأمريكي جون كينيدي عام 1963
خلال لقائهما في واشنطن بعدم كشف الحقائق
بينما في 1968 أبلغ السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة إسحق رابين
وزارة الخارجية الأمريكية أن فهمها لإدخال أسلحة نووية يعني اختبارها أو
نشرها أو الإعلان عنها في حين أن مجرد حيازة الأسلحة لا يعني إدخالها وفي
ذلة لسان صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في مقابلة أجريت معه
في كانون الأول عام 2006 أن إيران تطمح إلى امتلاك سلاح نووي مثل (
أمريكا وفرنسا وإسرائيل وروسيا ) ثم عاد مكتبه ليقول ان التصريحات التي
ادلى بها أخرجت من سياقها عن طريق وسائل الاعلام المختلفة وان المقصود هو
غير ذلك
إسرائيل سعت منذ فترة طويلة إلى تعطيل برامج خصومها النووية من خلال
سياسة “الضربة الوقائية ” والمعروفة أيضا باسم ( مبدأ بيجن ) وفي عام
1981 قصفت الطائرات الإسرائيلية المفاعل الذري العراقي| ” تموز ” في
عملية أوبرا وقد دمرته بعد اعتقادها أنه كان ينشأ لأغراض انتاج أسلحة
نووية وفي عام 2007 قصفت طائرات حربية إسرائيلية منشأة “القبار ”
النووية في سوريا للسبب نفسه
وبدءًا من عام 2007 نفذ الموساد وفقا للتقارير المتواترة سلسلة اغتيالات
لعلماء نوويين من اجل عرقلة الأبحاث النووية الإيرانية كان اخرها تصفية
مسؤول البرنامج النووي العالم الاشهر فخري زاده وفي كل مرة لم تؤكد
اسرائيل ولم تنف ضلوعها في عمليات القتل رغم كل الشبهات التي تدور حولها
ولا تزال تل ابيب تمارس الخداع ولفت الأنظار عن مشروعها الاجرامي بتوجيه
الاتهامات الى مشروع ايران النووي بدعم ومساعدة واشنطن
وبعض الدول الاوربية التي تسير على خطاها بنفاق واضح في حملة المضايقات
والعقوبات ضد ايران وجميعها تعلم جيدا حجم وخطورة المشروع الاسرائيلي
ومشاركتهم التاريخية في أنشاءه والأسوأ من ذلك هو استمرار الصمت والعجز
العربي والذي يصل الى مستوى التواطؤ مع اسرائيل والمشاركة في الحصار
والانصياع للعقوبات على ايران وغيرها تحت عناوين مختلقة وشعارات كاذبة
وذرائع مفبركة وواهية
ومن المهم هنا الاشارة الى ان رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت في أولى
كلماته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 76 عدم التطرق
إلى موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وركز على الشأن الإيراني وقال ”
إن برنامج إيران النووي تجاوز كل الخطوط الحمراء ” وانها تسعى إيران إلى
إنتاج أسلحة نووية في مواقع سرية
الوقوف الإسرائيلي عند خيار المجتمع الدولي وتنفيذ قرار العقوبات
الاقتصادية الأمريكية لثني طهران عن تطوير صناعتها النووية لم يدم طويلا
قبل البحث في خيارات أخر ويجب أن تتوقف واشنطن عن التستر على السلاح
النووي الإسرائيلي
خيارات تل أبيب في الواقع تنحسر الواحدة تلو الأخرى وفي مقدمتها الخيار
العسكري فهو يكاد يدخل في دائرة المستحيل ليس خوفا من رد فعل إيراني
عسكري فطهران تدرك العواقب التدميرية لمثل هذا الفعل فتتحاشى تنفيذه
بقدرة ذاتية مباشرة وخاصة بعدما خرجت أمريكا في ظل إدارة الرئيس جو
بايدن من دائرة الصراع الأشمل مع إيران مكتفية باستعمال أداة دبلوماسية
تتحرك بعجلة بطيئة لا تتوافق مع سرعة المحرك النووي بوشهر
كل المخططات المبرمجة التي كانت في جعبة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق
نتن ياهو فقدت جدواها في فك عقدة البرنامج النووي الإيراني المقترب نحو
انتزاع مساحة وجوده رغم كافة العراقيل الشكلية المزروعة بقرار أمريكي
يفتقر لمحتوى القوة
والسؤال الاخير الى متى يبقى هذا الصمت المريب اقليميا وعربيا ودوليا عن
المشروع النووي الاسرائيلي الاخطر في المنطقة واين ومتى يمكن ان تطاله
العقوبات الدولية المتحيزة وغير العادلة في ظل رفض دولة الاحتلال
الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وغيرها وعدم احترامها
لقواعد القانون الدولي والالتزامات الدولية الخاصة بمنع استخدام مثل هذه
الاسلحة مع استمرارها في التكتم الشديد عن ما يجري في مفاعل ديمونة
النووي
mahdimubarak@gmail.com