الولاء والكفاءة.. معادلة لا تقبل القسمة


المحامي الدكتور هيثم عريفج

نتفق جميعاً على ان الأردن وطن يستحق أن يكون في مصاف الدول المتقدمة، ويتطلب ذلك أن نقدم المزيد للوطن والمواطن في كافة المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية وغيرها. بلا شك إن هذا الأمر يستوجب تفعيل دور الأردنيين من أصحاب الكفاءة والقدرة على القيادة بإبداع، من خلال استثمار العقول القادرة على النهوض بالمجتمع، بعيدًا عن المحاصصة والمحسوبية والتنفيعات التي أثبتت خلال السنوات الماضية أنها لم تعد مجدية، بل أثرت سلبًا على واقع العمل والإنجاز الأردني.
لقد كان الأردن رائدًا في منطقتنا في مجالات عديدة منها التعليم والصحة، ولكننا اليوم نواجه تراجعًا ملحوظًا، فتقدَّم الأشقاء بينما تراجعنا نحن. هذه الانتكاسة لم تكن بسبب نقص الموارد أو غياب العقول، بل بسبب عدم تمكين الكفاءات من مواقع المسؤولية، إذ تم تهميشها لصالح من لا يمتلكون المؤهلات المطلوبة، مما أدى إلى ضعف الأداء القيادي والإداري وتعثر المشاريع التنموية التي كان من الممكن أن تدفع عجلة التقدم للأمام.
اليوم، يقف الأردن على محك الظروف الإقليمية الصعبة، بدءًا من تداعيات الحرب في غزة، واندفاع بعض الجيران لتقديم تنازلات للعدو، مرورًا بتحديات الإقليم الأخرى، مثل خطر وقف المساعدات والمنح وحتى القروض في محاولة لفرض التهجير على الأردن. في ظل هذه التحديات، لا بد الإعتماد على النفس بشكل مطلق، هذا يتطلب تفعيل أصحاب الكفاءة بدلاً من إقصائهم حفاظًا على مكاسب ضيقة للبعض. علينا أن نستثمر في الكوادر الوطنية المؤهلة، ونضع القادرين في الأماكن المناسبة للقيادة والتخطيط ، فالإدارة الناجحة أساسها التخطيط السليم، والقدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة مبنية على الخبرة والعلم، وليس المجاملات أو المصالح الشخصية.
تحديات الأردن كثيرة وكبيرة، لكن أخطرها تلك المعادلة الوهمية التي يروج لها البعض عند توزيع المناصب: “الولاء أو الكفاءة”، وكأنهما خياران متناقضان! أليس الأجدر أن نعيد صياغتها لتكون “الولاء والكفاءة” معًا؟ إن الإدارة الرشيدة للدولة لا يمكن أن تُبنى على الولاء وحده، فالكفاءة عنصر أساسي لضمان الاستدامة والتطور، ويجب أن يكون معيار الاختيار للمسؤولين قائماً على قدراتهم العملية والعلمية، وليس مجرد ارتباطهم بعلاقات شخصية أو ولاء شكلي.
جلّ الأردنيين مخلصون لوطنهم وقيادتهم، وهذا هو الأساس، فلا خلاف بيننا على الثوابت الوطنية من دستور وشعب وعرش وجيش. لذا، فإن مفهوم الولاء ووحده محيَّد، ولا يمكن اعتماده معيارًا لإقصاء الكفاءات، مما يؤدي إلى مزيد من ضعف الإدارة والانجاز. الوطن يحتاج إلى العقول القادرة على البناء والتطوير، وقد آن الأوان لفتح المجال أمام أصحاب الكفاءات ليكونوا شركاء حقيقيين في صناعة المستقبل، لأن الأردن يستحق الأفضل. إن تطوير المؤسسات، وتحسين الخدمات، وتعزيز الاقتصاد الوطني، كلها أمور تعتمد بشكل أساسي على الأشخاص الذين يديرون دفة القيادة، لذا لا بد من انتهاج سياسات تقوم على الكفاءة أولاً، دون تمييز أو تهميش، فنجاح الوطن هو مسؤولية الجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.