المشروع الإيراني والمشروع الإسرائيلي في طريقهما للفشل


الدكتور رشيد عبّاس

لنتفق منذُ البداية وكي لا نختلف شيئاً ما, أن هناك مسلمة أو ربما بديهية لا تحتاج إلى برهان, منطوق هذه المسلمة يقول: لم يكن هناك أي مشروع عربي واضح المعالم منذُ انتهاء الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا, ومن هذا المنطلق كان هناك فراغ سياسي كبير, وبيئة خصبة ملائمة لولادة مشاريع أيدولوجية معقدة التركيب تنامت من ذلك الوقت في منطقة الشرق الأوسط.
ومع تضارب المصالح في منطقة الشرق الأوسط وجد العالم العربي نفسه أمام مشروعين بأيدولوجيتين مختلفتين, أحد هذه المشاريع فارسي جهته من الشرق يطمح لنشر فكر التشيع الفارسي في المنطقة, والأخر مشروع صهيوني جهته من الغرب يهدف إلى قيام دولة صهيونية من الفرات إلى النيل, ومع تنامي هذه المشاريع كان الخاسر الأوحد وما زال العالم العربي, فقد سجّل العالم العربي تراجع كبير في الجانب السياسي والاقتصادي والثقافي, وكان لهذا التراجع الأثر الكبير على التكامل الانتاجي بين جميع الدول العربية في ضوء هذه المشاريع.
بدأ كل من المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي بالضغط على الأخر من خلال الأوراق السياسية التي يمتلكها كل منهما, حيث أننا وجدنا ثقافة ممنهجة تبناها المشروع الصهيوني هدفها تغيير بوصلة ثقافة الأمة العربية مِن مَن هو العدو الأول للأمة العربية, وقد حقق المشروع الصهيوني مع مرور الزمن نجاحاً كبير في تغيير ثقافة الاجيال العربية لجعل العدو الأول للأمة العربية هم الفرس, وغرس كراهية عميقة تجاه الفرس, وأن الحركة الصهيونية هي الخندق الأول للدفاع عن الأمة العربية تجاه انتشار أيدولوجية التشيع الفارسي في العالم العربي.. كل ذلك من أجل توفير بيئة خصبة لإقامة دولة إسرائيل المزعومة.
في المقابل شكّل المشروع الفارسي مقاومة ممنهجة مسلّحة لصد المشروع الصهيوني الذي عمل ضدهم على أرض الأمة العربية, وبالذات على أرض كل من لبنان واليمن وفلسطين, وبدأ الدعم المادي والمعنوي لجميع ساحات المقاومة من قِبل المشروع الفارسي/ أيران, ضد المشروع الصهيوني/إسرائيل, وفي كل مرة يكون الخاسر الأوحد هي الامة العربية التي تشوّهت هويتها بين المشروعين المتنازعين.
في هذا الإطار أنقسم العالم العربي, أو ربما أخذ بعض أشكال الانحياز والتي بدأ يظهر على السطح السياسي, فالبعض من الدول العربية للأسف الشديد أنحاز للمشروع الصهيوني بطريقة أو بأخرى, والبعض الأخر أنحاز بطريقة أو بأخرى للمشروع الفارسي, وهناك دول عربية محدودة كانت وما زالت متحفظة على موقفها تجاه المشروعين.
اعتقد جازماً أن كلا المشروعين.. المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي قد بدءا في الانهيار مع بداية الحرب الأخيرة على كل من غزة ولبنان, وأن تبادل الهجوم والرد المعاكس المتبادل على كل منهما يؤكد دون أدنى شك فشل تلك المشاريع, فالمشاريع الايدولوجية كـ(التشيع) أو (بناء دولة) يحتاج ذلك إلى ساسة ومفكرين كبار يؤمنون بسياسة الفكر أكثر من أن يؤمنوا بسياسة القوة, والايام القادمة ستؤكد وستثبت للجميع أن المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي كانت نهايتهما على يد بعضهما البعض, وهذا يفتح الطريق من جديد للأمة العربية لبناء مشروع عربي واسع غير مسلّح, يقوم على بناء مشاريع تنموي متكاملة ضخمة, قوامها الذكاء الاصطناعي, معتقداً أن الأردن لديه مقومات فكرية عميقة في هذا المجال لوضع العالم العربي على طاولة مستديرة لتعبئة الفراغ الكبير الذي سينتج عن فشل المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي في منطقة الشرق الاوسط.
إن بناء المشاريع الإنتاجية وإطارها الذكاء الاصطناعي ممكن بناءها اليوم على ركام مشاريع أُسّست على أصوات الصواريخ والمدافع والطائرات المسيّرة وأنّات الملاجئ تحت الارض, وهذه فرصة كبيرة للأمة العربية كي تنفض الغبار المتراكم على أكتافها منذُ عقود بعيدة لتنهض من جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.