اللبنانيون بين مأساة الفقر والموت في البحر !
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
كثيرة هي الظروف القاهرة التي تضطر اغلب اللبنانيين لركوب البحر في رحلة هجرة غير شرعية تحفها المخاطر في مقدمتها الغرق حتى ان بعضهم وصف ما يحدث بأنه تهجير اجباري وليس هجرة اختيارية عادية إذ أن الظروف القاسية هي ما يدفع الناس لخيار ترك الوطن او لهجرة قسرا وهي تعكس المأساة الأكبر التي يعيشها اللبنانيون في هذه المرحلة التي يجهدون فيها أنفسهم بتدبير سبل معيشتهم في ظل نسب تضخم عالية وارتفاعات هائلة في الأسعار وتضييق منظم على سحب الأموال من المصارف وتفشي معدلات البطالة
منذ دخول لبنان في أزمة اقتصادية خانقة عام 2019 تشير الأرقام إلى تزايد في نسبة اللبنانيين الساعين لمغادرة بلاد هم بحرا وبصورة غير قانونية حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إن نحو 1600 شخص حاولوا المغادرة بحراً العام الماضي بارتفاع قدره 300 شخص مقارنة مع عامي 2019 و2021 وهنالك مئات المهاجرين الذين يلقون حتفهم ضحايا في مياه البحر المتوسط منذ عام 2015 وهم يتابعون رحلات الموت من لبنان إلى قبرص رغم كل ما يقال عن ان غرق قوارب الهجرة نادر الحدوث
السبت الماضي 21 / 4 / 2022 كان يوم الفاجعة الانسانية في كل لبنان حين غادر مركب غير شرعي لنقل المهاجرين كان من على متنه نحو 60 شخص لم تحدد جنسياتهم منطقة القلمون جنوب طرابلس كبرى مدن شمال لبنان حيث كان يحمل خمسة عشر ضعف حمولته المسموح بها وكان الغرق هو مصير الركاب الحتمي بحسب تصريحات رسمية
الروايات حول سبب غرق المركب تضاربت فهنالك أقاويل غير مؤكدة عن تعطّله وطلب ربانه المساعدة الطارئة من خفر السواحل فيما اتهم البعض في رواية أخرى غير مؤكدة ايضا البحرية اللبنانية بالتسبب في غرقه وسقوط بعض ركابه في المياه العميقة لأنها كانت تلاحقه في البحر وأن زورقين تابعين للجيش ارتطما عمدا به مرتين لوقف مسيرته ودفعه إلى التوقف والعودة
وهو ما أدى الى غرقه قبالة السواحل اللبنانية على مسافة ثلاثة أميال غرب جزيرة الفنار – الرمكين حيث لقي ستة مهاجرين بينهم طفلة حتفهم وقد ترددت معلومات جديدة عن وفاة طفل آخر غرقا مقابل ذلك نفى قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني العقيد الركن هيثم ضناوي خلال مؤتمر صحفي له كل الاتهامات وادعى بان المركب غرق بعيد مغادرته القلمون مباشرة نتيجة تسرب المياه البه وكذلك بسبب ارتفاع الموج وحمولته الزائدة حسب زعمه
وأن زورقي دورية الجيش تابعا المركب لإجباره على الرجوع إلى اليابسة لكن قائده قام بتنفيذ مناورات للهروب ما أدى لارتطامه بزورقي الجيش وتصدع هيكله وبأقل من خمس ثوان كان تحت المياه وقد استمر الجيش في البحث عن ناجين بعد أنفاذه 48 شخص وهذا الحادث ليس الأول من نوعه في لبنان البلد المنكوب الذي يواجه أسوأ انهيار مالي له على الإطلاق
المركب او القارب الغارق يبلغ طوله 10 أمتار فقط وعرضه ثلاثة أمتار وتم تشييده عام 1974 وليس عليه أي وسيلة من وسائل النجاة والإنقاذ وأبحر دون اخذه بالاحتياطات الأمنية المطلوبة
الكثير من اللبنانيين وبعض المنظمات الدولية والحكومات الأجنبية القوا باللوم في الأزمة الخطيرة التي يشهدها لبنان الذي يناهز عدد سكانه ستة ملايين نسمة والتي أفقدت الليرة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها وبات غالبية السكان يعيشون تحت خط الفقر على الطبقة السياسية المتحكمة التي أجبرت العاطلين عن العمل على مغادرة البلاد بعدما ظلت على حالها من الإهمال والتحلف لعقود طويلة في ظل اتهامها بالفساد وعدم الكفاءة وهو ما يستدعي وبشكل عاجل وضع حد لهذه المآسي المروعة والمتكررة
معظم الذين يحاولون مغادرة لبنان عن طريق البحر هم لاجئون سوريون يأملون في الوصول إلى قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي التي تبعد 175 كيلومترا عن سواحل لبنان ومن ثم الى أوروبا لكن المواطنين اللبنانيين انضموا مؤخرا بشكل متزايد إلى صفوفهم بعدما أصبحت الهجرة خيارهم الوحيد مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة العملة المحلية وتعطل معظم الخدمات وانهيار أجهزة ومؤسسات الدولة
