الصمت الانتخابيّ في العصر الرقميّ


د .عريب هاني المومني

=

تُواجه الانتخابات البرلمانيّة الأردنيّة لعام 2024م تحدياتٍ جديدة ومثيرة للاهتمام؛ بسبب التطورات التكنولوجيّة السريعة وتأثيرها على العمليّة الانتخابيّة. أحد هذه التحديات هو احترام مرحلة الصمت الانتخابيّ، هذه المرحلة التي تُعد جزءاً أساسياً من النزاهة الانتخابيّة، وتهدف إلى منح الناخبين فترةً للتفكير وتقييم البرامج الانتخابيّة، ومن ثمّ اتخاذ قرارات مُستنيرة بعيداً عن ضوضاء الحملات الانتخابيّة.
في الأردن، تبدأ فترة الصمت الانتخابي قبل أربع وعشرين ساعة من اليوم المحدَّد للاقتراع، ويُفترض إيقاف كافّة مظاهر الدعاية الانتخابيّة خلال هذه المرحلة، وذلك استناداً لنص المادة (20/ أ) من قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم (4) لسنة 2022م وتعديلاته. ويثور التساؤل حول مدى إمكانيّة احترام هذه المرحلة في العصر الرقميّ؟
ففي العصر الرقميّ تولّدت تحديات جديدة تتعلّق باحترام فترة الصمت الانتخابيّ، من أبرزها انتشار وسائل التواصل الاجتماعيّ وتطبيقات المراسلة الفوريّة. هذه الوسائل على الرغم من فوائدها في نشر الوعيّ والمعلومات، إلّا أنّه يُمكن أن تُستخدم أيضاً لتجاوز قواعد الصمت الانتخابيّ بسهولة.
ويترتّب على تجاوز قواعد هذه المرحلة الهامّة تأثيرات سلبيّة عديدة. إذ من المُمكن حدوث تفاوت في فرص التنافس بين المُرشّحين، حيث يمكن لبعضهم استغلال الثغرات القانونيّة أو تقنيات الرقابة، وهذا قد يُؤدي إلى ضعف الثقة العامّة في العمليّة الانتخابيّة، فيشعر الناخبون أنّ هذه العمليّة ليست نزيهة أو عادلة؛ بسبب التدخّلات الرقميّة المُستمرة. كما يُمكن أن تُستخدم منصات التواصل الاجتماعيّ لنشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة في اللّحظات الحاسمة قبل التصويت، وهو ما يدخل في إطار الاستقطاب السياسيّ.
ولمواجهة هذه التحديات، فإنّ ذلك يتطلّب اتّخاذ إجراءات فعّالة لضمان احترام فترة الصمت الانتخابيّ في ظلّ الثورة التكنولوجيّة التي نشهدها، من خلال تبنّي العديد من السبل والآليّات، ويقع في مُقدّمتها تغليظ العقوبات على المخالفين وتوعية الناخبين. بالإضافة إلى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعيّ، من خلال تدريب كوادر فنيّة متخصّصة على المراقبة والرصد، واستثمار تقنيات الذكاء الاصطناعيّ؛ لتحليل البيانات وتحديد أيّ نشاطٍ غير مُلائمٍ على منصّات التواصل الاجتماعيّ خلال فترة الصمت الانتخابيّ. كما يُمكن التعاون مع شركات منصّات التواصل الاجتماعيّ؛ لتطوير آليّاتٍ تقنيّة لرصد ومراقبة استخدام المنصات خلال فترة الصمت الانتخابيّ، أو حظر عرض الرسائل السياسيّة التي تُشكّل اختراقاً لهذه المرحلة عن طريق خوارزميّات منصّات التواصل الاجتماعيّ.
وبالتالي فإنّ مرحلة الصمت الانتخابي تُعدّ جزءاً أساسياً في العمليّة الانتخابيّة الديمقراطيّة، حيث تهدف إلى تحقيق التوازن والنزاهة في الانتخابات. وفي العصر الرقميّ تتطلّب العمليّة الانتخابيّة وخصوصاً مرحلة الصمت الانتخابيّ جهوداً مضاعفة ورقابةً مستمرة؛ لضمان عدم انتهاكها عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ وتطبيقات المراسلة الفوريّة؛ من أجل الوصول إلى بيئة انتخابيّة أكثر شفافيّة وعدالة في الأردن.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.