العمل التطوعي: دعم للاقتصاد الوطني في ظل التحديات العالمية


المحامي الدكتور هيثم عريفج

في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، ومع توقف المساعدات الأمريكية للأردن وتجميد برامج الـUSAID التي لطالما أسهمت في دعم مشاريع تنموية وخدمية، تبرز الحاجة الملحّة للبحث عن بدائل محلية تُسهم في تعويض هذا النقص وتدفع عجلة التنمية الوطنية. وفي هذا السياق، يظهر العمل التطوعي كأحد أهم الحلول الواقعية والمستدامة التي يمكن أن تعزز من قدرة المجتمع على الصمود والنهوض.

يُعد العمل التطوعي في الأردن ركيزة أساسية للتنمية الشاملة. فهو لا يقتصر على تقديم خدمات مجانية فحسب، بل يُجسد روح الانتماء والمواطنة الفاعلة، ويمنح الشباب فرصة للانخراط في العمل المجتمعي البنّاء، مما يُسهم في بناء مهاراتهم العملية والمهنية، ويجعلهم شركاء حقيقيين في عملية التقدم الوطني.

من منظور اقتصادي، يُسهم العمل التطوعي بشكل مباشر في تخفيف الأعباء المالية عن كاهل الدولة، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والرعاية الاجتماعية. فكل ساعة تطوعية تُعد مساهمة اقتصادية تُقدّر مالياً، حتى وإن لم تُدفع مقابلها أجور مباشرة. هذا النوع من العطاء يساهم في تقليل الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية، ويُعزز من كفاءة استخدام الموارد المحدودة، لا سيما في الأوقات التي تشهد تقشفاً مالياً أو تراجعاً في الدعم الخارجي.

وقد أثبتت التجارب الدولية أن العمل التطوعي ليس فقط عملاً خيرياً، بل هو نشاط اقتصادي له وزن حقيقي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تبلغ قيمة العمل التطوعي أكثر من 180 مليار دولار سنوياً تُحتسب ضمن الناتج المحلي الإجمالي. أما في أوروبا، فتُعد الساعات التطوعية دعامة أساسية في سياسات التنمية المستدامة، كما في ألمانيا وفرنسا، حيث تسهم في تقليل الضغط على شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين جودة حياة الفئات الأكثر حاجة.

وفي الصين، أصبح للمنظمات التطوعية دور محوري في التعامل مع الكوارث الطبيعية والطوارئ، حيث يقوم المتطوعون بتنظيم حملات إغاثة وتقديم الدعم اللوجستي للمناطق المتضررة، مما يعزز من تماسك المجتمع ويُساند الدولة في أداء واجباتها.

تقتضي المرحلة الراهنة من الحكومة الأردنية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، العمل معاً على تبنّي استراتيجية وطنية شاملة لتفعيل العمل التطوعي، ترتكز على:

إدماج التطوع في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

تشجيع الشراكات بين الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة.

تنظيم وتوجيه الجهود التطوعية نحو أولويات وطنية كالرعاية الصحية، التعليم، البيئة، وخدمة المجتمعات الفقيرة.

توفير منصات رسمية وآمنة لتنظيم العمل التطوعي وتوثيق أثره الاقتصادي والاجتماعي.

ختامًا إنَّ الظروف التي يمر بها الأردن حالياً، في ظل وقف المساعدات الأمريكية وتوقف برامج الدعم الدولي، يجب أن تُحفّزنا على تعزيز الاعتماد على الذات، من خلال أدوات متاحة مثل العمل التطوعي. فهذا القطاع لا يمثل فقط بديلاً مؤقتاً، بل يُعد استثماراً طويل الأمد في رأس المال البشري والمجتمعي. إنَّ دعم العمل التطوعي وتمكينه يُمثل طوق نجاة حقيقياً للاقتصاد الوطني، ويُعزز من استدامة التنمية ويُرسخ مفاهيم التكاتف والتضامن المجتمعي، في سبيل بناء أردن قوي، مستقل، وقادر على مواجهة تحديات المستقبل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.