الحادثة الأليمة تأتي بعد أسبوع واحد على إحباط الجيش اللبناني عملية هجرة غير شرعية عند نقطة العريضة حيث تم توقيف أحد المراكب في المياه الإقليمية اللبنانية وعلى متنه عشرون شخص من الجنسية السورية بينهم أطفال ونساء وقد قفز أربعة منهم إلى البحر عند محاولة القبض عليهم
غرق الطرابلسيين أثناء محاولتهم النجاة من معاناة البطالة والمجاعة الزاحفة على مدينتهم اثار غضب كبير ونقمة واسعة على المسؤولين الذين يتحملون مسؤولية الفقر والانهيار اللذين دفعا الناس للمخاطرة بأرواحهم واللجوء الى الهجرة بالتهريب ومن المؤسف جدا ان يترافق ذلك مع إعلان مجلة فوربس عن ارتفاع ثروة رئيس الحكومة وابن طرابلس نجيب ميقاتي إلى 3 مليار دولار وانطلاق عملية توريث لمقعد رئاسة الجمهورية بدأها ميشال عون لمصلحة صهره جبران باسيل فضلا عن المحاصصة وكولسات الانتخابات وعصابات النفوذ والطوائف التي حولت لبنان الى كانتونات سياسية وسجن مغلقة تتصارع فيه على المناصب والمكاسب الشخصية
أصوات الناجين من مركب الموت الذي ( غرق أو أُغرق ) قبالة ميناء عاصمة الشمال اللبناني ظهرت واضحة وقاطعة بينما كانوا على أجهزة التنفس منهكين وغاضبين ومثقلين بجروحهم ويأسهم يرددون في وجه الطبقة السياسية الحاكمة نحن هاربون من وجوهكم الكالحة وسنعاود المحاولة من جديد حالما تحين الفرصة لنا مادام ( لبنان الجنة يحكمه الشياطين )
الحقيقة المرة انه في النهاية غرق من غرق ونجا من نجا وسوف يستأنف الاباطرة السياسيون عيشهم ورخاءهم بينما يواصل سواد اللبنانيون محاولاتهم لمغادرة واقع البؤس الرهيب والمجاعة التي نظمتها لهم السلطة والجميع يتساءلون أي نوع من البشر هؤلاء الذين تسببوا بما تسببوا به للبنانيين وهم أنفسهم من عادوا وترشحوا للانتخابات المقبلة ليكملوا مشوارهم الاثيم في القضاء على ما تبقى من لبنان ارض وشعب
اللبنانيون المكلومون في لقمة عيشهم ورمق حياتهم يقولون صبح مساء بلسان واحد يضم اؤلائك الذين احبوا لبنان الوطن والهوية بانه لا وقاحة تفوق وقاحة أهل السلطة في لبنان فبعدما فجروا بيروت هاهم بصدد إزالة الشاهد على جريمتهم ( أهراءات المرفأ ) وعقب سرقتهم ودائع الناس في المصارف هاهم الآن على وشك إصدار قانون يشرع السرقة التي ارتكبوها وهام بعد كل فضائحهم يريدون ان يعودوا الى الحكم والسلطة عبر انتخابات هزلية نتائجها معروفة مسبقا
اليوم جاء دور طرابلس التي تسببوا بتجويع فقرائها ودفعهم للهرب عبر قوارب متهالكة وهشة ثم يرسلون قوارب الجيش اللبناني لتعقبهم في مخاطرة كانت فصول الموت فيها حاضرة وبعدها يعلنون الحداد وينكسون الأعلام نزنا على من قتلوهم ظلما عن سبق واصرار بسياساتهم العبثية الفاسدة والقاتلة
مأساة غرق المركب قبالة ساحل مدينة طرابلس يجب ان تعيد من جديد فتح النقاش حول الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون والتي جعلت من الهجرة المحفوفة بالمخاطر مخرجا وحيدا لهم من الأزمة المعيشية الطاحنة كي يعيشوا حياة كريمة ويصنعوا مستقبلا أفضل لأبنائهم
رغم عدم وجود اي أمل في تحسن الأوضاع في المدى القريب في ظل ما تشهده البلاد من أكبر أزمة مالية واقتصادية ومصرفية عبر تاريخها وهو ما يرشح أن تكون الموجة الثالثة للهجرة أكبر وأخطر من سابقتيها
بسبب ارتفاع رغبة الهجرة لدى الشباب اللبناني بمعدل 77% وهي نسبة تتعدى أي نسبة مشابهة لها ضمن الشباب في المنطقة العربية حتى في الدول التي شهدت وتشهد صراعات مسلحة مثل العراق واليمن وسوريا وليبيا بالإضافة الى الزيادة الكثيفة في هجرة المتخصصين والمهنيين العاملين في القطاعات الطبية كالأطباء والممرضين وكذلك موظفو قطاع التعليم العالي والثانوي من مدرسين وأساتذة جامعات
أخيرا نقول لبنان الذبيح منارة الشرق الساطع نورا وضياء بتاريخه العريق يستصرخ ما تبقى من ضمائر حية لدى مسؤوليه من اتباع الطبقة السياسية الجديدة بوقفة ضمير ونظرة تقدير ويد حانية تنتشله من غيابات الدمار والضياع وترحم شعبه الخير المحاصر بالجوع والمرض والمكبل بالفقر البطالة التي جعلتهم يلقون بأنفسهم زرافات الى التهلكة في ظلمات البحر دون احتساب للفرق بين الموت والحياة لانهما بعدما اضحيا سيان
mahdimubarak@gmail.com