بين الشروق والغروب


نسيم العنيزات

إن التجديد ومبارحة الجمود والخمول ليس ترفًا أو هامشًا في حياتنا، بقدر ما هو ضرورة من أجل البقاء والاستمرار.

ولا يقتصر التجديد على أمر معين، بل يشمل جميع مقومات الحياة وأركانها، الذي يكون الإنسان محورها وأساسها والمشغل الرئيسي لإدارة عجلتها باستخدام جميع الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك.

فالتجديد والتغيير الفكري يشكلان نقطة البداية في فهم وإدراك ما يجري حولنا من تغيرات أو أحداث تحتاج إلى الخروج ومغادرة دائرة الجمود، إلى معرفة مجرياتها ومحدداتها حتى يتسنى لنا التفاعل معها وفهم أسبابها ودوافعها وكيفية التفاعل معها بالشكل الصحيح، حتى لا نبقى ندور في الدائرة نفسها أو ينطبق علينا المثل «على بال مين يلي بترقص بالعتمة».

فإذا كانت المواقف السياسية من الثوابت الدولية التي تحكم علاقات الدول ببعضها وتؤسس إلى بناء تحالفات وكتل إقليمية لمواجهة مواقف متناقضة لحماية نفسها وتحقيق مصالحها، فقد أصبحت الآن، وفي ظل التغييرات، شيئًا من الماضي، ولا تمثل القواعد السياسية، وستغادر – إن لم تغادر فعلاً – دائرة ثوابتها ونظرياتها من كتب السياسة والعلاقات الدولية.

ففي حياتنا معروفة الثوابت التي لا يختلف عليها اثنان مهما كانت أيديولوجيتهم أو أصولهم أو جنسيتهم، وغير ذلك إما متغير أو قابل للتغيير.

وهذه قاعدة غير قابلة للشك أو التفسير، ولا يرفضها إلا أصحاب العقول والأفكار المتحجرة التي لا تعرف اللين ولا تعترف بالواقع.

لذلك، فإن التغير في المواقف الدولية واستبدال سلم الأولويات ومغادرة مربع الثوابت يصبح أحيانًا من الضرورات التي يجب أن نسلِّم بها حتى ننجو بأنفسنا ونحمي مصالحنا، وهذا لا يعني أننا قد لا نعود إليها مرة أخرى في وقت أو ظرف يتطلب ذلك.

لأن العنصر الأهم هو البقاء الذي يمنحنا الحركة ويعطينا الفرصة مرة أخرى للمناورة والتفاعل المستمر، وعكس ذلك فسيأتي غيرنا ويحل محلنا ونذهب نحن وأفكارنا دون أن نحقق شيئًا.

وكذلك، فإن الإنسان الذي تحدثنا عنه في بداية المقال باعتباره المحرك الرئيسي للتغيير، لا يجوز أن يبقى حبيسًا لفكرة يرفض الابتعاد عنها أو مغادرة دائرتها أو حتى الحوار حولها أو حتى الاعتراف بالواقع، إذ سيرفضه المجتمع وتغادره مقطورة الأفكار.

فالحياة متغيرة، والأفكار مهما كانت، فإنها أيضًا قابلة للتغيير والتطوير، وتحتاج دائمًا إلى تبنيها وتنميتها، كما ترفض التخندق.

فكما توجد العتمة، هناك فجر، وبين الشروق والغروب هناك ثمة أمل جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.